د.منار الشوربجي
مجرد تزامن فى التوقيت يكشف عن أن المسألة العرقية مشكلة مزمنة في كل من أميركا وإسرائيل. فالعالم كله تابع، طوال الأسابيع الأخيرة، أحداث مدينة بالتيمور الأمريكية بعد ما تعرض له الشاب الأسود فريدى جريى، الذى ألقت الشرطة القبض عليه ونقلته فى سيارتها ثم رحل عن الدنيا بعد إصابة بالغة فى العمود الفقري أدخلته في غيبوبة حتى وفاته.
ورغم أن الإعلام الأمريكى والعالمي ركز على أحداث العنف والتخريب التى شهدتها المدينة بعد تشييع جنازة الشاب، إلا أن بالتيمور كانت تعج بالمسيرات السلمية منذ أن تم القبض على الشاب وإصابته وطوال بقائه بالمستشفى مصابا بغيبوبة. وبعد أن انقشع غبار العنف، عادت المسيرات السلمية من جديد والتى انتهت بإعلان مكتب النائب العام بالولاية القبض على ضباط الشرطة الستة المسئولين عن نقل الشاب فى سيارة الشرطة للمخفر ووجهت لهم اتهامات تتعلق بالقبض عليه دون وجه حق أصلاً ثم عدم الحفاظ على سلامته أثناء النقل وتجاهل صراخه من الألم وتوسلاته المستمرة باستدعاء طبيب.
وواقعة فريدى جريي ليست الأولى من نوعها وانما مجرد واحدة ضمن سلسلة طويلة من الأحداث المشابهة التى لقى فيها شباب من السود مصرعهم نتيجة العنف غير المبرر لجهاز الشرطة الأميركي ضدهم. وقد كشفت الأحداث عن صحة تقدير كاتبة السطور الذى نشرته في هذا المكان منذ أسابيع بعد وقائع مماثلة وتنبأت فيه بأن أزمة سود أميركا مرشحة للتفاقم لأنه لا يتم علاجها رغم وجود رئيس أسود فى البيت الأبيض. ورغم روح التفاؤل التي عمت مدينة بالتيمور بعد الإعلان عن توجيه اتهامات للضباط المسؤولين عن واقعة فريدى جريي إلا أنه من المبكر للغاية معرفة ما سوف تسفر عنه محاكمة الضباط التي قد تستغرق شهوراً طويلة وربما أعواماً.
لكن يبدو أن ما كان عالم الاقتصاد السويدي، صاحب نوبل، جانر مايردال قد قاله حين وصف المسألة العرقية فى الولايات المتحدة قبل حركة الحقوق المدنية بأنها «المعضلة الأميركية» يظل صحيحا بعدها بستة عقود. ففى الثلاثينات، ترأس مايردال مشروعاً بحثياً عن التفاعلات العرقية فى الولايات المتحدة ضم باحثين فى الاقتصاد والأنثروبولوجيا والقانون والاجتماع. ونشرت الدراسة فى منتصف الأربعينات تحت عنوان «المعضلة الأميركية». وهو كان يقصد أن الولايات المتحدة تتخلى عن «قيمها ومثلها العليا» في الحرية حينما يتعلق الأمر بالسود.
وقد ثبت أن تولى السود مواقع مهمة فى الدولة الأمريكية وصولا لمنصب الرئاسة ليس إيذانا بما تم ترويجه وقت تولى أوباما من أن الولايات المتحدة تبدأ عصر «ما بعد المسألة العرقية».
فلا تزال كل الدراسات والإحصاءات تشير إلى أن هناك أمريكا بيضاء وأخرى سوداء. ورغم أن أوباما، قبل توليه الرئاسة كان صاحب العبارة الشهيرة بأنه «لا توجد أمريكا بيضاء وأمريكا سوداء.. وانما يوجد الولايات المتحدة الأميركية»، فإنه هو نفسه الذي تحدث مطولاً أثناء المؤتمر الصحافي الذى عقده مع رئيس وزراء اليابان عن محنة السود. غير أن ما لم يتضمنه كتاب مايردال، لأنه عنى فقط بسود أميركا، هو أن السكان الأصليين تعرضوا ولا يزالون لتمييز.
كما تعرضت كل جماعة مهاجرة وطأت أقدامها أرض الولايات المتحدة للتمييز في أول الأمر، بدءاً بالأيرلنديين والإيطاليين ومروراً بالصينيين ووصولاً لأبناء أميركا اللاتينية. لكن يظل مايردال محقاً في أن المسألة العرقية أسوأ بكثير في أميركا من التمييز ضد الإثنيات المختلفة.
وإذا كانت العنصرية لا تزال تطل بوجهها القبيح فى أمريكا، فإنها ربما أكثر وضوحاً في إسرائيل ولا تقتصر فقط على الفلسطينيين. فهناك مشكلة تاريخية عرفت بالتمييز ضد اليهود غير الأوروبيين عموماً وتزداد وطأتها بالنسبة لليهود من أصحاب البشرة السوداء.
وقد شهد الأسبوع الماضي مسيرات لمئات الإسرائيليين من أصول إثيوبية واندلاع أعمال عنف في مدينة القدس بعد بروز لقطات فيديو تصوّر ليس فقط يهودياً أسود تعرّض للعنف من جانب رجال شرطة من سلطات الهجرة الذين كانوا يرتدون الزي المدني، وانما فيديو آخر يصور شاباً يهودياً أسود يتعرض لعنف الشرطة الإسرائيلية رغم أنه كان يرتدي البزة العسكرية.
والحقيقة أن الإسرائيليين من أصول إثيوبية تعرضوا على مدار الأربعين عاماً الماضية، أي منذ هجرتهم لإسرائيل منذ السبعينات، لتمييز منظم مسكوت عنه عادة. لكن الموضوع أثار ضجة هذه المرة فى إسرائيل ليس من أجل من تمت إهانتهم من اليهود وانما لإهانة بزة الجيش الإسرائيلي! بدليل أن نتنياهو أدان واقعة اليهودي الذى كان يرتدي ملابس الجيش ولم يدن الواقعة الثانية.
وإذا كان جانر مايردال لا يزال محقا في أن المسألة العرقية هي المعضلة الأمريكية، فإن الحالة الإسرائيلية أسوأ ففضلاً عن العنصرية الموجهة ضد الإثنيات والعرقيات، لا تزال جرائم إسرائيل المنظّمة ضد الشعب الفلسطيني مستمرة.
1172 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع