أ.د. محمد الدعمي
لا ريب في أن أخطر تهمة يمكن أن توجه إلى إنسان في الولايات المتحدة الأميركية، هي تهمة التعامل أو التعاون مع ما يسمى بـ”الدولة الإسلامية” IS أو “داعش”ISIS . هي تهمة أخت الموت، تذكرنا بعصر اصطياد الساحرات بعد اكتشاف أميركا، كما تذكرنا بالحقبة الماكارثية، عندما أصبحت حمى صيد الشيوعيين في أميركا من أخطر ما يمكن أن يحيق بالمرء.
لهذا السبب نلاحظ عزوف الكتاب والصحفيين المسلمين عن تناول حادث إطلاق النار في تكساس قبل بضعة أيام. لأنك إذا قلت بأنه لم يكن هناك داعٍ أو مبرر منطقي للسماح بالتعرض لشخصية الرسول الكريم، محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم)، عبر عمل منظم كان قد قدم بصفة “مسابقة رسوم كاريكتيرية”، فإن هذا الرأي يمكن أن يكون كافيًّا لاتهامك بالتعاطف أو حتى بالتعاطي مع الشبكات الإرهابية! وهذه هي غاية اللاعدالة، لا شك. بل إن الأكثر سوءًا كانت طريقة تعاطي الإعلام الأميركي مع الحادث الذي أسفر عن قتل الرجلين المهاجمين. عندما أعلن الحادث، لم يكن هناك ما يكفي من الوقت لتقديمه كحادث إساءة لواحد من أكبر الأديان بالعالم، لذا طلعت وسائل الإعلام الأميركي بصورة واضحة، مفادها أن سبب الحادث كان “مسابقة رسوم كاريكتيرية لشخص محمد، نبي المسلمين” (لاحظ اللغة الدونية في التعاطي مع الإسلام والمسلمين عامة). ولكن بعد مرور ساعات تدارك الإعلام الأميركي طريقة إخراج النبأ أعلاه، فتحدث عن قتل مهاجمين اثنين كانا قد تصديا “لتجمع مضاد للإسلام”. ثم ما لبث هذا الإعلام العالي التقنيات أن قدم شخصية امرأة كانت هي المسؤولة عن تنظيم المسابقة المسيئة لشخص الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، Pamela Geller. والأغرب هو أن هذه المرأة الحقود قد أعلنت بأنها قد نظمت هذه المسابقة دعمًا لحرية الرأي. وبذلك قدمت نفسها بوصفها “بطلة حرية”، وليس بوصفها مشوهة لأعظم شخص ولمؤسس واحد من أكبر الأديان في العالم قاطبة. وهكذا استحالت صاحبتنا إلى “بطلة تاريخية” لأنها نظمت المسابقة التافهة أعلاه. والحق، فإن متابعة الحادث لا يمكن أن تفلت من الشعور بأن هنالك حملة شعواء مضادة للإسلام عامة، حملة يشترك بها رأس المال المتمثل بالمرأة الحقود أعلاه، كما يشترك معها كافة الرسامين المشاركين إضافة إلى وسائل الإعلام التي حاولت “لغمطة” الجانب المسيء للإسلام على سبيل تبرير وتمرير الحادث كحادث يصور المسلمين باعتبارهم أعداء لحرية الرأي وللحرية عامة. وعندما أعلنت الدولة الإسلامية مسؤوليتها عن الحادث، فقد حكم على من يحتج على فكرة التسابق في الإساءة للرسول الكريم بـ”الإعدام” تلقائيًّا، لأنه إن احتج على الفكرة لمجرد أنها فكرة غير منطقية وغير مسوغة، فإنه لا بد وأن يدفع إلى حظيرة الإرهاب على نحو متعامٍ. ربما كان هذا هو سبب تغاضي النقاد والمعلقين المسلمين عن الحادث، أي أنه كمن في الخوف من تهمة الإرهاب المهيأة مسبقًا لكل من ينتقد “فكرة” إجراء مسابقة كاريكتورية لتصوير شخص الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، وليس لشخص آخر!
هذا هو قلب المفارقة غير المتوازنة التي قدمها الإعلام والأمن الأميركيين: فلم يجرؤ أحد على طرح السؤال البسيط، وهو: هل كانت هناك ثمة حاجة حقيقية للتعرض لشخصية يقدسها مئات الملايين عبر العالم؛ ثم كيف أتمت السلطات الرسمية في تكساس وفي مدينة “دالاس” بالذات الموافقات الرسمية على نشاط يسيء لواحد من أعظم الأديان في العالم دون مبرر منطقي مقبول؟
لقد أساءت الشبكات الإرهابية التي تلبس لبوس الإسلام للإسلام أيما إساءة، لأنها قدمت الضوء الأخضر لسيدة من النوع المذكور أعلاه للاعتداء على مشاعر ملايين المسلمين باسم الحرية والديمقراطية، عارضة الإسلام، دينًا مضادًّا للحرية وللديمقراطية. وإذا كان السفهاء منا قد أتاحوا الإساءة لشخص الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، فإن علينا أن لا نمرر هذه الإساءة راضخين لماكينة إعلامية قادرة على تشويه ديننا الحنيف باسم “محاربة الإرهاب”. لا بد للمسلمين من أن يقدموا أنموذجًا سلميًّا متحضرًا لرجع كافة أسباب ومسوغات الإساءة لدين كان الأغبياء قد قدموه على نحو يشجع الإساءات. لاحظ، على سبيل المثال، أن اليهود لا يمنحون النقاد في العالم الغربي الفرصة للإساءة إلى دينهم، كما فعل الإرهابيون من المسلمين.
911 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع