علي السوداني
أصدقائي الشعراء كذّابون . يقولون ما لا يصنعون . جلّاسهم غاوون ، يدفعون فاتورة السهرة وهم منصتون . في أيام مهرجان المربد ولياليه الجميلة حقاً ، كانوا يتجمّعون في غرف الضيوف وحانات فندق الميليا منصور الرائعة بشطّ دجلة . صعاليك طيّبون غير مدعوّين ، لكنهم عباقرة في تدبّر بطاقات الأكل والسكْر والنوم تحت الأسرّة .
ساعةَ يثملون بكؤوس النبيذ الفاخر ، تنفتح مخاييلهم الظريفة على وسع الكون ، فيسرقون من الحانة كأساً كريستالية مدهشة ، ومن عرض الكتب كتاباً ، ويتركون فوق مؤخرة النادلة الضخمة كلَّ عيونهم .
أتذكّر الآن بقوة ، هجماتهم القاسية ضدّ قصيدة العمود وبحور الخليل وشعرائه ، وترويجهم لقصيدة النثر وهذا أحد مصطلحات الإلتباس . أليوم تبدّلتْ بوصلاتهم ، منهم من عاد لكتابة قصيدة عمودية أو حرّة سيّابية ، لأنّ المزاد ليس بمقدوره أن يهزَّ وسطهُ على تنغيمات قطعة نثر يابسة . الحداثويون والحداثويات أضافوا لأسمائهم عطر العشيرة ولقب " السيّد " وشالوا من سِيَرِهم المعدّلة جُمَلاً لم تعد صالحةً للإستهلاك الشعريّ ، من مثل طُبعَ على نفقة عدي صدام حسين ، وأخريات حائمات حول نفس المعنى .
أصدقائي الشعراء والقصّاصون والروائيون والنَقَدة والرسّامون والنحّاتون والمسرحيون والموسيقيون والمغنّون والراقصون وأهل الصحائف ، عادوا إلى جبّ الطائفة وصاروا طائفيين ولم يكونوا كذلك من قبل ، بل هم أضحوا على هذه الحال لأنّ الطائفة صارتْ منبع أكلٍ وشربٍ ودَسَمٍ وسفر . لقد تمَّ تحطيم وتسويد قلوبهم وضمائرهم بوساطة قوة المال القاسية .
أصدقائي الذين لم يصوموا ولم يصلّوا ولم يقاوموا الغزاة ، يذهبون إلى أضرحة عليّ والحسين والعباس والكاظم ، يلتقطون صوراً خاشعة ومؤثرة ، في أكبر عملية فصام ثقافيّ جمعيّ لا شبيه له سوى ما يصنعهُ شيوعيّو الحكومة . لو كان الأمر دِيناً وعقيدةً لما كرهتهم .
أصدقائي الآن يكتبون عن بطولات عتيقةٍ لم يقترفوها أبداً . شياطين لغة وحمّالو وجوه ولَبَسة أقنعة خارج وظيفة النصّ .
أنا أحبكم يا صحبي المعتّقين وأحنُّ إلى لياليكم وموائدكم وحاناتكم وصعلكاتكم ونصوصكم البكر غير الملوّثات ، لكنني أراكم اللحظةَ تؤذون البلاد العزيزة ، تماما مثلما صنع بها الغزاة .
إنْ تحولت الحياة إلى ترسة معدة بالطيور وبالأسماك وبالهرافي وضوع الشواء ، فاقرأوا على ما تبقّى الفاتحةَ والسلام .
882 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع