رسائل هادفة لمعالجة قضايا عراقية ساخنة / الحلقة الثالثة والعشرون

                  

      رسائل هادفة لمعالجة قضايا عراقية ساخنة/ح23


          

       

       

المأزق السياسي العراقي  والبديل الضرورة  ؟

حالة الموقف السياسي المعقد والراهن  في العراق ودرجة تأثره بما يعصف بالمحيط الإقليمي، بين توسع في الأطماع الإيرانية ليس في العراق وحسب، بل في المنطقة وخاصة دول الخليج العربي منها، وما عبر عن ذلك كبار المسئولين الإيرانيين، وآخرهم رئيس أركان الجيش الإيراني بكل صراحة وصفاقة، وما له من علاقة بحسابات الربح والخسارة لكل من الولايات المتحدة وإيران في العراق والمنطقة العربية، فالأحداث المتفجرة في سوريا (مرتكز الجسر الإيراني نحو حزب الله ومنظمة حماس)، وإثارة القلاقل والفوضى في البحرين، إضافة للتهديد الإيراني المباشر للمملكة العربية السعودية إذا لم تسحب قواتها من البحرين، ونار الفتنة الإيرانية التي تتفاعل تحت الرمال الكويتية ،بالوقت الذي بات الموقف الليبي أكثرا دراماتيكيا، ما بين طغيان وعنجهية القذافي، وما بين خطورة التدخل الأميركي / الأوربي بقوة السلاح واحتمالات الاحتلال ومخاطره، وما سيعقبه من فوضى عارمة ستدمر كل ما له علاقة بواقع ومستقبل هذا البلد العربي المنكوب، ذات الوقت الذي لازالت مصر الدولة العربية المركزية تتصارع من أجل بناء مقومات وجودها الحي، وعودة للساحة العراقية، لنجد أن ضرورات التغيير في الساحة السياسية العراقية تبدو مرجحة كثيرا لشدة الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد، بعد تعطل مسار العملية السياسة من كل جوانبها وأطرافها، وهذا الوضع الأمني المتدهور يوما بعد يوم، وما ينذر بتفكك مكونات العملية السياسية، وحزمة الاحتمالات المتوقعة، وغالبيتها تنذر بالكثير من السوء والخطر، قد تؤدي بالعراق نحو أتون صراعات مفتوحة لا يعلم مصيرها ألا الله؟ لكن هذا الترجيح للأوضاع المتدهورة في العراق سيخضع لعدد من التساؤلات الموضوعية، وأهمها ما هي البدائل السياسية المتاحة أمام الولايات المتحدة الأميركية ؟؟؟ وهي لازالت المسئولة عن العراق وفقا للعديد من النواحي السياسية والقانونية والأمنية والأخلاقية وضمن موازنات صعبة ومعقدة مع مصالحها القومية التي باتت مهددة في العراق والمنطقة، وما حجم ومدى التوافقيات المحتمل استمرارها لتفادي الصراع المباشر مع إيران كمطلب إستراتيجي لا زال قائما، مما تطلب الهدوء والصبر  الأميركي قدر الإمكان في مواجهة نفوذها المتصاعد بالعراق بالوقت الراهن, لكن المنطق يشير إلى أن الولايات المتحدة منهمكة في دراسة معمقة ومستمرة لنتائج سياساتها في العراق، وخاصة إذا ما عاد مقتل رأس تنظيم القاعدة في باكستان بالفائدة المباشرة على الوضع  العسكري الأميركي في أفغانستان؟ فيتحرر جزءا مهما من قدراتها هناك، فالوضع السياسي العام في العراق وصل إلى مفرق طرق، أفضلها صعب ومعقد ولا يخلوا من مخاطر محتملة، وهذا قد أدى هناك في واشنطن، إضافة للوضع العام القلق في المنطقة، إلى ضرورات إستراتيجية تطلبت تغيرا عاما في الخطط والأساليب للمؤسسات ذات العلاقة المباشرة ،بل شملت المسئولين المباشرين لوزارة الدفاع والمخابرات المركزية الأميركية على سبيل المثال، ومن تلك الضرورات الإستراتيجية، الإبقاء على قوات أميركية فاعلة في العراق لعقد من السنوات القادمة، وهذا ينبغي أن يتم وفقا لطلب عراقي رسمي قد طال  انتظاره؟ على الرغم من الطلبات المباشرة لكبار المسئولين الأمريكان الكبار للقادة العراقيين، بضرورة أبقاء ما لا يقل عن 20 ألف مقاتل من قوات النخبة الأميركية في العراق.
أن حديث الساعة في الشارع العراقي اليوم يتمحور عن مستقبل حكومة  نوري المالكي، وعن حكومة الشراكة الوطنية التي بان فشلها واضحا للجميع، وتجمع توقعات معظم المراقبين السياسيين على أن أقصى تقدير لبقائها لا يتعدى شهر تموز القادم، ويستبعد  توقع أي من المراقبين حدوث معجزة ليطول العمر بوزارة المالكي لنهاية هذا العام، ولكن هؤلاء المراقبون قد يختلفون في طريقة رحيل رئيس مجلس الوزراء؟.
لقد جاء ذلك بوقت قصير بعد أن ظهر نوري المالكي مطمئنا، بأنه القوة الحقيقية في أدارة الدولة، وأنه مركز التوازن الوحيد للمصالح الأميركية والإيرانية المشتركة في قيادة العراق، لكن المظاهرات الشعبية قد فاجأته  في عموم العراق، متهمة إياه بإدارة الفساد والاضطهاد، ونعته بالحرامي الكذاب، فأسقط ما في يده من اتهامات جوفاء لمن يعاديه وحكومته، لأن هذه الجماهير في معظمها من العراقيين الشيعة، أي أن سلاح مظلومية الشيعة قد سقط من يده ومن يد التيارات السياسية الشيعية أيضا بشكل عام، فبدأ بالعد التنازلي حال وصوله القمة السياسية؟ وأن هذه المظاهرات الجماهيرية التي ابتدأت في 25 شباط هذا العام 2011، قد عبرت عن رفضها للحكومة العراقية بالشعارات المباشرة وغير المباشرة، وذات الوقت الذي أضعفت فيه تحالفات الأضداد الحزبية الشيعية وأهمها (التحالف الوطني الذي ضم معظم الأحزاب والتيارات السياسية الشيعية) والتي كانت من نتاج النفوذ الإيراني الكبير عليها، مما أظهر ذلك الكثير من تناقضاتها على السطح مؤخرا، وأن أكثر الأطراف مثيرا للجدل هذه الأيام هو التيار الصدري، ومع أن الصدريين كانوا قد حصلوا على معظم مطالبهم عند تشكيل الحكومة، بحكم التدخل الإيراني وبنتيجة 40 مقعد التي حصلوا عليها من خلال الانتخابات الأخيرة، إلا أن أيام توافقهم مع رئيس الحكومة (رئيس مجلس الوزراء) قد انتهت، وأن مسلسل الأزمات بينهم ونوري المالكي تتصاعد كل يوم، وقد بدأت بعض زعامات التيار الصدري لا تخفي رأيها بحتمية سقوط الحكومة الحالية مبكرا، وقد كان صوتهم هو الأعلى في نقد وإحراج نوري المالكي في البرلمان، وفي وسائل الإعلام المختلفة، وقد كان موضوع الفساد هو مرتكز الانتقادات الموجهة للحكومة الحالية، بل تعدى ذلك إلى تعميم النقد لكل قيادات حزب الدعوة (جناح نوري المالكي)، والموضوع الأخطر في هذا الخلاف المتصاعد مع نوري المالكي، هو الموضوع المطروح حاليا من قبل المسئولين  الأمريكان،حول ضرورة  بقاء نسبة النصف من القوات الأميركية الحالية في العراق لما بعد نهاية عام 2011، وجرى التهديد من قبل قيادة التيار الصدري، بإنهاء تجميد مليشيا (جيش المهدي) المتهمة بمعظم الجرائم البشعة التي نالت من العراقيين وخاصة السنة منهم، وحملة الاغتيالات المفتوحة اليوم بالأسلحة الكاتمة للصوت وبالعبوات المتفجرة اللاصقة، إذ تشير أصابع الاتهام (لعصائب الحق) بالمساهمة الرئيسية في هذه العمليات، ذات الوقت الذي بدأت بعض الحركات الاستعراضية لتلك المليشيا الخطرة في بعض المدن الخاضعة لتأثيرهذا التيار .
أما العنصر الآخر في المعضلة السياسية الحالية هو المجلس الأعلى، وهو الابن الشرعي  للنظام السياسي الإيراني، والخاسر الأكبر في الانتخابات الأخيرة ومن العملية السياسية الحالية، والذي بدأ يتخلى عن مساندة نوري المالكي وحكومته، ولعب القيادي الأول عمار الحكيم دورا أساسيا في توجيه النقد اللاذع للحكومة من موضوع فشل نظام الخدمات العامة، إلى الفساد المالي والإداري، وقد بانت عليه حالة من الغضب أو العتب في تصريحاته الكثيرة، سواء كانت ضمن وسائل الإعلام المختلفة، أو من خلال لقاءاته الأسبوعية بجماهير حزبه ومنتدياته، وأنصب ذلك النقد المستمر على اللوم المباشر لشخص نوري المالكي، بالوقت الذي رفض فيه القيادي في المجلس الأعلى الدكتور عادل عبد المهدي ترشيحه لمنصب نائب رئيس الجمهورية علنا، ثم ترافق سعيه ومن خلفه حزبه مع تحركات سياسية مصلحيه بين المجلس الأعلى والكتلة العراقية لتضييق الخناق على نوري المالكي، على الرغم من التصدع والضعف الكبير الذي نال القائمة العراقية مؤخرا، وعلى هذا الأساس من الصراع المفتوح ذهب بعض قادة المجلس الأعلى إلى إيران مؤخرا، ومنهم أحمد الجلبي، والهدف من هذه الزيارة، هو إقناع مرجعهم الأساسي، بأنه ما عاد يمكن احتمال حالة التفرد بالسلطة والاستحواذ على مقدرات العراق من قبل حزب الدعوة وزعامته، وانه لم يعد صحيحا ولا من مصلحة العراق وإيران أن تترك الحال هذه كما هي عليه، لأن الآتي أن لم يحصل تغيير، معناه خروج جميع القوى الإسلامية الشيعية الموالية لإيران بعيدا عن التأثير السياسي في العراق قريبا، وفي مواجهة ردود فعل أميركية عنيفة محتملة، وإذا ما أضفنا، الوضع السياسي المتفجر في الإقليم الكردي ضد هيمنة القيادات السياسية التقليدية الكردية، والذين لم يستطيعوا في تحقيق مطامح جماهيرهم، مما يجعل القوى السياسية الكردية الحالية في معزل عن الوضع السياسي، فيما يخص أزمة حكومة المركز، هذا إذا ما أضفنا أيضا حجم الكراهية وعدم الثقة بالمالكي للكثير من أقطاب ونواب القائمة العراقية والأحزاب الشيوعية  والمستقلين في البرلمان على الرغم من اختلافاتهم، لنجد الرافضين لبقاء نوري المالكي يشكل ثقلا برلمانيا كبيرا وخطيرا، ناهيك عن الرفض الجماهيري التام للعرب السنة وملاكات الدولة العراقية السابقة ومنتسبو الجيش العراقي الأصيل، الذين أضطهده نوري المالكي بحجج واهية منها موضوع (قانون اجتثاث البعث والمسائلة والعدالة)، وإذا ما أضفنا تصريحات رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي، عن احتمالات، قد تكون ملحة لحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات جديدة؟ فنجد أن الفرصة الكبيرة لإسقاط نوري المالكي وحكومته باتت متوقعة، ولكن السؤال كيف؟ وهذا يعود بالأساس إلى الطرف الأميركي الذي كان وراء مساندة نوري المالكي ومن تمكنه من اعتلاء منصب رئاسة مجلس الوزراء، على الرغم من فوز القائمة العراقية ب 91 مقعدا؟
 لكن يبدو من زيارات بعض المسئولين الأمريكيين للعراق مؤخرا، أن واشنطن لم تعد تصر على بقاء نوري المالكي رئيسا لمجلس الوزراء بعد نهاية الصيف القادم على أبعد تقدير. فالإدارة الأمريكية، وعبر تصريحات بعض المسئولين فيها، قد سربت لبعض وسائل الإعلام الأمريكية ذات الصلة بصنع القرار الأمريكي ما يعبر عن عدم الرضا هذا، وكان آخرها ما جاء في احد الصحف بأن المالكي يمنع أية جهود لمكافحة الفساد بتستره على الفاسدين، وتلك إشارة من بين عشرات مثلها بدأت تطل على الساحة السياسية العراقية، وهي تشي بأن واشنطن هي الأخرى لم تعد تفضل نوري المالكي على غيره من السياسيين العراقيين، ومن ذلك أن لقاءات المبعوث الأميركي مؤخرا للقادة العراقيين الحاليين (خليل زادة) قد نوه لهم بوجود بدائل جاهزة عنهم؟ وهنا يكمن الإنذار من انقلاب أمريكي على صديق آخر من أصدقاء واشنطن قد انتهى دوره بالفشل، ذات الوقت الذي لوح نوري المالكي بطلب محتمل إلى البرلمان لإسقاط حكومته التي لم تتمكن من الإيفاء بوعد أو مهلة 100 يوم للإصلاح الــذي طالبته فيه الجماهير، والتــي أيدها البرلـمـان، والتي ستنتهي بنهاية الأسبوع الأول من شهر حزيران القادم 2011، وبافتــراض شخصــي للمالكـــي، أن ذلك سيمنحه فرصة أعادة تشكيل حكومة جديدة برئاسته أيضــا؟
ناهيك عن تنصله من مسئولية بيان رأي حكومته في موضوع تمديد بقاء القوات الأمريكية، حين صرح أن ذلك سيعود إلى البرلمان، مما تطلب ردا سريعا من رئيس البرلمان أسامة النجيفي، بأن الطلب هذا من مسئولية الحكومة التي هي عقدت اتفاقها الأمني مع الإدارة الأميركية؟. أن المنطق السياسي في العراق يجب أن يعي جيدا (البيئة السياسية الجديدة في العراق)، وهي بيئة سياسية جماهيرية عراقية حقيقية لا تحتكم إلى أية أيديولوجية لا شرقية ولا غربية، أساسها الفطرة البشرية في الوجود الحي والقوي في الحياة، مقارنة ذلك بما يتوفر في موطنها من ثروات وإمكانيات هائلة ؟!؟!، وما ترتبط به ضمن عالمها الكبير الآخذ بالصغر والاندماج والتأثير عبر ديمقراطية التقنية الحديثة من وسائل الاتصال السريع (جزءا من مظاهر العولمة) وأن الجماهير الغاضبة التي ملئت الساحة العراقية من شمالها حتى جنوبها، قد أيقنت بأن حقيقية الإصلاح لا يمكن أن يتم من قبل حكومة مارست أكبر قدر من الخراب.
وأن التغيير السياسي لا يمكن أن يحدث إلا من خلال طاقات شابة وخبرات وشخصيات قيادية عراقية وطنية جديدة ونظيفة من أمراض الطائفية والعرقية والعشائرية, والفساد، وبالتوازي مع واقع ومتطلبات المصالح القومية الأميركية في العراق التي تتطلبها الضرورة الوطنية للتوافق معها، وسيؤدي ذلك ولو متأخرا في اعتماد سياسة أميركية فاعلة وقوية في العراق كما هو متوقعا؟ مما يتطلب من السلطة الأميركية في بغداد المساعدة على فسح المجال لقيادات سياسية جديدة وفق التوصيف أعلاه لتأخذ دورها الطبيعي كبديل للقيادات السياسية الفاشلة الحالية، وعند حدوث ذلك يمكن لهذه القيادات القدرة على توظيف الخبرات الكامنة والكبيرة والمعطلة حاليا من جيش الخبرات العراقي، وفي كل المجالات داخل العراق وخارجه، ووفقا لأسبقيات وأولويات، أولها، أعادة النظر في مرتكزات العملية السياسية (وهي أم المشكلات) وثانيها، إعادة النظر أيضا في المؤسسات العسكرية والأمنية الحالية، بما يؤمن بناء مرتكزات رصينة لأمن عسكري عراقي قادر على حماية الشعب والوطن، وتهيئة الظروف لإجراءات سياسية وأمنية وقانونية منها ضرورة (تعديل الدستور) لتؤمن أعادة الانتخابات السياسية بكل نزاهة وأمانة بأقرب فرصة، وستكون بلا شك هذه البيئة السياسية الجديدة في العراق وقيادتها. كتيار سياسي فعال مؤمن بالديمقراطية الحرة كنهج أساسي لمواكبة العالم الحر، وستتعامل هذه القيادة الجديدة المفترضة مع مكامن الخطر كافة، وخاصة إيران ونفوذها المخرب في العراق، بعقلانية وبحسابات وطنية بحته، فالتعامل مع إيران ينبغي أن لا يكون وفقا لحسابات الولاء الديني المذهبي ثم السياسي، وكذلك ليس بالتعويل على الصراع القومي التقليدي، بل وفقا لمتطلبات المصالح الوطنية العراقية السياسية والاقتصادية والأمنية.
لكن الحل المرتجى، يكمن في تأمين متطلبات نشوء تيار وطني عراقي حقيقي يتسامى فوق النزعات الطائفية والعرقية؟ والذي يحتاج إلى تفاعل وطني وإقليمي عربي ودولي مرتكزه سياسة أميركية جديدة وفاعلة في العراق تقف خلف تأمين فرص وجوده، فالوطنية الحقيقية هي الضمان في عراق حديث ومعاصر ذو سياسة ديمقراطية حرة يتوخى الرفاهية لشعبه ومواطنيه كافة دون أي تمييز.


الفريق الركن الدكتور
عبد العزيز المفتي
عمان 1/5/2011
 
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:

http://www.algardenia.com/maqalat/16161-2015-04-18-09-59-23.html

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

937 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع