رسائل هادفة لمعالجة قضايا عراقية ساخنة/ح22
إستقلال الهيئات ضمانة لحياديتها
نظراً لتطور ألدول وتشعب وظائفها أصبح ألجمع بين هذه ألوظائف أمراً صعباً وضاراً بألمصلحة ألعامة، ولذلك سعى ألفلاسفة وألمفكرون بدءاً من أفلاطون ألذي رفض فرية ((ألحاكم ألمستبد ألمستنير))، وجاء تلميذه أرسطو (384 ق.م - 322 ق.م) طارحاً فلسفة ألدولة ألمدنية وألتي سماها ((جمهورية أفلاطون ألفاضلة))، ثم في ألقرن السابع عشر ألميلادي أرتبط مبدأ ألفصل بين ألسلطات بأسم ألمفكر ألفرنسي (مونتسكيو 1689-1755) بعد أن أدرك أنه من ألصعوبة في ألعصر ألحديث أن يمسك شخص واحد بألسلطات كافة لأن ذلك يعني أنهاءاً للحرية وسلباً لأرادة ألشعب، وأن ألتجارب أثبتت أن ألتفرد بألقرار قرين ألأستبداد بألسلطة، وأن ألفصل بين ألسلطات يحقق ألمزايا ألأتية:
1.صيانة ألحريات ومنع ألأستبداد، من منطلق عدم تركيز ألسلطات بيد شخص أو هيئة واحدة حتى لا يساء إستعمالها، خاصة وأن ألقاعدة ألعالمية بألفقه ألأداري تقول ((إنما ألسلطة تغري بألطغيان)) لذلك أعتبر مبدأ ألفصل بين ألسلطات ضمانة أساسية تكفل ألحريات وتصونها من كل أعتداء، ووسيلة هامة لمنع إستبداد ألهيئات ألعامة وتعسفها في أستعمالها لسلطاتها من خلال مراقبة كل سلطة للسلطات ألأخرى تضمن أيقافها عند حدها عندما تتجاوز حدود سلطاتها ألى ألسلطات ألأخرى.
2.ألمساهمة في تحقيق ألدولة ألقانونية عندما يفعل ألدستور وألقانون لتحديد صلاحيات كل سلطة.
3.جني فوائد تقسيم وظائف ألدولة بأعتبارها تقود ألى تقسيم ألعمل وألتخصص فيه وألذي يحقق ألأتقان، بما يضمن حسن سير ألعمل في كافة ألمجالات ألرئيسية في ألدولة سواء ألتشريعية أو ألتنفيذية أو ألقضائية.
لتشعب وظائف ألدولة وتعددها وتعقيداتها وألجنوح نحو أستغلالها فأن ألدول ألمتقدمة ذهبت ألى أبعد من أعتماد مبدأ ألفصل بين ألسلطات ألثلاث ألى تشكيل هيئات مستقلة عن تلك ألسلطات لضمان حياديتها ونزاهتها ومنع ألتأثير على وظيفتها وألغايات ألنبيلة ألمتوخاة من أنجازها، وأن قرار ألمحكمة ألأتحادية ألعليا بربط ألهيئات ألمستقلة بمجلس ألوزراء وجه ضربة لهذه ألهيئات أفقدها أستقلاليتها وحال دون حياديتها في أدائها لوظيفتها عندما جعلها تحت رحمة رغبات وصلاحيات ألحكومة (رئيس مجلس الوزراء)، ولذلك فأن ألقرار مثل تركيزاً للسلطة بيد شخص واحد هو رئيس مجلس ألوزراء، وينطوي على تغليب ألحكومة ورئيسها على كل ألسلطات ألأخرى وتمكينه من ألسيطرة وألتحكم بألدولة كلها، وأن قرار ألمحكمة ألأتحادية ألعليا ترد عليه ألملاحظات ألأتية:
1- ألملاحظات ألشكلية
إستناداً لأحكام ألمادة 44 من قانون أدارة ألدولة ألعراقية للمرحلة ألأنتقالية لعام 2004 ألملغي، وهو ألدستور ألمؤقت للمرحلة ألأنتقالية ألممتدة من تأريخ صدوره ولغاية نفاذ دستور جمهورية ألعراق في 28/12/2005 ألمنشور في جريدة ألوقائع ألعراقية بألعدد 4012، شكلت ألمحكمة ألأتحادية بموجب ألأمر رقم 30 في 24/2/2005 ألصادر من ألحكومة ألأنتقالية ألتي كانت تملك سلطة أصدار ألتشريعات على وفق أحكام ألقسم ألثاني من ملحق قانون أدارة ألدولة ألعراقية للمرحلة ألانتقالية ألصادر في 1/6/2004، قد نصت ألمادة 1 من ألأمر أعلاه على ما يلي: (تنشأ محكمة تسمى ألمحكمة ألأتحادية ألعليا ويكون مقرها في بغداد، وتمارس مهامها بشكل مستقل لا سلطان عليها لغير ألقانون).
كما حددت ألمادة 4 من أمر تشكيل ألمحكمة ألاتحادية مهامها بألاتي:
أ-ألفصل في ألمنازعات ألتي تحصل بين ألحكومة ألأتحادية وحكومات ألأقاليم وألمحافظات وألبلديات وألأدارات ألمحلية.
ب-ألفصل في ألمنازعات ألمتعلقة بدستورية وشرعية ألتشريعات كافة وألغاء مايتعارض منها مع ألدستور
ج-ألنظر في ألطعون ألمقدمة على ألأحكام وألقرارات ألصادرة من ألقضاء ألأداري .
د-ألنظر في ألدعاوى ألمقامة أمام ألمحكمة بصفة إستئنافية وينظم هذا ألاختصاص بقانون .
وبتأريخ 1/6/2005 أصدر مجلس ألرئاسة ألقرار ألجمهوري رقم 2 بتعيين رئيس وأعضاء ألمحكمة ألأتحادية ألعليا .
وبعد صدور دستور جمهورية ألعراق ونفاذه بعد نشره في جريدة ألوقائع ألعراقية بعدد 4012 وبتأريخ 28/12/2005، أورد تغييرات جوهرية على تشكيل ألمحكمة عما كانت عليه في أمر تشكيلها رقم 30 لسنة 2005، حيث نصت ألمادة 92/ثانياً منه على (تتكون ألمحكمة ألأتحادية ألعليا من عدد من ألقضاة، وخبراء في ألفقه ألأسلامي، وفقهاء في ألقانون، يحدد عددهم، وتنظم طريقة إختيارهم، وعمل ألمحكمة بقانون بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس ألنواب).
وبناءاً على ما تقدم تنهض ألملاحظات ألشكلية ألتالية:
أن ألمحكمة ألاتحادية ألعليا ألتي نصت عليها ألمادة 92 من ألدستور هي غير ألمحكمة ألأتحادية ألتي تشكلت بألأمر رقم 30 لسنة 2005 .
أ-لقد تركت ألمادة 92 من ألدستور تحديد عدد ألقضاة ألى مجلس ألنواب بعد أن كان محدداً عددهم بتسعة بأمر ألتعيين بألقرار ألجمهوري رقم 2 في 1/6/2005 .
ب-لقد أضافت ألمادة 92 من ألدستور ألى تشكيلة ألمحكمة ألأتحادية عدد من خبراء ألفقة ألاسلامي وفقهاء في ألقانون .
ج-لقد ألزمت ألمادة 92 من ألدستور تحديد عدد قضاة ألمحكمة ألأتحادية ألعليا ، وعدد خبراء ألفقه ألأسلامي ، وعدد فقهاء ألقانون ، وتنظيم طريقة أختيارهم ، وأليات عمل ألمحكمة ، بتشريع قانون بأغلبية ثلثي عدد أعضاء مجلس ألنواب .
نخلص مما تقدم بألاتي :
أ-أن ألمحكمة ألاتحادية ألعليا ألمشكلة بألامر رقم 30 لسنة 2005 ليس من ضمن أختصاصاتها ألواردة بألمادة 4 من أمر ألتشكيل ألمشار أليه آنفاً تفسير ألنصوص ألدستورية.
ب-أن ألمحكمة ألأتحادية ألعليا ألتي نصت عليها ألمادة 92 علقت تشكيلها على صدور قانون من مجلس ألنواب بأغلبية ثلثي عدد أعضاءه ، وهذا ألقانون لم يصدر لحد ألأن.
ج-أن ما ورد بنص ألمادة 93 /ثانياً من أختصاص ألمحكمة ألاتحادية ألعليا بتفسير ألنصوص ألدستورية ينصرف ألى ألمحكمة ألأتحادية ألعليا ألتي نصت عليها ألمادة 92 من ألدستور، وألتي لم تتشكل بعد لعدم صدور قانون تشكيلها من مجلس ألنواب.
وفي ضوء ألحقائق ألمتقدمة فأن ألمحكمة ألأتحادية ألعليا ألمشكلة بألأمر رقم 30 لسنة 2005 حددت مهامها بألمادة 4 من أمر ألتشكيل، وألتي ليس من ضمنها مهمة تفسير ألنصوص ألدستورية، ألأمر ألذي يجعل من إستخدامها لنص ألمادة 93 /ثانياً من ألدستور، وقيامها بتفسير نص ألمادة 76/أولاً تجاوزاً لصلاحياتها ألمحددة حصرياً بألمادة 4 من أمر تشكيلها رقم 30 لسنة 2005، وبألتالي فلا يمكن تطبيق أحكام ألمادة 94 من ألدستور ألتي نصت على أن (قرارات ألمحكمة ألأتحادية ألعليا باتة وملزمة للسلطات كافة) لأنها صدرت من غير ذي أختصاص، ألأمر ألذي يستدعي إهدارها وعدم ألتعويل عليها.
2- ألملاحظات ألموضوعية
أ-أكدت ألمادة (102) من ألدستور على أن ألمفوضية ألعليا لحقوق ألأنسان، وألمفوضية ألعليا ألمستقلة للأنتخابات وهيئة ألنزاهة هيئات مستقلة، تخضع لرقابة مجلس ألنواب وتنظم أعمالها. أن كلمة مستقلة تنصرف ألى أستقلالها ألمالي وألأداري وألوظيفي ألذي يتيح لها رصد تخصيصات لها ضمن ألموازنة ألعامة، بما يغطي رواتب موظفيها ألذين تختص بتعيينهم وترقيتهم ومسائلتهم، وكل ذلك لضمان أستقلالها في أداء مهامها ألوظيفية ألمنصوص عليها في قانون أستحداثها، وخضوعها لرقابة مجلس ألنواب لا يغدو أن يخرج عن ألأطلاع على حسن أدائها لوظيفتها وليس ألتدخل في تخصصاتها ألحصرية، خاصة ما يتعلق بألمفوضية ألعليا لحقوق ألأنسان ألتي تنصب وظيفتها على مراقبة ضمان حقوق ألأنسان من ألتجاوز وألأعتداء ألذي يمكن أن يطاله من ألسلطتين ألتنفيذية أو حتى ألقضائية، وكذا ألحال بألنسبة للهيئة ألعليا ألمستقلة للأنتخابات ألتي يتوجب أن تنهض بواجباتها بمنأى عن أية سلطة تتحكم بها حرصاً على ضمان نزاهة ألأنتخابات ألتي تطالها ألشبهات وألأعتراضات في أغلب دول ألعالم، وأخشى ما يخشاه ألمرشحون وألناخبون من سطوة وتأثير ألسلطة ألتنفيذية وأدواتها ألكثيرة على نتائج ألأنتخابات، ولعل وجوب ألتأكيد على تفعيل أستقلال هيئة ألنزاهة مرده أنها معنية برصد حالات ألفساد ألأداري وألمالي ألتي شاع إستشرائها في كافة مفاصل ألدولة بمؤسساتها ألثلاث في معظم دول ألعالم، وأن قرار ألحكم بربطها بمجلس ألوزراء هو نسف لجوهر وظيفتها ألمنوطة بها، وأنتهاك صارخ للدستور.
ب-أكدت ألمادة (103) من ألدستور أولاً / يعد كل من ألبنك ألمركزي ألعراقي، وديوان ألرقابة ألمالية، وهيئة ألأعلام وألأتصالات، هيئات مستقلة مالياً وأدارياً، وينظم ألقانون عمل كل هيئة. وواضح من صراحة ألنص أن هذه ألهيئات لها تخصيصات مالية ضمن ألموازنة ألعامة، وهي صاحبة ألحق بتعيين وترقية ومسائلة موظفيها دون تدخل من بقية ألسلطات، وتأكيد ألفقرة ألثانية من نفس ألمادة على أن ألبنك ألمركزي ألعراقي مسؤولاً أمام مجلس ألنواب لا ينصرف مطلقاً ألى حق مجلس ألنواب بألتدخل في جوهر وخصوصية أداءه لوظيفته ألمهنية، وإنما ألأطمئنان ألى حسن ألأداء وفقاً لقانونه. أما ديوان ألرقابة ألمالية وهيئة ألأعلام وألأتصالات، فأمر أستقلالهما ألمالي وألأداري قد حسمته ألفقرة أولاً من ألمادة ألمذكورة، وألنص على أرتباطهما بمجلس ألنواب لا يفقدهما إستقلاليتهما لخطورة ألوظيفة ألمنوطة بكل منهما ألتي توجب قطعياً هذا ألأستقلال وألا أستحال أدائهما لمهماتهما بحيادية ونزاهة خاصة وأن أختصاصاتهما منظمة بقانون لكل هيئة.
ج- أكدت ألمادتان (135 و136) من ألدستور على أن هيئة ألمسائلة وألعدالة وهيئة دعاوى ألملكية هيئتان مستقلتان، ترتبطان بمجلس ألنواب، ويفيد أستقلالهما من خلال رصد ميزانية مستقلة وتعيين وترقية ومسائلة موظفيها من قبلهما، أما أرتباطهما بمجلس ألنواب فهو للأطمئنان على حسن سير عملهما دونما ألتدخل بمهماتهما ألحصرية وألتي يغلب عليها ألعمل ألقضائي ألذي لا سلطان عليه لغير ألقانون.
د- أكدت ألمواد (105 و 106 و 107) من ألدستور على أستحداث هيئة ضمان حقوق ألأقاليم، وهيئة عامة لمراقبة ألواردات ألأتحادية، ومجلس ألخدمة ألأتحادي، وبناء هيكلها وأختصاصاتها ووظيفتها، بقانون أنها تكون مستقلة عن ألسلطات ألثلاث لضمان حسن سير أدائها وتحقيق غاياتها ألنبيلة، ومصداق ذلك هو ما أكدته ألمادة (108) من ألدستور بجواز أستحداث هيئات مستقلة أخرى حسب ألحاجة وألضرورة بقانون.
هـ- أن تأكيد ألمادة (103/ثالثاً وألمادة 104) من ألدستور بألنص صراحة على إرتباط دواوين ألأوقاف ومؤسسة ألشهداء بمجلس ألوزراء، قد أوضح جلياً إتجاه ألدستور ألى جهة أرتباط هذه ألهيئات ألثلاث دون أن يتطرق ألى ألهيئات ألمستقلة سالفة ألذكر بمسألة ألأرتباط بألمجلس (مجلس الوزراء)، مما يسمح بألتأكيد بأنه طبقاً لمفهوم ألمخالفة فأن غير هذه ألهيئات ألثلاث لا ترتبط بمجلس ألوزراء بأعتبار مهماتها جزءاً من سياسة تخطيط وتنفيذ ألسياسة ألعامة للحكومة ألتي ينهض بها مجلس ألوزراء طبقاً لصلاحياته ألمنصوص عليها بألمادة (80/أولاً) من ألدستور.
وقد تعزز مما تقدم بيانه أن ألنائب محمود عثمان من ألتحالف ألكردستاني وألنائب صباح ألساعدي ألمستقل ضمن قائمة ألتحالف ألوطني وألنائب حيدر ألملا من ألقائمة ألعراقية قد أجمعوا على أن قرار ألمحكمة ألأتحادية ألعليا بربط ألهيئات ألمستقلة بمجلس ألوزراء يمثل أنقلاباً على ألدستور وتغويلاً للحكومة على حساب ألسلطتين ألتشريعية وألقضائية وألهيئات ألمستقلة، وتركيزاً للسلطة بيد رئيس مجلس ألوزراء، وتسيساً للمحكمة ألأتحادية ألخاضعة لأملاءات ألحكومة، وتجاوزاً لمحاضر ألأعمال ألتحضيرية لكتابة ألدستور ألتي أكدت على هدف ألمشرع من ألأستقلال ألتام لهذه ألهيئات عن ألسلطات ألثلاث أتساقاً مع نهج ألدول ألمتقدمة ألذي سارت علية لضمان ألحيادية وألنزاهة لأختصاصاتها، وألى ذات ألمعنى ذهب ألسيد عادل أللامي رئيس مفوضية ألأنتخابات ألسابق لعام 2005 وألخبير ألقانوني في ألمفوضية ألمستقلة للأنتخابات أياد محسن، وألنائب ألسابق ألقاضي وائل عبدأللطيف بأن قصد ألمشرع أن تكون هذه ألهيئات مستقلة عن عموم ألسلطات ألثلاث، وأن لا تخضع لفكرة ألمحاصصة ألمقيتة، وذلك أتساقاً مع تحرك دول ألعالم أليوم بأتجاه مرن تظهر فيه سلطات جديدة مستقلة ذات أختصاصات نبيلة وغير خاضعة لأي من ألسلطات ألثلاث منعاً لتفرد ألحكومة في ألسلطة ألتي تقود ألى ألدكتاتورية ألمقيتة.
الفريق الركن الدكتور
عبد العزيز المفتي
عمان 12/2/2011
للراغبين الأطلاععلى الحلقة السابقة..
http://www.algardenia.com/maqalat/16046-2015-04-11-18-44-53.html
1925 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع