زينب حفني
أصبح الكثير من الأدباء العرب الشباب بالسنوات الأخيرة، يعلنون تذمرهم في أنهم لا يجدون أمكنة شاغرة بالأوساط الثقافيّة، وأنَّ الأدباء الكبار يرفضون إفساح مكان لهم بجانبهم، ويُصرون على إقصائهم والتربّع وحدهم على القمم الأدبيّة، كما يتهمون المبدعين الكبار جهاراً بأنهم لا يلتفتون لأدبهم، ولا يتناقشون معهم حول نتاجهم، وينظرون بدونيّة لإبداعاتهم، ولا يُخصصون لهم جزءا من وقتهم كما كان يفعل جيل الأدباء العظام إبّان عصور النهضة في احتواء المبدعين الشباب وتقديم المشورة لهم!
البعض يرى أن الأدباء الشباب معهم كل الحق في توجيه إصبع الاتهام للأدباء الكبار، وأن حقوقهم بالفعل مهضومة ويتكبّدون الكثير من أجل إيصال أدبهم للناس! لكن على الجانب الآخر يرفض أغلبية الأدباء الكبار هذا الاتهام ويرمونه داخل شبكة الأدباء الشباب! وقد سمعتُ تعليقاً من الأديب المصري يوسف القعيد حول هذا الموضوع في إحدى الندوات التي حضرتها هذا العام بالقاهرة ضمن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، واضعاً اللوم على الأدباء الشباب، وأنهم يتطلعون لإقصاء الأدباء الكبار كليّاً عن الحياة الثقافيّة بحجّة أنهم أخذوا فرصتهم كاملة وعليهم ترك الساحة خاوية لهم!
استعدتُ تفاصيل هذا النقاش في ذاكرتي وأنا استمع للحوار التليفزيوني الذي أجراه الصحفي المصري عادل حمّودة ببرنامجه (آخر النهار) مع الصحفي المعروف مفيد فوزي. حيث قصَّ عليه مفيد كيف كان يحرص على التواجد في المقهى الذي أعتاد الجلوس فيه الشاعر الكبير كامل الشنّاوي، وهو لم يزل طالباً بالجامعة برفقة صاحبيه بليغ حمدي وصلاح جاهين، وكيف كان الشاعر الكبير وقتها حريصاً على الاستماع لكل كلمة يقولونها وهم بعد بأوّل الطريق.
الحق مع من؟ مع الأدباء الشباب، أم مع المبدعين الكبار، أم مع كليهما؟ بلا شك أن المناخ الفكري العام قد تغيّر مع إيقاع الحياة السريع الملاصق له، ولم تعد الحياة الثقافيّة بعصرنا الحالي كالأمس! كانت الأوساط الثقافيّة العربيّة إبّان الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي متوهجة بمعاركها الفكريّة التي خاضها عمالقة الفكر من أمثال طه حسين والعقاد والرافعي، حيث أثرت الحياة الأدبية، وترك أصحابها إرثاً ثقافيّاً ومعرفيّاً ما زالت تنهل منه الأجيال المتعاقبة لحد اليوم.
لا أبالغ إذا قلت إنني لم أعرض يوماً نتاجي الأدبي على أحد من الأدباء الكبار. كنتُ أعتزُّ بكل سطر أكتبه وأداريه عن عيون من حولي إلى أن يظهر للنور، وأتعامل مع بنات أفكاري كمولود جديد أرعاه إلى أن يخرج ناضجاً للناس، لذا أندهش حين يُلاحقني بعض الأدباء الناشئين ويطلبون منّي إعطاءهم رأيي فيما يكتبونه، مع هذا أحرص على الاطلاع على النتاج المرسل، وأعطي رأيي فيه دون مجاملة. المشكلة تكمن في تكرار إرسال البعض لنصوصهم مع تكرار نفس الأخطاء من قبلهم، وتكرار طلبهم بوجوب معرفة رأيي! لديَّ قناعة بأن الاطلاع على نص واحد لأديب ناشئ كافياً لمعرفة بواطن الضعف والقوة فيما يُسطّره، وعدم التوقّف عن إرسال النصوص، فيه استهانة لوقت الأديب الذي لديه مشاغله الأدبيّة.
يتفق الكثيرون معي بأن حظوظ الأدباء الشباب أفضل من حظوظنا، فلم تكن على أيامنا جوائز تُمنح لعمل إبداعي بقيمة مالية ضخمة، مع فرصة كبيرة لترجمة هذا العمل للغات عديدة. كنّا نستميت كي تنشر لنا مجلة أو صحيفة قصّة أو نصاً أدبياً! اليوم الفرصة متاحة أمام الأدباء الشباب للحصول على واحدة من هذه الجوائز التي تدفعهم ليغدو بمصاف الأدباء الأوائل. وهذا لا يعني إغفال أهمية دور المؤسسات الثقافيّة في دعم نتاج المبدعين من الشباب والأخذ بأيديهم وتبنّي نتاجهم الفكري إذا كان جديراً بالنشر.
741 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع