عبث التصريحات الحكومية والسياسية يحجب بزوغ الدولة

                                    

                     عبدالقادر محمد القيسي

عبث التصريحات الحكومية والسياسية يحجب بزوغ الدولة
(الموقف من عاصفة الحزم وجريمة سبايكر نموذجا لذلك) رؤية قانونية

بداية ان مقالي لا يتبنى نظرة او فكر لأي جهة سياسية، لجهة لست حزبيا لا قبل سقوط النظام ولا بعده، وانما اطرح الموضوع من ناحية قانونية وقد يكون في بعض فقراته سياسي، لضرورات استوجبها مضمون المقال، وأقول:
 في دول مستقرة، تتمتع بشرعية راسخة، لا يتأثر نظام الحكم كثيراً بالأزمات السياسية أو الأمنية أو الاقتصادية؛ والدول التي تعاني عجزاً في الشرعية، أو تفتقد الشرعية كلية، تعتبر الأزمات السياسية والأمنية والاقتصادية قوى تهديد بالغ الخطورة؛ قد تنسحب على وجود الدولة واستقرارها في حال اختفت المسافة الضرورية الفاصلة بين نظام الحكم ومؤسسة الدولة.
فيما يخص الازمات الخارجية:
 * أعلن وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري في شرم الشيخ قبيل اجتماع وزراء الخارجية العرب رفض العراق للعملية العسكرية في اليمن التي تشنها عدة دول تحت عنوان "عاصفة الحزم" "أن الحل السلمي هو الحل الوحيد لأن التدخل العسكري يزيد الأمر تعقيدا ويؤدي إلى عسكرة الأمور ونحن من الشرعية والحلول السياسية.....".
* قال رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي السبت 28/3/2015 في بيان: “ندعو جميع الفرقاء في اليمن العزيز الى الحوار الجاد لإنقاذ البلاد من التدخلات الاجنبية التي لا تزيد الاوضاع الا سوءا وتعقيدا”. ودعا الدول الاقليمية والمجتمع الدولي الى “مساعدة الشعب اليمني في تجاوز محنته واحترام سيادته ووحدة اراضيه”.
ولاقت الحملة العسكرية قبولا لدى معظم الدول الكبرى والعربية والإقليمية باستثناء سوريا والعراق وإيران.
* دعا تحالف القوى العراقية، الحكومة للالتزام بمقررات القمة العربية التي تعقد بشرم الشيخ في مصر، واعلن دعمه لـ”عودة الحكومة الشرعية” لليمن ونزع سلاح الحوثيين، اكد على ضرورة عودة العراق الى “حاظنته العربية” فيما رفض التحالف الوطني التدخل العسكري في اليمن ودعم الحوثيين.
* وصرح نائب رئيس الجمهورية العراقي أسامة النجيفي في بيان: “ان قيادة الائتلاف وجماهيره مع الشرعية سواء كانت في اليمن او في أية بقعة اخرى، ... انتصار التحالف العربي الجديد في معركة اليمن يعزز الثقة بانتصار عربي مماثل على تنظيم داعش الإرهابي في العراق، فالتحديات التي تواجه العرب تستوجب وقفات مشتركة ضد اعدائهم”.
* وحذر الرئيس العراقي فؤاد معصوم في مؤتمر القمة العربية قائلا إن “التدخلات الخارجية في ‫اليمن ستعمق النزاعات والخلافات وليست لصالح الشعب اليمني”. وقال إن “التداعيات في اليمن تستدعي بذل قصارى الجهود لتلافي الوصول إلى حرب أهلية”، واكد ان تشكيل قوة عسكرية عربية لمقاتلة الارهاب امر مهم لمساعدة اية دولة عربية تطلب العون.”
وأعربت وزارة الخارجية العراقية، في بيان أصدرته، عن قلق بغداد من "التدخل العسكري في شؤون اليمن والذي يؤدي إلى مزيد من تعقيد الوضع".
* وصرح رئيس مجلس النواب العراقي (ان العراق عضو بالجامعة العربية وعليه الالتزام بقراراتها).
ان تلك التصريحات المتضاربة المتناقضة؛ كانت حماسية إعلامية ومخالفة للدستور ومنها المادة 3منه والتي نصت (العراق بلد متعدد القوميات... وهو عضو مؤسس فعال في جامعة الدول العربية وملتزم بميثاقها) وميثاق الجامعة العربية في المادة 51 يلزم الدول العربية في حالة تعرض أي بلد عربي للخطر ان يتم الدفاع عنه، وبتحفظنا على تشكيل القوات نكون قد خالفنا الميثاق لان تشكيل هذه القوات يحقق للعراق مصلحة كبيرة في حال تعرضه لأي خطر وداعش الإرهابي خطر مستطير يستوجب منا ان نكون من اول المؤيدين لتشكيل هذه القوات افضل من التمترس خلف محاور تزعج دول الجوار، وتسبب لنا أزمات في العلاقات مع دول الجوار ونكون أيضا قد خالفنا نص المادة 8 من الدستور النافذ والتي نصت على( يرعى العراق مبادئ حسن الجوار .. ويقيم علاقاته على أساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل ويحترم التزاماته الدولية) ومضى على حكومة السيد رئيس الوزراء السابق ثماني سنوات وكانت علاقاتنا مع الدول العربية وتركيا في اسؤا حالاتها واذا استمرت نفس السياسات سنكون في وضع اسؤا مما كنا في عهد حكومة السيد المالكي؛ لان الدعم الذي حصلت عليه حكومة السيد العبادي لم تحصل عليه أي حكومة بالمنطقة، وسير علاقاتنا يعطي مؤشرات سلبية للدول العربية مما يؤدي الى ان ينفضوا من حولنا؛ ونكون بعدها محسوبين على جهة ما برحت تقلق الدول العربية وتوسع مساحات عدم الثقة بيننا وبينهم وبطريقة تضعف دولة العراق .
ان البيانات والتصريحات التي ذكرناها انفا يضرب اطنابها الصيغ العمومية وتنبئ بسياسة عشوائية غامضة غير صريحة تحاول مسك العصا من الوسط لكنها في حقيقتها معروفة الميول والاتجاهات، وتضعنا في قلب سياسة المحاور والتجاذبات التي حاول السيد رئيس الوزراء النأي بالعراق عنها، بالكلام وليس بالفعل؛ لان الفعل يشير عكس ذلك، والتصريحات هذه تفقد عمل الدولة من أي مضمون حقيقي، وتجعلها ساحة للمواجهات أو المجاملات، وتضعنا امام عدة تساؤلات:
 كيف نؤيد تشكيل قوى عسكرية ونتحفظ عليها؟  مع العلم ان إمكانية مشاركة العراق في إنشاء القوة العربية المشتركة، تم حسمه في مقررات قمة شرم الشيخ الملزمة للعراق لأنه عضو مؤسس للجامعة العربية وبالتالي حتى لو كانت هناك تحفظات فإنها لا تؤثر على مشروعية وقانونية مقررات الجامعة.
والمؤسف ان وزير الخارجية المحترم صرح في مؤتمر السفراء المنعقد يوم 31/3/2015 وبحضور السادة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس مجلس النواب ورئيس السلطة القضائية، مؤكدا ان تشكيل القوة العربية لمحاربة الإرهاب والاخطار الخارجية والتحديات التي قد تواجه الدول العربية، لم يتم بالتشاور مع العراق، مع العلم ان السيد وزير الخارجية قد حضر الاجتماع التشاوري الذي انعقد قبل القمة بين وزراء الخارجية العرب؛ اليس هذا كافي ام لا بد من ارسال مبعوث لكل دولة؟ ام هو تبني خط سياسي يصطف ويجسد سياسة المحاور؟
كيف نصرح بان التدخل العسكري يزيد الامر تعقيدا ويؤدي الى عسكرة الأمور، ونحن ساحة للتدخلات العسكرية الإقليمية والدولية وبموافقة وطلب الحكومة ؟  وكيف  نجاهر بتحفظنا رغم المفارقة الكبيرة في أن الكثير من القيادات والاحزاب استدعت التدخلات الخارجية في فترات مختلفة ووصلت إلى الحكم من بوابة الغزو الأميركي؟
والمثير للسخرية ان النائب حيدر الملا في اتحاد القوى يصدر بيان وكانه خارج العملية السياسية وفي غفوة عندما حيا موقف رئيس الوزراء عندما قال( نثمن موقف رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي ازاء الأحداث الجارية في اليمن باتخاذه موقف عراقي عروبي متوازن بعيدا عن المحور الإيراني الساعي للتمدد في المنطقة، اكد العبادي” ... مِن خلال هذا الموقف الوطني المسؤول ان تصريح وزير الخارجية ابراهيم الجعفري الذي ادان فيه موقف الدول العربية، كان يعبر فيها عن رأيه الشخصي ولا يعبر عن موقف الحكومة العراقية التي أكدت موقفها من خلال البيان الصادر من السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور العبادي” .
وهذا مؤسف لان تصريح رئيس الوزراء وبعده رئيس الجمهورية كلها تصب في اتجاه واحد مجرد اختلاف في استخدامات عبارات اللغة العربية؛ لان التصريحات كانت بارعة في حسن استخدام مفردات اللغة العربية والسيد حيدر الملا يغني على ليلاها.
واجتماع زعماء الكتل السياسية مؤخرا، ناقش موضوع تضارب المواقف والتصريحات بين نواب رئيس الجمهورية ووزير الخارجية ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب حول الاحداث الجارية في المنطقة واليمن، والمجتمعين، اتفقوا على الالتزام بمقررات الجامعة العربية كونه عضوا فعالا ومؤسسا وتعتبر رؤية موحدة لجميع المكونات العراقية.
فيما يخص الازمة الداخلية:
وقبل هذه الازمة الخارجية كانت هناك ازمة داخلية من عدة أزمات، تشير للفوضى الإعلامية وكثرة التصريحات المتناقضة التي تؤكد بان هناك عدة دويلات داخل دولة العراق، وكانت ازمة جريمة سبايكر مثار لسخرية العديد من المسؤولين والمراقبين وبطريقة مؤسفة وهي شاهد حي لتلك الفوضى حيث:

صرح رئيس الوزراء بانه ليس هناك جريمة باسم سبايكر لان قاعدة سبايكر لم يكن فيها طلبة في القوة الجوية وانما كان هناك 175 طالب وتم اخلائهم بالتالي لا جريمة باسم قاعدة سبايكر وهو رئيس الحكومة المسؤول عن سياسة الدولة العامة والقائد العام للقوات المسلحة.
تصريح قاسم عطا الناطق بلسان مكتب قيادة عمليات بغداد يؤكد فيه انه ليس هناك طلاب ولا وجود لجريمة باسم سبايكر.
لكنه يعود في البرلمان(قاسم عطا) وبعد شهرين (بعد ان ظهرت بان هناك 1700 شاب مغدور في قاعدة سبايكر تم جلبهم لأغراض انتخابية) ويزيد عدد الموجودين في سبايكر الى11 الف منتسب.

ان تلك التصريحات المتضاربة من القادة الحكوميين والسياسيين والبرلمانيين أدت الى ضعف الدولة وضعف نظامها السياسي، لان هذا التناقض قد يصل الى الكذب الجزافي وبطريقة لا تؤدي الى بنيان دولة مؤسسات، بل ان بعض التصريحات تندرج تحت نصوص قانون العقوبات العراقي المرقم 111 لعام 1969 النافذ لأنها تحرض وتؤجج الكراهية وتدفع الى خلق أجواء للعنف والفتنة وقسم منها قد يكون فيها مُطلق التصريحات شريك فعلي بالجريمة، وهناك قياديين حكوميين صرحوا تصريحات خطرة ولم تقم لجنة سبايكر من الاستماع الى افاداتهم ومنهم باقر الزبيدي ( وزير النقل حيث اكد ان جريمة سبايكر ستسقط فيها رؤوس كبيرة وعروش متامرة في قتل هذا العدد الكبير من شبابنا المغدورين، وعاد واكد نائب رئيس الوزراء بهاء الاعرجي بان جريمة سبايكر جريمة كبيرة وهناك مسؤولين كبار في الدولة مشتركين فيها؛ لان الشباب المغدورين جاؤا بهم لأغراض انتخابية والمثير للاستغراب ان لجنة سبايكر لم تشير الى ان هؤلاء المغدورين تم جلبهم الى القاعدة لأغراض انتخابية، بل اكتفت بإصدار توصيات عمومية ليس لها أي الزام قانوني.
ان هذه التصريحات المتناقضة يرافقها تصريحات برلمانيين وسياسيين شوهت الخطاب الإعلامي للدولة وبات لا يعبر عن توجهات ومواقف لا بد من السير في اطارها فيما يخص السياسة الخارجية للدولة، ان هذه التصريحات أفقدت العراق دوره القيادي في محيطه العربي والإقليمي.
ان الخطاب الرسمي للدولة يجب ان ينبع من مفاهيم واطر دستورنا النافذ من خلال العمل في إطار المكاسب المتوقعة، بعيدا عن إطار الخسائر المتوقعة، من خلال حصر التصريحات والبيانات ودراستها من قبل هيئة قانونية سياسية، تعمل بأشراف الرئاسات الثلاث مضاف اليها السلطة القضائية.
ان الوقائع المبسوطة والمعطيات المفروضة في الساحة الداخلية والعربية تفرض على الدبلوماسية العراقية توخي الحذر والحيطة بعدم الزجّ بالعلاقات العراقية الخارجية نحو التمترس في محاور معروفة، وتذكيرا، ان رئيس الحكومة العراقية يؤكد انه يجب ان نبتعد عن سياسة المحاور والتجاذبات، لكن الخط العام للدولة دائما كان ولازال بعيدا عن المحيط العربي وفي محور ايران والعراق وسوريا، وهذا يشير الى ان العراق هو من يضع نفسه في صلب المحاور مما أدى الى التوتر والتراجع، والمراهنة على الدور الأمريكي والإيراني في دعم الموقف العراقي ينبغي أن يظل قائما مع تطورات الملف، ومصلحة العراق.
جميعهم يرفع شعار الوطن، ويزايد باسم الوطنية، مع أن وطينتهم غارقة في التزييف والتدليس؛ والوطنية مبادرة وإسهام فردي وجماعي، ومحاولات تنوير وتطوير فكري ومعرفي وعلمي. نعم، الوطن لوحة واحدة لكنها تحتوي كل الألوان وتستوعبها، ويتساوى فيها الناس كافة في الحقوق والواجبات، كما يتساوون في شرب الماء واستنشاق الهواء.
القانون هو ركيزة الدولة الحديثة، هو سلوكها، وخطابها في الآن نفسه، تلجأ الدولة إلى القانون وتعمل على سيادته وتطبيقه؛ ولا يصح أو يجوز أن تتحدث الدولة عن ثأر ما، وزلا يتصور أن تشجع عليه.
إن فعلت، تتحول من دولة إلى مجرد عصابة، وهذا تماماً ما يهدد الدولة العراقية.
إن الأعلام أحد آليات السلطة السياسية في عالمنا العربي وهذا يعود بشكل إلى امتلاك الدولة بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر عبر التشريعات التي تعقد حركة الأعلام الخاص، وتجعلها وسائل دعاية للحكومة.
والأعلام العربي والعراقي سجين رغبات الدول أو الأحزاب أو الطوائف -التي تحاول تبرير هيمنتها السياسية وتعزيزها مما جعل الدولة مجرد هيكل فارغ.
 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

989 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع