أ.د. محمد الدعمي
إذا ما انفجر صاحبك الأميركي، الأشقر، مقهقهًا عندما تعلن أمامه بأن ناقتك في الانتظار خارج البناية، فلا تنزعج، أخي العربي، كثيرًا نظرًا لجهل قطاعات واسعة من الجمهور الأميركي بالعرب وبحياتهم، زد على ذلك أن صورة العربي النمطية التي سوقها الإعلام الغربي على نحو متواصل منذ الحرب العربية/ الإسرائيلية في 1967 و1973 لا تزيد عن شكل رجل بدين مندلق البطن، يعتلي جملًا ويحتضن برميلًا من النفط الخام، تاركًا “حريمه” يجرين خلفه للحاق به!
بطبيعة الحال، هذه صورة استفزازية للغاية، كان بعض العرب و”الأعراب” قد كرسوها بسلوكياتهم غير اللائقة وبخطاباتهم المنفلتة عن ذبذبة العصر، للأسف. لكن هذه هي صورة مؤلمة عندما تتبلور عند أمثالي ممن شبوا وشابوا على الاعتزاز بقوميتهم وبدينهم، الأمر الذي يجعلهم يعلنون عن هذا الانتماء الإثني باعتزاز مفرط، كلما سنحت الفرصة لذلك، برغم أنك قد تتفاجأ بسؤال من مستمعك الأميركي، نصه: “وهل كونك عربيًّا يسبب لك الحرج؟”، كأنه نقيصة. هو مشكلة فعلًا بفضل المذكورين أعلاه من أمثال ذلك الرجل الذي قرر إدهاش الجمهور الغربي عندما أعلن بأنه يستطيع أن يتناول خروفًا كاملًا في جلسة غداء واحدة، ثم فعل ذلك، برغم أن الأمر قد كلفه الاستسلام مضطجعًا لرجال الإسعاف والممرضات في سبيل عمليات غسل المعدة بأقسام الطوارئ لإنقاذه من الموت. هذا نوع من “الفروسية” المضحكة لأنها استقرت في جزء من الجسم، سوى الآخر. الفروسية الحقة تتمثل ما قاله أخيار العرب: “نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع”.
هذا النوع من الافتخار القومي بدائي بحق، لأنه يكرس الصورة “الكاريكاتورية” التي رسمتها بالكلمات في أعلاه. أما المفاخرة بإنجازات الفرد ودوره الاجتماعي، بلا إشارة إلى العرق أو الدين أو لون البشرة، فإنها مقبولة هناك؛ لأنها هي وحدها التي تستحق التأمل والتقدير في العين الغربية نظرًا لأنها تفاخر باحتضانها أنموذجها الإنساني الشمولي الذي يجعل الرئيس الأميركي أو عضو الكونجرس يسابقك إلى الإعلان عن أن “المجتمع الأميركي هو مجتمع مهاجرين”. هو الذي يعمد لأن يغمرك بالشعور بأنك لست بغريب؛ فلا داعي لوسواس الاغتراب أو لآلام المنافي.
بيد أننا، عربًا، قد نشعر بالاختلاف وربما “بعقدة التفوق”، إن لم تكن “عقدة التراجع”، بسبب الثقافة التي دجنتنا على فكرة أن العرب هم الأفضل وهم أسمى من سواهم، لأنهم هزموا الفرس في ذي قار وفي القادسية؛ وهزموا الأوروبيين في حطين وفي الحروب الصليبية.
هذا كلام غير مهضوم بالنسبة للعقل الأميركي الذي ربما يسألك السؤال المحرج الأقوى: “ألم تهزموا في تاريخكم؟” خاصة وقد صار تاريخنا الحديث ومنذ سقوط بغداد في 1258م على أيدي هولاكو خان وجنده التتر، تاريخ لا تنقصه الهزائم والتراجعات والنكبات والنكسات، مع شديد الأسف.
أنماط التربية والتنشئة في العالم العربي مبتناة على ذات الأسس القومية التمركز التي أرساها قوميون مفروطون في التشبث “برابطة الدم” منذ بداية القرن الفائت. لقد تغير العالم، وهذا ما يعجز بعض العرب المتشبثين بالشوفينية عن فهمه أو إدراكه: لذا عندما تسأله عن هويته، يجيب بـ”أنا أميركي عربي”، ولا بأس بذلك، فلك الحق بالتوكيد على انتمائك الإثني عندما تتمكن من أن تقدم أنموذجًا سلوكيًّا يحسدونك بقية الأميركان عليه؛ بمعنى، أنموذجًا يختلف عن نهش لحم وشحم خروف أمام جمهور مبهور ومعجب بقدرة المعدة العربية على التمدد وعلى دفع ما لا نهاية له من الغذاء المسيّل عبر أنابيب الأمعاء المقدر طولها بالأميال ليلفظها المستقيم إلى الخارج في لحظات الخلاء. هو يتناول الخروف كاملًا، ثم يطلب أحشاءه لتصنع له زوجته منها صحن “باجة” مشحونًا بالكوليسترول.
بلى، لك أن تعلن بأنك “عربي وأميركي” عندما تميز نفسك عمن يقول “أنا أميركي” فقط عبر إسهاماتك بتقدم المجتمع وخدمة الإنسان هنا أو هناك.
أينما كنت: فاذهب وامتطِ ناقتك مفتخرًا. وهزّي تمر يا نخلة!
961 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع