د. منار الشوربجي
فجّر مقال نشرته الغارديان مؤخراً الجدل الذي لا ينتهي حول «الهوميوباثي» أو ما يعرف بالعلاج التجانسي.
ومقال الغارديان كان حاسماً هذه المرة في تأكيده أنه لا يوجد دليل علمي على فاعلية علاج الهوميوباثي، وفي تحذيره منه، مشيرا لدراسة أجراها «مجلس الصحة العامة والبحوث الطبية الاسترالي» يقول المقال انها الأشمل من نوعها حتى الآن.
وأعترف لك، عزيزي القارئ، أنني لم أكن أعرف شيئا عن الهوميوباثي حتى عام مضى حين سمعت عنه لأول مرة من صديقة أخبرتني أنها بعد أن فشلت في علاج ابنها من مرض عضال، لجأت لذلك النوع من العلاج فكانت النتائج مبهرة.
شدتني قصة صديقتي، فرحت أقرأ عن الهوميوباثي، فاكتشفت أن له جمهورا أوسع بكثير مما تصورت. والحقيقة أنني كلما قرأت عن الهوميوباثي، تزداد تساؤلاتي لا العكس. ولأنني لست طبيبة ولا متخصصة في هذا المجال، فليس بمقدوري على الإطلاق الحكم، ولكن ما عرفته مثير للشغف فعلا.
فقد قرأت أن «الهوميوباثي» معروف منذ أواخر القرن التاسع عشر. ورغم أن البعض يخلط بينه وبين العلاج بالأعشاب أو العلاج الصيني، إلا أن الهوميوباثي جد مختلف. فأصوله أوروبية ويعود تاريخه إلى طبيب ألماني يدعى صمويل هانمان كان يمارس الطب العادي قبل أن يصبح مؤسسا لممارسة الهوميوباثي.
والهوميوباثي يمارس حاليا في عدد من الدول الأوروبية فضلا عن الهند وباكستان وبعض دول أميركا اللاتينية. وفي الصيدليات الكبرى في عدد من الدول الأوروبية، وعلى رأسها ألمانيا وبريطانيا، توجد أقسام مخصصة لتقديم العلاج الذي يصفه ممارسو الهوميوباثي لمرضاهم.
وهو علاج معترف به في كثير من تلك الدول حتى أن نظام الرعاية الصحية الذي تنفق عليه الدولة في بريطانيا وألمانيا والبرازيل ضمن عدد لا بأس به من الدول يغطي ذلك النوع من العلاج.
وما قرأت عن الهوميوباثي يشي بأنه يقوم على مجموعة من الأفكار الفلسفية. فهو يعتبر أننا نشفى ذاتيا من خلال طاقة غير مرئية في جسم الإنسان.
فالهوميوباثي يرفض اعتبار الإنسان آلة، باعتبار أن الآلة لا تصلح نفسها بنفسها إذا ما تعرضت لعطل. أما الإنسان، وفق ما يقوله ممارسو الهوميوباثي، فإنه يتفاعل مع محيطه ويسعى للتكيف معه من خلال العقل والنفس والجسم معا.
ومن ثم فإن أعراض أي مرض هي مجرد دلالات تكشف عن تلك المحاولات للتكيف مع واقعه. ومن هنا، فإن الهوميوباثي، كما يقولون، لا يهتم باختفاء الأعراض، لأن كبتها لا يعني زوال المرض. وانما يهتم بالمرض نفسه.
أما العلاج، فيقوم على على فكرة محددة يسمونها «قانون المتشابهات»، مؤداها أن المرض يمكن شفاؤه عبر المادة التي يمكن أن تسبب أعراضا مشابهة لأعراض المرض. ويقولون عن الهوميوباثي أنه نوع من العلاج الشامل والفردي في آن معا، بمعنى أنه ينظر للإنسان كوحدة واحدة وفي الوقت ذاته فإن العلاج الذي يناسب شخصا قد لا يناسب غيره يعاني من الأعراض نفسها.
ومما قرأت مثلا أن داء السعال، مثلا، له أكثر من 118 مادة علاجية مختلفة تختلف من شخص لآخر حسب مراقبة حالته ليس فقط البدنية وانما الذهنية والنفسية وعاداته الغذائية بل وما يحب وما يكره بدءا بأنواع الطعام ومرورا بفصول السنة ووصولا للمطر والحر.
والأفكار السابقة كلها تبدو منطقية، لكنني لا أستطيع أن أمنع نفسي من التساؤل حول ما إذا كانت قريبة للغاية من بعض ما يمارسه الطب النفسي.
أليست هناك أوجه شبه بين ما يقوله ممارسو الهوميوباثي وما صار يعرف بالأعراض السايكو سوماتية، أي الأعراض الجسدية التي سببها نفسي لا جسماني؟ وهل الفارق مثلا هو أن الطب النفسي يعالج تلك الأعراض نفسيا فقط لا بشكل شامل كما يقول ممارسو الهوميوباثي؟عندي تساؤلات أيضا بخصوص مواد العلاج في الهوميوباثي.
فهي كلها مواد موجودة في الطبيعة، من نباتات ومعادن، ولكنها تعالج بطريقة خاصة، حيث يتم تخفيفها إلى أقصى درجة. والسؤال كيف يمكن أن يؤدي تخفيف المادة لأقصى درجة لزيادة فاعليتها لا العكس؟
وقد قرأت كثيرا عن ما يقوله خصوم الهوميوباثي، مثل أنه لا دليل علمي على فاعلية العلاج وأن حالات الشفاء أقرب للإيحاء منها للعلاج الفعلي.
فإذا كان الهوميوباثي يقوم على أفكار مختلفة عن علم الطب فهل يمكن قياس فعاليته وفق معايير علم الطب لا الهوميوباثي؟ وهل يمكن فعلا للإيحاء أن يعالج أمراضا عضال؟ ولماذا لا يؤدي الإيحاء للشفاء في حالات الطب العادي؟ ومن الأمور التي طالما شغلت ذهني هي موقف المصالح العملاقة لشركات الأدوية التي يمكن أن تلحقها أضرار بالغة إذا ما ثبت أن أي نوع من العلاج البديل له فاعلية مماثلة، وأين هي من كل هذا الجدل؟
ومقال الغارديان يطرح أسئلة أكثر. فكاتبه طبيب اسمه ادزارد ارنست لا يقول فقط انه ثبتت عدم فاعلية الهوميوباثي بل أنه يحذر من خطورته لأنه يؤدي بالمرضى تأجيل علاجهم وفق ما هو معروف من أدوية يعرفها الطب، وأن العلاج نفسه أدى لمشكلات خطيرة لدى بعض الحالات.
وهو ما يطرح السؤال الأهم على الإطلاق. فإذا كانت المسألة فعلا محسومة كما يبدو من مقال الغارديان، فلماذا لا تزال دول متقدمة مثل ألمانيا وبريطانيا، بها رقابة صارمة على النظم العلاجية تقدم من ميزانية الدولة تغطية صحية لمن يريد العلاج وفق الهوميوباثي؟
1053 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع