الهروب للكواكب الأخرى

                                        

                             زينب حفني

اعتادت عيناي وأذناي منذ اللحظة التي أجلس فيها صباحاً أمام شاشة التلفاز، على متابعة أخبار القتل والدمار التي تحدث بأرجاء متفرقة من العالم، حتّى بدأت أُجزم بأننا قادمون على عصر مجنون بكافة المقاييس، فقد بالكامل السيطرة على نفسه! فمن مشاهد «داعش» الدموية، إلى أحداث العنف المحزنة التي تحصد المئات يوميّاً بسوريا والعراق، ومروراً بالمعارك الدائرة بليبيا، وانتهاء بالأخبار المؤلمة التي غدت تصل إلينا من مصر مرفقة بسلسلة من الانفجارات المدويّة الواقعة بمختلف مناطق مصر، هذا يجعلنا نجزُّ على أضراسنا غيظاً، متسائلين وماذا بعد؟ متى ستنتهي هذه الفوضى العارمة التي صارت جزءاً لا يتجزأ من حياة أمتنا العربية؟

وسط هذا الكم من الإحباطات اليوميّة، فاجأتنا شركة «سبيسي إكس» بأنها تسعى إلى تخفيض تكلفة السفر للمريخ من خلال استمرار تصنيعها لصاروخ «فالكون هيفي» الذي سيكون قوياً جداً من وجهة نظرها. فهل هذا يعني بأننا سنشهد قريباً نزوحاً بشريّاً للكواكب الأخرى؟ هل سنرى في هذا القرن مولد سفر الناس إلى كوكب المريخ؟

أعتقد بأن كافة شعوب الأرض غدت متبرمة مما يجري على سطح كوكبها! وأضحت هناك انتهاكات صارخة في حق بني البشر متورطة فيها دول كثيرة اعتادت التشدّق طول الوقت بالحريات العامة، ولكن حينما يلمس الغرباء شعرة من رأسها تُنكّل بهم جهاراً، وتُطاردهم في كل مكان كالجرذان التي تحمل أوبئة في وبرها، وتنسى بنود دساتيرها التي تُنادي بالعدالة والديمقراطيّة!

وحينما نشاهد اليوم أفلام الخيال العلمي، نضحك غير مصدقين بأنها ستكون يوماً ما واقعاً على الأرض! لكن أعتقد بأن الصعود للقمر كان بالماضي حلماً بعيد المنال، إلى أن نجح العلماء في جعله حقيقة ومشوا فوق سطحه. السفر من مكان لمكان كان يجري عبر السفن أو الركوب على ظهور الحيوانات، ليأتي لنا العلماء بما يبهرنا ويجعلنا فاغري الأفواه غير مصدقين إنجازاتهم العبقرية.

لو نجح العلماء فعلاً في الوصول لسطح المريخ، الذي أثبتت الأبحاث بأنه الأقرب لطبيعة الأرض، أعتقد بأن الأرض ستشهد نزوحاً جماعيّاً لسكانها، بعد أن ضاق الناس مما يجري ببلدانهم، وغياب الأمن والأمان عنها. وسيعيشون بالكواكب الأخرى سعداء، فلن تكون هناك حوادث قتل، ولا صراعات على الطعام، ولا تنازع على السلطة، ولا خناقات على منابع المياه، ولا أحقاد على الجنسيات الأخرى، ولا عنصرية في الأديان المختلفة بطوائفها ومذاهبها، وستكون هناك أراضٍ شاسعة متاحة للجميع. الكل سيعيش مسترخياً على سطح كوكب لا يعبأ بما يجري بعيداً على كوكب الأرض.

تُرى هل سيكون العيش على الكواكب الأخرى أجمل من العيش على أرضنا؟ عندما أخبرنا رجال الفضاء الذين هبطوا على سطح القمر، بأن سطحه مظلم، غضب الكثيرون ورأوا كلامهم فيه ظلم للقمر، وخيانة للشعراء الذين ظلّوا قروناً طويلة يتغنون بجماله ويصفون المرأة الفاتنة بأنها مثل وجه القمر، ليجيء العلماء وينسفوا هذا المعتقد بين يوم وليلة!

رغم أنوف العلماء، ورغم كل ما يجري على أرضنا من مآسي موجعة، إلا أنني مصرّة بأن كوكبنا أحلى الكواكب، ولو خُيّرتُ يوماً بين البقاء فيه وسط هذا الكم من الضجيج، وبين الهجرة إلى أحد الكوكب السيّارة بالسماء، سأختار كوكبي، متخيلة بأن روّاد الفضاء الذين نظروا من مركبتهم الفضائيّة ورأوا روعة الأرض ببحورها وأنهارها وحلاوة طبيعتها، زفروا لحظتها زفرة طويلة منتظرين بصبر نافد العودة لأحضانها.

نعم الأرض عطية عظيمة من الرحمن، لكن الجبناء استباحوا عرضها وعاثوا فساداً فيها، مع هذا ما زالت صابرة على غيّهم، منتظرة أن ينقشع ضباب الغضب ويعود الجميع لصوابهم!

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1116 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع