لئلا ننساهم

                                      

                          خالد القشطيني

كتبت مجلة «نيو ستيتسمان» البريطانية مؤخرا مقالة ضافية أشارت فيها إلى نزوح المسيحيين من العالم العربي، وذكرت بكثير من الألم والتشاؤم احتمال اختفاء المسيحية كليا من الشرق الأوسط، الأرض التي بشروا فيها بدين المسيح وبنوا فيها الحضارات لقرون من الزمن.

سيكون خروجهم نكبة بالنسبة لنا، نحن المسلمين، كما كان خروج اليهود. مساهمات المسيحيين في تراثنا وفي نهضتنا الأدبية والفكرية الحديثة لا يمكن أن تحصر. الكثير من شعرائنا المعاصرين كانوا من أبنائهم. وكان ممن ذكرت منهم قبل أيام نقولا الترك، في معرض القصيدة الظريفة التي كتبها عن ولادة حمارة:
الحمد لله الذي ولدت حمارتنا العشار
جاءت لنا بحمارة يا ليتها كانت حمار!
عاش وأنتج نقولا الترك أعماله في أوائل القرن التاسع عشر في بلاد الشام، وترك ديوانا من الشعر كرس فيه فصلا خاصا للفكاهة بعنوان «كتاب الهجو والمزح والتنكيت». وتميزت فكاهاته بالجرأة والعصرنة، فتضمنت الكثير من الأفكار والتعابير والمفردات الشعبية والسوقية، مما اعتبره بعض النقاد كلاما مبتذلا. انتقده عبد الله لحود في كتابه عن أحاديث النكتة في لبنان، ورأى أن الكثير من أشعاره ركيكة في النظم وتقليدية في الفكرة. وهذا نقد كثيرا ما يوجه إلى شعراء الفكاهة والسخرية في الواقع.
بيد أن نقولا الترك كان هو الذي هاجم شعراء عصره واتهمهم بركاكة نظمهم. وجاء ذلك في قصيدة حرص فيها على ذكر بحور الشعر واستخدمها في خلق كثير من التوريات الظريفة في كلامه. قال:
أصبح الشعر كالشعير تماما
لا بل الشعر منه أرخص قيمة
ويحهم كيف جوزوا وأباحوا
هتك ما فيه من «عروض» سليمة
يا لهم من فواجر في غباهم
والخطا غوروا «البحور» العظيمة
نقصوا كل «كامل» موزون
ذي احتكام وعوجوا مستقيمه
أفسدوا جوهر «البسيط» وفيه
ركبوا أقبح الصفات الذميمة
قبل أن ينقذ «الخفيف» فرارا
منهم أو يتقي «السريع» الهزيمة
ضعضعوا «الوافر» المديد
وأمست منهم حالة «الطويل» مسومة
ويمضي الشاعر اللبناني في قصيدته، فينعى فن القصيد؛ إذ يقول:
حرفة الشعر يا عباد توفت
فاسكبوا فوقها الدموع الحميمة
رحمة الله والسلام عليها
حيث راحت من البنين عقيمة!
ورحمة الله على تلك الأيام التي رحل فيها المسيحيون العرب من أمثال ميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي إلى الغرب وتزودوا وتعلموا وعادوا ليعلمونا ويغنوا حضارتنا المعاصرة، وغدا أبناؤهم اليوم يرحلون هروبا وخوفا منا ليغنوا الغربيين بما تزودوا وتعلموا.. ولا يبقى منهم في أيدينا غير ذكراهم.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

857 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع