علي السوداني
أشتهي الليلة أن أكتب عن مدرستي العتيقة وأسمها مدرسة إبن جبير الإبتدائية للبنين . كان الدوام فيها ثلاثياً ، فقبلنا ثمة مدرستان هما الهادي والمآرب للبنات ، وهذا ما يفسّر اكتظاظ الفحول الصغار أمام بوابة خروج الصبايا ، في أول محاولات الحب من طرف وهميّ .
معلم القراءة الخلدونية اللطيفة هو الأستاذ مكي الذي كان يصل المدرسة سائقاً دراجته المشهورة . كان المعلم مكي محبوباً وحميماً ، ويستعمل وسائل إيضاح لترسيخ الحروف في عقل الطالب الكسلان التنبل ، ففي درس العين يأتينا بالعنب ، وبالباء بالبرتقال وفي التاء بتمرٍ من نخلة بيته الشريفة ، وبعد انقضاء الحصة ، نكون على موعد مزدحم مع أكل وسيلة الإيضاح الطيبة ، كأننا مثل رعية تأكل تماثيل آلهتها بعد انقضاء مفعولها الساحر .
في منتصف الدراسة الإبتدائية ، ظهر على شاشة البلاد المصارع الجميل الحميم عدنان القيسي . وفي يومٍ درجة حرارته تبوّل الزمال ، كنت أنا وصديقي مطلك مالك نتباطح عراةً من القميص بباب المدرسة . استمررنا كذلك حتى خرجت بنات الهادي وكحّلن أعينهنّ بمرأى جسدينا الناحلين ، ثم ماتت اللذة ونحن نمنح أصابعنا الطرية لعصا المدير القاسي زهير محمود نديم . أذكر أنني خرجت على النصّ التمثيلي ، فزرعت برقبة صاحبي مطلك عكسية مميتة ، فردّ عليّ بأن قام ببطحي والنوم على خوانيقي ، ولم يفلتني إلّا بعد أن نجح بلعومي بإخراج جملة مبحوحة عنوانها يمعود مطلك أنت تخرق الاتفاق .
بباب المدرسة ثمة عربانة عبد الله أبو العمبة وبيض وعروق ، وغياب الفلافل ربما هو توثيق لما قبل هبوب المصريين الطيبين على بلاد ما بين القهرين العظيمين .
جيوبنا مثقوبة وفقيرة ، وبطوننا يغني فيها داخل حسن ، لذلك كنا نشتري من عبد الله الكريم ربع صمّونة ونقوم بتطميسها في شيشة العمبة أزيد من مرة طمعاً في مواصلة عملية التلطيع اللذيذ ، ولا نتوقف حتى نرى عيني عبد الله وقد صارتا بجبهته العريضة .
دوامنا يبدأ من الثانية بعد الظهر ، وهذا يفسّر ضياع صبح العوافي منّي حتى الآن .
ثمة فعالية حلوة هي أنّ صاحب الحانوت المقصف ، يقوم قبل انتهاء الدوام بقليل ، بالدوران على الصفوف ، ليبيع ما تبقى عنده من كيك ، فمن كان بجيبه عشرة فلوس إشترى ، ومن ليس بجيبه رائحة فلسٍ أحمر ، ذهب إلى أكل الكيكة بالآجل الذي ناظره خمسة فلوس مقطوعة من خرجية اليوم التالي .
مدرستي الحبيبة كانت بمنطقة بديعة مدهشة جميلة واسمها جميلة ببغداد أمّ البلاد ، وهي قريبة جداً من نهير صغير لطيف ، كنّا نراه بحراً اسمه قناة الجيش .
عندي رغبة قوية بالجلوس الآن الآن وليس غداً فوق مقعدي المزروع في الصف الأول ألف .
924 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع