أبو الفضل البغدادي أهدر دمه ليحقن دماء الفقراء

                                 

                          محمود سعيد

كان الأقدمون يتباركون بالرّجل الصّالح حيّاً، أو بقبره ميتاً، ويقال أنّ أحد النّساك أراد ترك بغداد في القرن الخامس الهجري لكثرة الفساد فيها، فأمسك بيده أحد أصدقائه الورعين وقال له: لا تخرج من بغداد، ففي كلّ ركن من أركانها الأربع مدفون وليّ من أولياء الله يحصونّنها من الكوارث.

وعملاً بهذا الرّأي رحّب سكان قرية فقيرة بعيدة عن بغداد بنحو مئتي كيلومتر شرقاً، فما إن سمعوا باسم الزّاهد أبي الفضل البغداديّ المشهور ومروره في قريتهم حتى خرج معظمهم يستقبلونه بالدّفوف والأغاني وقد ارتدوا أفضل ما عندهم، كانوا يهتفون باسمه جذلين، ثم استبقوه وبالغوا في إكرامه.
ولمّا لم يكن في القرية مسجد، طلب مساعدتهم في إقامة بناء يصلّي فيه، وهكذا تمّ بناء المسجد بمساهمة الجميع وبوقتٍ قياسيّ.   
وكانت تلك القرية وغيرها تتعرّض دوماً لهجوم الّلصوص الذين يسرقون كلّ ما له قيمة في القرية، وأحياناً يعتدون على القرويّين ويستجوبونهم ليظهروا ما أخفوه عن الّلصوص.
وعندما هجم الّلصوص في أحدى الليالي هُرع الجميع إلى المسجد، فلم يتجاسر الّلصوص الذين رؤوا الصّوفي يصلي فيه وأمامه سكان القرية الصّغيرة كلّهم، فزاد احترام السّكان للصّوفي. وبذلوا ما يستطيعون لإغرائه ليبقى بينهم، لكنّه بعد مدّة من الزّمن اشتاق إلى أهله، وقرّر أن يبدأ رحلة الرّجوع إلى بغداد، فذهب أهل القرية إلى زعيمهم، وأخبروه بنيّة الصّوفي للرّحيل. عندئذ قال الزّعيم: لا. لن يرجع ويتركنا تحت رحمة الّلصوص. سيبقى معنا. هيّا معي.
ذهبوا جميعاً يحاولون إقناع الصّوفيّ أن يغيّر رأيه. لكنّ أبا الفضل أصرّ على المغادرة. عندئذ قال زعيم القرية الشّاب: توجد طريقة واحدة لمنعك من العودة. فضحك الصّوفي وسأله: ما هي الطّريقة؟
عندئذ بادر الزّعيم وأغمد خنجره في صدر الصّوفي، وهو يقول: "ستبقى حامي القرية إلى الأبد".
ثم دفنه في المسجد نفسه في حمى بكاء الأهالي ونواحهم عليه، لكنّ قبره أضحى مزاراً حامياً للقرية إلى حدّ الآن.
ومن يسافر في طريق السّيارات نحو الشرق يرى مزاراً  متواضعاً إلى يمين الممرّ الدّولي كتب عليه بالعربيّة والفارسيّة: ضريح مولانا الشهيد النّاسك أبي الفضل البغداديّ حامي الفقراء.
أهدر دمه حقناً لدماء أهل القرية الفقراء.


  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1024 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع