أ.د. محمد الدعمي
”.. على الرغم من أن الإناء الاجتماعي والسكاني الموصلي الأساس هو مسلم سني (في داخل المدينة)، إلا أنها محاطة بموزائيك سكاني كبير التنوع يتكون من شيعة ومسيحيين ويزيديين وشبك.
لذا تجد هذه الجماعات السكانية نفسها اليوم فجأة بين المطرقة والسندان وفي معترك يصعب الخروج منه بسلام، خاصة مع وجود ما يسمى بـ”داعش” التي تفتقر للانتماء إلى اية واحدة من الحواضن السكانية الإثنية أو الدينية أعلاه،”
ــــــــــــــــــــــــــ
إذا ما ألصق أغلب متابعي أخبار الشرق الأوسط آذانهم على مصادر أخبار اليمن وسوريا بأقوى الأصماغ نظراً لأهميتها، فإن على المرء التنبيه إلى البقعة الأخطر والأكثر سخونة التي تلّوح لشعوب الإقليم كافة بالويل والثبور؛ واقصد بها مدينة الموصل التي تشرف القوات المسلحة العراقية، بمعية خبراء عسكريين أميركان وقوات البيشمركة الكردية، زيادة على أعداد كبيرة مما يسمى بــ”الحشد الشعبي” على اجتياحها لتخليصها من براثن ما يسمى بـ”الدولة الإسلامية” التي احتلتها على حين غرة قبل حوالي ستة أشهر.
الفكرة الأساسية هنا تتجسد بأن ما سيحدث في الموصل من ارتطام عسكري لن يكون محدوداً بحساب جميع التوقعات، بل إنه ربما ارتطام بدرجة من العنف أنه قد يودي بوحدة العراق كدولة وبتماسك النظام الإقليمي للشرق الأوسط عامة. الموصل مدينة كبيرة تقطنها كتلة سكانية تتجاوز المليون نسمة، زد على ذلك أهميتها الاستراتيجية الكبيرة، إذ تتموقع بالقرب من آبار نفط غزيرة وتحيط بها أخصب حقول القمح والغلال في العراق، ناهيك عن أهميتها كعقدة مواصلات استراتيجية مركزية بين خطوط المواصلات الدولية العراقية/ التركية.
إن المقلق من أي ارتطام عسكري مهول هناك ينبع من أن الموصل أكبر بكثير من عين العرب “كوباني “البلدة الكردية الواقعة على الحدود السورية/التركية، كما أنها أكثر عمراناً وأغزر ثروات، ناهيك عن أنها، على عهد النظام السابق خدمت معيناً لتجهيز الضباط والعسكريين المحترفين على أنواعهم وأصنافهم الأساس.
وعلى الرغم من أن الإناء الاجتماعي والسكاني الموصلي الأساس هو مسلم سني (في داخل المدينة)، إلا أنها محاطة بموزائيك سكاني كبير التنوع يتكون من شيعة ومسيحيين ويزيديين وشبك. لذا تجد هذه الجماعات السكانية نفسها اليوم فجأة بين المطرقة والسندان وفي معترك يصعب الخروج منه بسلام، خاصة مع وجود ما يسمى بـ”داعش” التي تفتقر للانتماء إلى اية واحدة من الحواضن السكانية الإثنية أو الدينية أعلاه، على الرغم من محاولتها استدرار عواطف الموصليين، لما خرجته المدينة من ضباط كبار وأحداث وصغار الرتب عبر العهود السابقة لسنة 2003.
إن مجرد عملية الحركة العسكرية من المركز (بغداد) نحو الموصل لن تكون يسيرة أو سالكة بالمعنى الصحيح، ذلك أن على القوات المسلحة العراقية وما يسمى بمجاميع الحشد الشعبي القادمة من الجنوب نحو الشمال، أن تجتاز الإناء السكاني المضاد الأوسع، الممتد من بغداد حتى الموصل. وهذه مهمة نقل عسكري وآلي لن تكون سهلة قط، نظراً لاحتمالات وضع “داعش” والمتعاطفين معها كل ثقلهم لإعاقة الحركة العسكرية نحو الموصل. وإذا ما كان على القوات المسلحة المتجهة صوب الموصل أن تجتاز ما أطلق الأميركان عليه وصف “المثلث السني”، فإن الذي ينتظرها على مشارف المدينة لن يكون سالكاً، بكل تأكيد، وإذا كانت الدولة الإسلامية قد أرغمت على مغادرة عين العرب في سوريا عبر تحالف عسكري عربي/أميركي/ كردي، ومن جميع الجهات، فإن المدينة لم تخرج من الحرب سوى كتلة خرائب لم يزل الدخان يتصاعد منها بينما تشرد سكانها في كل إتجاه.
إن الموصل لا يمكن أن تقارن، من ناحية الحجم والسكان، بأية مدينة مشرقية، سوى بالعواصم الكبيرة؛ لذا فإن الذي ينتظرها من ارتطام عسكري ينذر بالمأساة، خاصة وأن جماعات داعش الإرهابية قد اتخذت منها عاصمة لدولتها المزعومة، الأمر الذي يعني أنها لن تتخلى عن الموصل بالطريقة التي أفرغت بها عين العرب من عناصرها على نحو مناور، بدليل ما تواظب داعش على إطلاقه من هنا وهناك من تقارير استعداداً لبناء عسكري مصمم لحرب طويلة الأمد، حرب قد لا تبقي ولا تذر.
إن ما ينذر بحرب كونية تنطلق من الموصل وإقليمها هو تنوع وتنافر القوى الداخلة إلى معتركها: القوى المحلية (طائفية وإثنية)، ثم القوى الإقليمية (دول تمتلك أدوات صب الزيت على النار)، ناهيك عما قد تستدرجه من صراعات قوى دولية كبرى تتوثب لاقتناص فرصة الهيمنة.
1057 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع