أعمى بطريق مظلم! / الحلقة الثلاثون

                                         

                       د.عبدالرزاق محمد جعفر

                                                          

     أعمى بطريق مظلم! / الحلقة الثلاثون

توجه "صابر" حال وصوله (صفاقس), الى كلية العلوم في منطقة (سكره),..وتقابل مع زميله الدكتور التونسي الذي تولى عمادة كلية العلوم هذه السنة, وكان لقاءاً ودياً,اعطى لـ"صابر" جرعة من الأمل,
 وقدم كافة الوثائق اللازمة للتعيين, الى سكرتيرة العميد , فأستلمتها مع تمنياتها له بالتوفيق, ثم أصدرعميد الكلية أمـرالتعيين, كأستاذ زائربسبب تجاوزه السن القانونية,... ولم يمانع "صابر" لأن غايته
 الحصول على الأقامة التونسية, حيث أنتهت أقامته الليبية عندما أستقال من جامعتها, وبهذا حقق أهم شرط من أجل الحصول على الفيزة الأمريكية,...وهي الأقامة لفترة لا تقل عن الستة أشهر!
***
ما ان وصل "صابر" الى مكان اقامته في أحد فنادق صفاقس الموسوم بـ (الأقواس), حتى جاءه نداء من صديقه في الجماهيرية العظمى,(ليبيا), يخبره بصدور كتاب من رآسة جامعة الفاتح بأنهاء عقده وعدم تجديده للعام القادم !  
استغرب "صابر", من هذا القرار فقد بدأ العمل هذه السنة في منتصف الشهر الخامس وعقده ينص بالعمل لمدة سنتين دراسيتين!
استهجن "صابر" هذا التصرف غيرالمتوقع من المسؤل عن قسم المغتربين, والذي  لم يلتزم بشرعية العقد الذي ابرمه في عمان مع رئيس اللجنة المتعاقدة ,والذي كان مخولاً من اللجنة الشعبية العليا, أي (رآسـة  الوزراء)! وعلى أية حال ما ان سمع "صابر" بنبأ ألغاء عـقـده حتى قال :   " طلعت منك ياجامع"!
***
خرج "صابر" من بناية كلية العلوم بصفاقس, وراح يتجول في الأحياء المحيطة بالكلية للبحث عن غرفة عند عائلة ما, لتأجيرها...  وبالصدفة  واجهته (شابة), عند الموقف الخاص لنقل الركاب,...  فغمرته بنظرة اعجاب, فسلم عليها, وسألها ان كان لديها معرفة عن سكن للطلبة ؟, فأبتسمت الفتاة وقالت له: انني طالبة,.. ومنذ الصباح الباكر, وأنا أفتش في المنطقة, ولم اعثرعلى سكن لائق,.. ثم توالت اسئلتها الروتينية التي اعتاد عليها "صابر",... لأن التونســيين لديهم حب الأستطلاع لمعرفة جنسية السائح, وحالا قال لها: (عراقي أنا), فأبتهجت وكادت ان تعانقه, وطلبت منه معرفة سكنه الحالي ووعدته باللقاء للتجول معه والبحث معاً عن سكن واعطاها رقم تلفون الفندق, وفوراً قالت له حفظته!, فأستغرب من نباهتها, وهكذا ودعها "صابر" وهو في شك من سلوكها! , فمن المستحيل ان تكون فتاة بمثل عمرها وجمالها,ووأناقتها, التعلق برجل بعمروالدها, عارضة عليه زيارتها  
في الفندق, وانها على استعداد لتأدية اية خدمة يطلبها !,... وهكذا خنع لرغبتها مبرراً تلهفها به, نتيجة حبها للعراق العظيم!
***
ارتاب "صابر" في قرارة نفسه من هذه الفتاة , وترك الأمرللقاء  التالي, وتوجه الى سـكـن صديقته (سناء), الفتاة التي تعلق بها سابقاً  حيث وجد نفسه بالقرب منه,...وعرفه فوراً وردد بيت الشعرالتالي:
 نقل فؤادك حيث شأت من الهوى= فما الحب ألا للحبيب الأول
 وما ان وصل البناية حتى سأل البواب عنها , فقال له :
  لقد اجرت عملية جراحية لأزالة ورم غير خبيث من صدرها ! , وسافرت من اجل الراحة والأستجمام الى عائلتها القاطنة في ولاية   بالجنوب التونسي,... ومن المحتمل عودتها بعد ايام !
عاد "صابر" يجتر ذكريات الماضي مع تلك الفتاة التي أرتبط معها بعلاقة رومانسيه (يابسه وتمن, كما في المثل العراقي) ليملئ الفراغ منذ أن أختفت من حياته اليمامة,... وراح يردد مع نهاوند:
أين ياليل صباباتي وأحلامي وكأسي
أين ياسمارنجواي وأحبابي وعرسي
ذهب السمار والكأس وآمالي ونفسي
وتأسيتُ فلم يرضى فؤدي بالتأسي
أسأل الليل عن الماضي وحلو الذكريات
أسأل النجم عن النادي وعذب النغمات
أسأل الأحلام عن تلك الليالي الحالمات
أين ياليل نداماي ومجلى صبواتي
أين مني طيفك الموحي أذا ما الليل أمسى
وسقاني الشوق آلام الهوى كأساً فكأسا
قد كرهتُ الليل والأحلام والأشواق يأسا
ليتني أنســــــى هواكم ....ثم أنســـــــــى
***
لم يُجيد "صابر" اللعبة مع التونسية ذات الأهداف المعمقة’ في بداية تعارفه معها , وكانت مغادرته لتونس البـلسـم الذي شفاه من أمراض الرومانسيه أو قل " السـذاجه " وها هواليوم عاد وكأن شيئاً لم يكن!  فقد حَنَ أليها من غيروعي,وراح يبحث عنها في مكان سكنها القديم   ولم يتعض من كيد بنات حواء,...التي أنهكته على مـَر السنين لأنه:
 أعمى البصر,... وبالرغم من ذلك فما زال مُصراً على السير في الطريق المظلم!
وهكذا راح يبررسلوكه, وترك التكَهنَ بما سيحل به  الى الزمن,  فالزمن كفيل بحل المشكلات,... ومن يدري فقد تكون حياة تلك الفتاة قد تغيرت, ومن المحتمل انها ما زالت عانساً ليومنا, وسترغب بعودة علاقتها معه, وغط في أحلام اليقظة مروضاً نفسه العليلة,مردداً:   
دع كل شيئ للصدف كم =  صدفة جلبت لنا شيئاً تحف
 طابت نفس "صابر",... ودندن أغنية سيدة الطرب العربي ام كلثوم ( أغداً ألقاك؟ ),... قد يكون الغيب حلواً,.. انما الحاضر أحلى!
***
تناول "صابر" الغداء في مطعم الفندق, ثم صعد لغرفتة , وتمدد لفترة قصيرة, وخرج عصراً لجهة منطقة جامعة صفاقس,.. بحثاًعن شـقة للأيجار تليق كسكن لأستاذ جامعي,..وبالصدفة قرأ لوحة على باب منزل كتب عليها ( استوديو للأيجار), ..  فطرق الباب مستفسراً عن امكانية الأطلاع على ذلك السكن , ودار كلام بين "صابر" وربة البيت انصب على هوية "صابر" بالتفصيل, وسـُرت المراة به حينما علمت بجنسيته, واعجب "صابر" بالسكن لقربه من الكلية ولرخص الأيجار الشهري مقارنة بأسعارالفنادق حتى ذات النجمتين,... واتفق معها على تأجيرها لمدة عام ,.. الا انها طلبت منه العودة في المساء لأجراء وثائق التأجيرمع زوجها,فوافق "صابر"وغادرالمكان فرحاً,  
 وتجول في محيط المكان الذي سيسكنه ليطلع على حوانيت بيع المواد الغذائية ومركزالبريد والصيدلية وعيادات الأطباء,...ووجد كل شيئ ميسـرولا يحتاج بعد  الآن الى التوجه الى مركز المدينة.
***  
انهك "صابر" التعب, فجلس في مقهى شعب, ولا يدري كم مضى من الوقت؟, وما ان ادركه غياب الشمس حتى توجه الى سكنه الجديد
فوجد رب الدار بأنتظاره, وبعد ان تبادلا التحية, اصرالمالك على دخول "صابر" لـبهـو الدار للمسامرة وشرب الشاي, وتمـت الضيافة بغبطة الطرفين , ووعد "صابر" مالك الدار بجلب الوثائق المطلوبة, ومبلغ الأيجار في صباح اليوم التالي وتسليمها الى زوجته,واقترح المالك على "صابر" التحول للسكن هنا اعتباراً من يوم غـد.
***
نهض "صابر"صباحاً سـعيداً بما تحقق له, وبعد تناول الفطور, طلب من ألأستعلامات فاتورة الحساب, لمغادرته الفندق هذا اليوم,...توجه الى غرفته وأستلقى على فراشه قليلاً وسرح بأحلام اليقظة:
 فهو ما زال يعيش ايام خريف العمرالمفعمة برغبات المراهقة, وفجأة,... رن جرس التلفون, واذا بالمتكلم الفتاة التي تعرف بها يوم أمس  وبعد الأستفسار, طلبت منه اللقاء فوراً في بهو الفندق!, لأمر هام, فهبط فوراً ورحب بها ودعاها لشرب شيئ ما في مقهى الفندق, ولم توافق لأنها وجدت سكن لها,... وتريد السفـرالى عائلتها لجلب الأيجار,..ولكنها لا تملك اجرة النقل الى مدينتها في الجنوب, وعلى الفورابدى "صابر"استعداده لمساعدتها, فطلبت منه 25 ديناراً فقط!  وسلمها المبلغ وهو مـزهواً, ولم يدرك كيد هذا النوع من الفتيات في صيد السواح, ولسذاجته, اخبرها عن تلفون سكنه الجديد وفي الحال دونته ومضت مسرعة,... للبحث عن مغفل آخرمن نفس الطينه!
 يتبع في الحلقة / 31 ,..مع محبتي لكل قراء الكاردينيا .

***

للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة

http://www.algardenia.com/maqalat/14889-2015-02-09-07-55-36.html
 

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1281 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع