لحسن وريغ
دار توبقال للنشر في ذكراها الثلاثين..
تصادف هذه السنة (2015)، مرور ثلاثة عقود على تأسيس دار النشر "توبقال"(1985) من طرف نخبة من الكتاب والجامعيين المغاربة، حيث صدرت أولى عناوينها في شهر نونبر من نفس السنة [5نونبر 1985]. ولنتذكر جميعا كيف أن هذه الدار تمكنت من فرض اسمها إلى جانب عديد من دور النشر المغربية والعربية الرائدة في عالم إنتاج المعرفة. ومع مرور الأيام وتوالي حركية النشر، أظهرت "توبقال للنشر" أنها صاحبة «فكرة جديدة، أساسها الاقتناع بأهمية النتاج الثقافي المغربي المعاصر، بكل ما يعبر عنه من ضرورة البحث عن الذات، ومن رغبة أكيدة في الانتقال إلى مرحلة نوعية من التعامل مع الخطاب الثقافي، في حقول متعددة ومتنوعة، بعد أن ظل يبحث عن نفسه لمدة طويلة. وهي فكرة تستند إلى معرفة بتاريخ وبعوائق الثقافة المغربية في العصر الحديث»، حسب بيان هيئة تحرير الدار الذي نشرته على موقعها على شبكة الأنترنيت. ثلاثون سنة في حياة مؤسسة مختصة في نشر المعرفة والإبداع، ليست إلا تعبيرا عن مغامرة من ممارسين ومحبين للفكر ولمجالاته المتعددة، دون أن يطالهم الخوف أو اليأس أو الشك أو الملل. والذين اختاروا ركوب مثل هذه المغامرة يعرفون حق المعرفة أن الاستثمار في إنتاج الثقافة والإبداع لا يلتقي ولا يشبه أي استثمار تجاري يجعل من الربح والخسارة رهانه الأول والأخير. ثلاثون سنة من عمر هذه الدار المغربية، تجعلني أقف احتراما وتقديرا لها ولعناوينها التي شكلت مصدرا ومرجعا للعديد من الباحثين والدارسين داخل الجامعة المغربية وخارجها ولا سيما في مجال العلوم الإنسانية ويكفي أن نتصفح قائمة منشورات الدار منذ إصداراتها الأولى لنرى أهمية ما كانت تراهن عليه من معرفة وإبداع:"في القول الشعري" ليمني العيد، " مدخل لجامع النص" لجيرار جنيت[ترجمة]، "البرلمان والممارسة التشريعية في المغرب"،"حوار فلسفي، محمد وقيدي"، "الحركة العمالية المغربية"،"جينيالوجيا المعرفة لميشال فوكو" "الرسائل" لمحمود درويش، "القانون الدستوري والمؤسسات السياسية"، "كتابات ماركسية حول المغرب"،"ورقات عن فلسفات إسلامية"…إلخ قد تكون دار "توبقال للنشر" غير رائدة في مجال الحصول على الجوائز الثقافية، و قد تكون غير مصنفة ضمن قائمة الدور التي يحظى كتابها بامتيازات التتويج "الدائم واللامشروط"، وقد لا تكون، كذلك، من الدور التي ينال مؤسسوها"دعما ماليا سخيا"… لكنها تبقى رغم كل ذلك مؤسسة تراهن على إنتاج معرفة علمية وأدبية تجعلها في مواجهة ومقاومة لثقافة الابتدال والرداءة والإثارة والاستسهال.. فعلى مدى ثلاثين سنة لم تتوقف"توبقال للنشر" عن «العمل والتأمل في الدار وفي التوجه الذي يجب أن تحافظ عليه».«ونحن اليوم، يقول بيان هيئة التحرير، نستحضر هذه السنوات لا بلذة الواصلين بل بعطش الراحلين. فالطريق، في الحقل الثقافي المغربي ، صعبة ومرهقة، تكاد تفضي إلى اليأس مما نقدم عليه. لكننا، بدلا من الشكوى، جعلنا من سنوات الدار الثمان و العشرين لحظة مفتوحة على اﻹنتاج. في اتجاهات متعددة حاولنا أن نجعل من الأفق مركزا ومن تداول الكتاب المغربي منزلة. تعبنا، الذي كنا نكتمه عن أنفسنا، كنا نعوضه بالفعل المتجدد للإصدارات ». وبناء عليه، يمكن أن يمنحنا هذا الاحتفال بعض الخلاصات التي نصيغها كما يلي: الإصرار على مواصلة نشر الكتاب الورقي رغم كل ما يقال ويحاك حوله من طرف الأميين والجاحدين؛ التشبث بأهمية النتاج الثقافي المغربي أولا ثم العربي و الإنساني ثانيا؛ منافسة شريفة ونزيهة مع جل دور النشر المغربية والعربية؛ التحديث الثقافي من خلال اختيار منتوج يساهم في بلورة ثقافة حداثية وقادرة على مواجهة كل أشكال الرداءة التي تنشر هنا وهناك؛ الجمالية في إخراج المنتوج الثقافي مما يجعله متميزا ويعكس هوية الدار؛ الانتشار الواسع داخل الساحة الثقافية العربية من خلال الحضور الدائم والمستمر في كثير من الفعاليات الثقافية وخاصة المعارض العربية للكتاب والنشر؛ الإيمان بمواكبة سيرورة الخطاب الثقافي وتحولات إشكالاته… وفي ختام هذه الملاحضات، أقول مع هيئة تحرير دار "توبقال للنشر":«الالتفات ﺇلى دار توبقال في سنتها الثلاثين توقف رمزي نحيي فيه من كان ﺇلى جانبنا من كتاب وفنانين ومطبعيين وصحفيين ومؤسسات رسمية وموزعين ومكتبيين ومكتبات. هؤلاء جميعا كان لهم فضل استمرار دار توبقال، ومعهم نواصل الرحيل.»
954 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع