الدكتور مهند العزاوي*
تعتبر مهارات التحليل السياسي فن ممزوج بالعلم , كونه علم لأنه يستخدم المفردات والطرائق المنهجية العلمية في اعداد البحوث بغية الوصول الى نتائج ومخرجات ناجعة في التحليل السياسي , وكونه فن لأنه يعتمد على قابلية التصور المسؤول بتطويع الخبرات المتراكمة للقائم بالتحليل ,
وكونه مهارة متقدمة لأنه يبرمج الجهده الذهني في عمليات التحليل والبحث , وسبر منظومة المعلومات وتصنيفها وتطويعها بغية الوصول الى الاستنتاجات والاحتمالات الواقعية الموضوعية لشكل التفاعلات ومسارات الاحداث في الواقع السياسي والمدرجة في موضوع التحليل المنطوي على فاعلية عناصر الواقع في العالم والإقليم, وكذلك الفاعلين المحليين وسيل الأحداث المرتبطة بها , حيث يجري تصورها ليجري تفسيرها بشكل منطقي علمي , كما ويفسر نوع العلاقات بين هذه القوى السياسية الداخلية والخارجية وتأثيراتها على الواقع السياسي موضوع التحليل
يعد التحليل السياسي المنهجي بمثابة الطريقة المثلى التي نحكم بها على الظواهر والأحداث والأزمات السياسية محلياً وإقليمياً وعالمياً ، ولذلك يحتاج المحلل السياسي الناجح إلى فهم الواقع السياسي الدولي والإقليمي وعلاقة هذا الواقع بالسياسة الدولية والنسق الدولي والإقليمي حتى يتمكن من معرفة تأثيراته المحتملة على الواقع السياسي الداخلي , وعلى سبيل المثال لا يمكن ان تطبق قواعد الاحكام في التحليل على تجارب سابقة في بيئة مختلفة عن موضوع البحث , ويمكن ان نطرح مثال ان التوازن الديموغرافي في الولايات المتحدة الاميركية يختلف عن التركيبة الديموغرافية في روسيا , وكذلك تختلف الثقافات وتعددها في اوربا عن دول جنوب شرق اسيا , وأيضا تختلف عناصر التأثير في لبنان عن عناصر التهديد في العراق رغم تشابه ادواتها , ولهذا فإن التحليل السياسي هو رياضه فكرية ومهارة متقدمة متسقة بمتابعة مفردات الخارطة السياسية ،
تعتمد الحكومات الناجحة على منظومة الباحثين والمحللين الاكفاء بغية انتاج ملفات التحليل السياسي للأحداث والظواهر والأزمات ليتسنى لها اتخاذ قراراتها السياسية بحكمة وموضوعية تتسق بالواقع , خصوصا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية للدولة وتجانسه مع البيئة المحلية والإقليمية ، ويتم التحليل السياسي وفق معايير وقواعد وأسس ومنهجيات محددة , تعتمد على استخدام ادوات التحليل بشكل يتطابق مع حجم المشكلة موضوع التحليل , وتعتمد بالدرجة الاولى على شكل المعلومات ودقتها سواء كانت رسمية او شبه رسمية او مستحصلة ميدانيا وكذلك تلعب مهارة المحلل وقدراته على الاستنتاج والتنبوء وخبراته المتراكمة لتحليل واقع الاحداث دور كبيرا في الوصول المسؤول لتحليل ناجع.
التحليل ادارة النشاط الذهني
تمثل مهارات التحليل والبحث الوسيلة المثلى لإدارة النشاط العقلي والذهني , باستخدام "المخزون المعرفي " المتراكم فيه المعرفة والعلم والخبرة والمهارات والتجارب , ومن خلاله يواجه الإنسان كافة المشاكل التي تصادفه في حياته ويحللها ويقوم بمعالجتها , ويستخدم المخزون المعرفي عندما يكلف فرديا او جماعيا بمناقشة مشكلة ما او أعداد بحث منظم يحاكي مشكلة ما يتطلب البحث عن فرضياتها وتحقيق نفيها او تأكيدها , وكيفية صياغتها كموضوع تحليل متقن يحقق الوصول الى استنتاجات منطقية موضوعية مسندة علميا وظرفيا وتاريخيا من خلال وصفها , بغية الحصول على توصيات او مقترحات معالجة للمشكلة مسؤولة , وأضحت المهارات الاطار الفكري الذي يبرز قيمة التحليل والبحث في ظل توفر الصفات السلوكية والعلمية لدى القائم بالتحليل والهدف البحثي له , وقد يعتقد البعض ان التحليل مقرون بالمحليين فحسب ولكن الحقيقة ان التحليل عملية ديناميكية يومية يقوم بها العقل بشكل دوري منظم يعتمد فيه على مقومات وعناصر ونشاط "المخزون المعرفي " ومواصفات المحلل ذاته وبلا شك انه ينتج الكثير من القرارات الصالحة او الخاطئة ,
بالرغم من تعدد انواع التحليلات السياسية وأساليبها وطرقها , الا اني استخدم مفردات منهج التحليل سوات SWOT analysis في العديد من التحليلات السياسيه الدولية والإقليمية والمحلية , ويعد من المناهج القابلة للتطبيق في غالبية البحوث والتحليلات لما يحتويه من عناصر تناقش البيئة الاستراتيجية الداخلية والخارجية ومفرداتهما التحليلية وتحاكي المخاطر والتهديدات وتقتنص الفرص السانحة والمتوقعة , ويعد تقدير سريع لمقومات القوة والضعف وبذلك تترك اثر فعال في رسم السياسات ومخرجاتها للأفراد والمنظمات والمؤسسات , وبالرغم يقتصر البعض تحليل سوات على الجانب الاداري الوظيفي الا انه مستوحي من التحليل العسكري والذي يطلق عليه في العلوم العسكرية (تقدير الموقف) الذي يناقش كافة العوامل المؤثره على القرار العسكري ويطرح مسالك وخطة تنفيذ علمية معتمدة مع فرق المصطلحات المستخدمة والنصوص ومن حيث الجوهر ان تحليل سوات مستوحي من تقدير الموقف العسكري كما هي الاستراتيجية التخصصية التي توسعت افقيا مستوحاة من العلم العسكري .
فوائد التحليل السياسي:
اصبح التحليل السياسي من الضروريات في الحياة السياسية المعاصرة , سواء كان لرجل الدولة المخول بالعمل في مجال السياسة او المسؤول الامني المعني بمعالجة الظواهر السياسية والأزمات او المسؤول السياسي أو المهتمين عامة بالشأن السياسي , وكذلك المفكرين من ذوي الدراية وسعه الأفق بما يؤهلهم لفهم ما يدور في العالم من احداث مختلفة تستحق العناية والبحث والمعالجة , وأيضا هناك المحللين السياسيين عبر الاعلام او في مراكز الدراسات المعنية المتخصصة , ويعد التحليل بمثابة الوقاية من جهة والتحسب للظواهر السلبية الزاحفة وبيان المخرجات الخاصة بها لتامين وقاية طوعية تعتمد مفردات تطبيقية واقعية لحصر وتفتيت الازمات او الظواهر التي تسند كموضوع للتحليل والبحث وعلى سبيل المثال عندما تطرح ازمة اقتصادية تتعلق بالفساد فان ظاهرها اقتصادي اداري ولكن ارتباطاتها ومضاعفاتها سياسية امنيه اجتماعية , وعندما توضع هذه الازمة وتحدد اسبابها والفاعلين فيها يجري التحسب كوقاية لمعالجتها بحصر وتفتيت عناصرها , فان هذا التحليل منع تفاقم الازمة الى ظاهرة وحدد الخلل وتمكن من حصر وتطويق الازمة ومعالجتها , وبذلك حقق الوقاية الكبرى للدولة والمجتمع , وبالتالي يكون عائدها ومردودها سياسي بالدرجة الاولى وامني وتنموي واقتصادي وهكذا , ويمكن ان نعتبرها كعلاج من جهة اخرى لمعالجة الاسباب المشابهة التي تؤدي الى وصول الاحداث المضطربة الى مسرح الحراك السياسي في حالة عدم تحليلها الى عواملها الاولية ومعرفة مخرجاتها , ولعل من ابرز فوائد التحليل السياسي هي :-
1.تكوين قاعدة بيانات منظمة تعتمد في اقسمها معلومات دقيقة تتعلق بالأحداث موضوع التحليل وتربطه بالوقائع التاريخية وتحدد طرق معالجتها التطبيقية مما يتيح هذه المعلومات في كل وقت وخصوصا عند ظهور احداث وأزمات مماثلة .
2.البعد عن الأحكام المطلقة ، والبحث في كافة الاحتمالات الممكنة ، ودرجة القوة في هذه الاحتمالات ومدى تأثيرها ، ومن ثم ترك المجال لتعدد وجهات النظر وقبول الرأى الأخر الذي من المحتمل ان يكون صائبا .
3.معالجة القضايا والمواقف بشكل أكثر وعياً وعمقاً ، والابتعاد عن الافكار الفردية والعقائد الشخصية والعاطفة التي لا تستند على أدلة واضحة وحقائق منطقية يمكن أن يقنع بها بقية الاطراف.
4.عدم الوقوف عند رأى واحد وإغلاق الباب أمام آراء الآخرين حتى وإن تميزت بانها مقنعة أو موضوعية ، وبالتالي القدرة علي مناقشة الآراء وتفنيدها يستخرج افكار مغامرة يمكن تحقيقها بحكمة ، حيث يجري مراجعة النفس إن وجدت الصواب أكثر في رأى غيرها ، والتعود علي احترام الرأى الآخر.
5.حصر نطاق الازمات المتفاعلة ومعالجتها وتحقيق عنصر الوقاية الشاملة في الواقع السياسي موضوع الازمة
6.ادارة الازمات وتصنيف المخاطر
7.ادارة المخاطر ومنع وقوع مخاطر مشابه
8.المشاركة في صناعة القرار السياسي المتعلق برسم السياسات
9.المشاركة في تكوين راي عام بخصوص قضية ما
10.التحدث للرأي العام والتوعية عند الازمات المتفاعلة والخطيرة
11.طرح منظومات بحث متعددة مقتدرة ذات خبرة في معالجة الاحداث وتحليلها .
متى نقوم بالتحليل السياسي
1.عندما نكون في وظيفة تعتمد في انتاجها على التحليل السياسي
2.عندما تكون هناك رغبه في تحليل الاحداث والأزمات والظواهر .
3.عندما ندرك المتغيرات ونستطيع التفكير بعناصر تلك المتغيرات
4.عند وجود امرا غامضا يتعلق بالواقع السياسي يتطلب الدراسة والتحليل
5.عندما تكلف خلية الازمة بمعالجة مشكلة ما
6.عندما يكلف شخص معني باتجاه معين بتحليل حدث او ازمة او ظاهرة سياسية ما تتعلق بتخصصه
7.عندما تستشعر مؤسسات الدولة بمخاطر سياسية ما
8.عندما يكلف قسم الدراسات والبحوث في الجامعات او المؤسسات بمهمة التحليل
9.عند بروز احداث سياسية غير متوقعة
10.عند تفاعل الازمات والخشية من تطور ازمة ما
11.عند بروز ظاهرة اجتماعية تتعلق بالواقع السياسي
12.عند التوقع تعرض البلد لتهديد خارجي ما تشكل خلية ازمة
13.عند القيام بمهام المتابعة الدورية للواقع السياسي الداخلي والخارجي
14.عند حضور المؤتمرات الدولية والإقليمية
15.عندما يكون هناك قرار استراتيجي يتطلب البحث والتحليل
16.عند نشوب صراع اقليمي متاخم
17.عند نشوب حرب غير متوقعة
18.عند ورود تقارير تفيد بوجود ضغط سياسي ما
19.عند تحليل خطاب سياسي فردي او وجاهي
20.عند كتابه مقال تحليلي
التحليل السياسي بحث منهجي يعتمد الاطر الاكاديمية والعلمية , ويعتمد على خطة بحث دقيقة متقنة يعدها المحلل ويضع اطرها الزمنية ويحدد مخرجاتها وفرضياتها , ويمكن وصف التحليل هو مزيج من الاداء البشري الفكري والتطبيقي , حيث يقوم المحلل بالجانب الفكري لتفسير الجانب التطبيقي الذي يجسد افكار وأراء وتوجهات ومسالك الاخرين سواء كانت سياسية او فلسفية , باستخدام عناصر التأثير البشري في مفاصل مختلفة تحددها الحقائق والمعطيات والوقائع , التي يطلق عليها مسرح التحليل ليتم على اثرها تتبع الحدث ومعرفة زوايا العمق المخفية فيه وكشفها وتحديد عناصر قوتها ثم يتم الوقاية الاستراتيجية منها عبر حزمة المخرجات الفاعلة التي تحقق وقاية بضمنها علاج محدد للضرر والآثار المترتبة على تداعيات الحدث موضوع التحليل , ولا يمكن وصف المتفوه الحزبي او الناطق الرسمي بالمحلل لكونه يجسد عقيدته السياسية ويتخطى الحقيقة ويسوق العقيدة او التبريرات بدلا عنها ضمن ما يطلق عليه حالة الانكار السياسي التي لا ترتبط بالحقائق والوقائع , ولذا ينفرد التحليل السياسي بالمنهجية العلمية والحيادية وهو الحقيقة الناصعة.
*محلل سياسي مؤلف كتاب مهارات التحليل السياسي
620 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع