د.منار الشوربجي
اضطرت الشركة المسؤولة عن إعلانات الشوارع في لوس أنجلوس لسحب إعلان كان يحمل صورة لنيلسون مانديلا واقتباساً من أحد تصريحاته بعد أن تعرضت للتهديد والتخريب من جانب أنصار إسرائيل.
فكان سحب الإعلان آخر حلقة في مسلسل حرب الإعلانات الدائرة في شوارع أميركا بين أكثر أنصار إسرائيل تطرفاً وحملة مناهضة سعت للرد عليها.
فمنذ عامين تقريباً، كانت باميلا جيللر، وهي من أكثر رموز اليمين الأميركي تطرفاً في عدائها للإسلام ومناصرتها لإسرائيل قد قامت بحملة إعلانات مدفوعة الأجر في عدة مدن أميركية تصف خصوم إسرائيل «بالوحوش» وتبث الكراهية ضد الإسلام والمسلمين. وهى قامت بتلك الحملة على لوحات الإعلانات في محطات المترو وعلى الباصات في مدن مختلفة، منها واشنطن العاصمة ونيويورك. ولأنها حملة اتسمت ببث سموم الكراهية فقد حاول البعض منعها إلا أن القضاء الأميركي اعتبر أن المنع يمثل انتهاكا لحرية التعبير المنصوص عليها في الدستور الأميركي، فاستمرت الحملة رغم ما كانت تحمله من بغض وسموم.
وكانت تلك الحملة قد لقيت معارضة شديدة حتى من جانب الكثير من اليهود التقدميين الذين رفضوا صراحة أن تتحدث جيللر باسمهم. وكتب بعض أولئك اليهود رسالة مفتوحة وقعوا عليها في سبتمبر الماضي وموجهة لعمدة مدينة نيويورك – دي بلازيو، حملت تحية له لأنه أدان علناً تلك الإعلانات ووصفها بأنها تمثل «رسائل كراهية لا تساعد إلا على الانقسام .. ولا مكان لها في نيويورك»، وطالبته بموقف أكثر قوة عبر وضع مثل تلك الإدانة في المكان نفسه الذي يرى فيه المواطن العادي إعلانات جيللر، مؤكدين أن التعصب لن يسود «إذا ما أغرقت المدينة الكراهية في بحر من رسائل الاحترام والأمان لكل سكانها».
لكن في الوقت ذاته كانت منظمة غير حكومية تسمى «إعلانات ضد الأبارتيد» أنشأها مجموعة من الأميركيين اليهود والمسيحيين والمسلمين تسعى للقيام بحملة مضادة «لنشر الوعى» بالقضية الفلسطينية وتقديم وجهة النظر الأخرى، «عبر نشر إعلانات تقدم معنى مناهضا» لما تقدمه إعلانات جيللر، كما تقول المنظمة. وقد قصرت تلك المنظمة مضمون ما تقدمه على حقائق تفضح ممارسات إسرائيل «مصدرها وثائق الأمم المتحدة»، فضلاً عن اقتباسات من رموز دولية كذلك الإعلان الذي حمل صورة مانديلا وتم سحبه مؤخرا من على شاحنات نقل بلوس أنجلوس.
فالإعلان حمل صورة لنيلسون مانديلا يرافقها عبارته الشهيرة «حريتنا لن تكتمل إلا بحرية الفلسطينيين». لكن خمس شاحنات تعرضت للتخريب وتلقت الشركة المسؤولة عن الإعلانات تهديدات تليفونية من جانب أشخاص قالت الشركة أنهم «من أنصار إسرائيل»، مما اضطرها لوقف حملة الإعلانات قبل الموعد المحدد في العقد المبرم مع منظمة «إعلانات ضد الأبارتيد».
ورغم أن حملة الكراهية التي تتبناها جيللر تتمتع بكل الحرية بعد الحكم القضائي الذي حصلت عليه، إلا أن سحب صور مانديلا لم تكن المرة الأولى التي تتعرض فيها حملة «إعلانات ضد الأبارتيد» للإيقاف.
ففي يوليو الماضي، كانت شركة النقل العام بمدينة بوسطن قد أوقفت حملة إعلانات مماثلة دون حتى إخطار المنظمة بدعوى أنها «تحقر من إسرائيل»، في الوقت الذي كانت فيه حملة باميلا جيللر المعادية للمسلمين تدور على قدم وساق في المدينة. وهو ما دفع «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية»، كبرى المنظمات الحقوقية الأميركية للإعلان عن دعمه «لإعلانات ضد الأبارتيد» ضد شركة النقل يبوسطن.
وقتها أشار ريتشارد كولباث هس، اليهودي الأميركي، وأحد مؤسسي «إعلانات ضد الأبارتيد» للفارق بين إعلانات منظمته والإعلانات التي تروج لها جيللر بل وللكيل بمكيالين في قرار شركة بوسطن للنقل.
فهو قال إن إعلانات منظمته «تنتقد حكومة إسرائيل ولا توجه انتقادها لأية فرد أو جماعة»، مضيفاً أنه إذا كان إعلان منظمته قد تم سحبه لأنه «يحقر من إسرائيل، فلماذا إذن لم يتم إزالة» إعلانات جيللر، «أليست بمثابة تحقير للفلسطينيين؟».
والحقيقة أن حرب الإعلانات تلك تكشف بوضوح عن إشكاليات كثيرة تتعلق بحرية التعبير. فالمحكمة العليا الأميركية طالما ميزت في أحكامها بين الرأي الذي ينطوي على عنف، وبين الفعل العنيف، أي ميزت بين العنف اللفظي بما في ذلك الدعوة للعنف وبين الفعل نفسه.
فهي على سبيل المثال رفضت أن يتم منع ما يسمى «بخطاب الكراهية» على أساس عدم إعطاء الحكومة الحق في منع حرية الرأي بناء على مضمونه، وهي في ذلك رفضت في حالة شهيرة في الستينات حبس عضو في منظمة كوكلاكس كلان العنصرية بسبب تصريحات دعا فيها صراحة للعنف. لكن المحكمة في الوقت ذاته جرمت العنف نفسه المبنى على الكراهية.
فهي وافقت على تغليظ العقوبة على الجرائم التي ترتكب لأسباب عنصرية. ويطرح كل ذلك سؤالاً مهماً حول موقف المحكمة العليا إذا ما عرض عليها أمر إسكات الأصوات الداعمة للحق الفلسطيني داخل أميركا بدعوى أنها تمثل «تحقيراً لإسرائيل».
1040 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع