يومَ طگت البواري... بقلم : الدكتور صباح الخزرجي
ربما يتذكر ابناء جيلنا عندما زمجر شتاءنا العراقي على غير عادته في مثل هذا اليوم قبل 51 سنة وبالتحديد في 22 ك2 1964 فتكسرت انابيب المياه النحاسية من شدة البرودة مُستجيبة لأحدى خواص الماء H2O الفيزياوية عندما يبدأ بالتمدد في درجة 4 مئوي فما دون في مسيرته للتحول الى الحالة الصلبة, اي عندما يغدو ثلجاً في درجة الصفر المئوي.
نعم لقد عاش سكان العاصمة بغداد وضواحيها في حال من الطواريء مصحوب بشعور من الخوف والهلع لتكسر انابيب (بواري) البيوت تلقائيا , وشبه استحالة توفر السباكين بعددٍ كافٍ لإتمام الاصلاحات المطلوبة. ولكن مع انحسار موجة البرد الشديد بعد بضعة ايام , عادت الحياة الطبيعية تدرج بايامنا بعد أن حفرت في الاذهان مربعا من ذاكرة لم ينسَ لعقود من الزمن.
وللطگوك في حياتنا المعاصرة مناسبات وسوانح اخرى.. أخصُ منها ماحدث قبل زهاء اسبوعين عندما اتفقت مجموعة من الاصدقاء للتطوع بجمع وشراء وتوزيع ما تجود به النفوس الطيبة والضمائر الحية التي اهتزت لمعاناة شريحة كبيرة جدا من مواطنينا العراقيين , فتحركت لترجمة الاقوال الى افعال سيحتسبها لهم الحَكمُ العدلُ بلا ريب في ميزان اعمالهم, كما ستكتبها الاجيال بمداد من الشرف والنور.. عندما جادت اياديهم بالأهم من مستلزمات اخوتنا من المهجرين والنازحين, فكانت الرسالة التلفونية التالية (مسج) التي بثها احدهم الى جميع الارقام المحفوظة في هاتفه الجوال بستين حرفا بالتمام والكمال ‘‘ تحية للإخوة الكرام إن توفرت افرشة للنازحين نرجو اعلامنا لنستلمها منكم’’ انتهى النص.
وقد روى لنا ذلك الاخ بأن فيضا عارما من النداءات والرسائل الهاتفية طفقت تنهال عليه بتفاصيل وانواع واعداد قطع الملابس الصوفية والقطنية والبطانيات والافرشة, وحتى من الحاجات الاساسية التي نادرا ما تخطر على بال السيدات والسادة المتبرعين الكرام رغم كونها جوهرية في حياتنا اليومية كالوسائد (المخدات) والمناشف وفرش الاسنان والمناديل الورقية الخ.. من المفردات التفصيلية التي سكنت عقول العراقيين النجباء. تلتها مراحل استلام ونقل تلك المواد من بيوت المتبرعين الى اعضاء الحملة , الذين قاموا بايصالها مباشرة الى تجمعات النازحين والمهجرين او الى مجموعات اخرى تتمكن من الوصول الى المستفيدين مباشرة والالتقاء معهم لسماع طلباتهم المستجدة. اما اعضاء الحملات الذين لم يتمكنوا لسبب او لآخر من الوصول لتجمعات المواطنين المحتاجين , فقد بادروا مُسرعين لإيصالها لمراكز توزيع كبرى معلومة وجدت لها مُستقرا في المساجد والجوامع والجمعيات الخيرية والاجتماعية او لدى مختاري المحلات وغيرهم.
والله العظيم الذي لايجوز القسم الا بذاته المتعالية الكريمة.. فقد برزً امامنا رجال شجعان وسيدات ماجدات آلوا على انفسهم الزكية الا أن تخلدَ في صفحة حاتم طي وسجل جابري عثرات الكرام الذين كنا نسمع عنهم في ما دونَ اجدادنا من مآثر ومكرمات.. فقد رأيناهم على صعيد الواقع يتحرون وينتخون لشراء كميات كبيرة من انواع ممتازة وبمبالغ طائلة مما يحتاج اخوة لنا وقعوا ضحايا صاغرين بين نيران المتحاربين فغادروا مُجبرين بيوتهم ومناطق سكناهم.. لابل قد برزت لنا شريحة مباركة من المؤمنين الذين فضلوا اخراج زكاتهم للعام القادم الآن وفورا لتوظيفها في توفير متطلبات العراقيين النازحين!!
وعلى النقيض مما حكينا لكم عن مكارم الاخلاق.. يصيبنا وشعبنا وامتنا ضرر جسيم من (طگوك) آخر لمجرمين سرقوا خزينة الدولة كانوا وزراء ومسؤولين (طاگين) في البرلمان والحكومة السابقة , وآخرين مسكوت عليهم لكونهم ضمن الدورة الحاكمة حاليا.. غادر بعضهم البلاد مأسوف على ماحملوه في حقائب ملابسهم من اموال العراق المنكوب, قد غدت الوحدة الحسابية لما لطشوا لا تُعد بالآلاف والملايين بل بالمليارات من الدولارات, واطنان من ذهب البنك المركزي هُربت بالشاحنات واللوريات دون خجل ولا خوف من الشعب ولارقيب او حسيب!!.. اين هي ماما ( أ ) الام الحنون والشرطي الدولي الذي يعدل الحمل لو مال؟؟؟!!
وهنا نوجه خطابنا للموسورين والمقتدرين -- فعلى الصعيد الشخصي كثيرا ما نصادف شخصا يتمنى على الله الاماني قائلا:- لو صرت غنيا او اعطاني الله ما تشتهي نفسي لسخوت على الفقراء والمحتاجين ووو.. وعندما ينال مراده يخاف أن يُزكي او يخرج مال اليتيم والمسكين خشية إملاق او مخافة اليوم الاسود.. فلذلك أنت ياأخي الغني هو الرابح من البداية فقد حسمها معك الباريء عز وجل وأسبغ نعمته عليك دون دعاء منك ولا اشتراطات.. فلماذا لا تتلحلح وهذا يومك للإنتفاض والإرتقاء بإغاثة ابناء جلدتك لتكسب الدارين.. مجد الدنيا الفانية وجنة الآخرة الباقية؟!.. وقد صدق الشاعر حين قال:- كل مَن تلقاهُ يشكو همهُ ليتَ شعري هذه الدنيا لمن
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
979 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع