صديق المجله /بغداد
لايمكن تغافل او اهمال ماحدث من تطورات كبيره في العراق بعد تموز 1968 ووصول حزب البعث الى السلطه مره ثانيه في غضون خمسة سنوات
والقرارات الكبيره والمهمه التي حققتها حكوماته التي تولت المسؤوليه منذ تموز 1968 وحتى عام 1979 اي خلال مايقارب اكثر من عشر سنوات حدثت فيها الكثير من المتغيرات كان في مقدمتها قانون السلام مع الاخوه الكورد وتأميم النفط وقانون العمل وتنظيم الجبهه الوطنيه القوميه التقدميه وتغيير كبير في مجال الاعلام واتفاقية التعاون والصداقه مع الاتحاد السوفيتي وماحدث من خطة انفجاريه كبيره جدا فاقت حدود قابلية العراق ولايزال الناس يشاهدون بقاياها على الارض من مشاريع عملاقه وبنى تحتيه اضافة الى اتفاقية الجزائر التي انهت التمرد في شمال العراق .
وكان لابد من اجهاض هذا البناء المستمر وتقويض ما حصل وخاصة ان عيون العراق كانت ترنو نحو مشاريع وخطط تقع في مجال المحظورات الدوليه على العالم الثالث وخاصة العرب ومنها التقنية النوويه التي تمكن العراق من ولوجها عن طريق فرنسا وما حصل لاحقا كما سنبينه في المقال ادى الى ضياع الجهود الكبيره والانجازات العملاقه ..
الموقف في عام 1979
استلم الرئيس صدام حسين السلطه المطلقه في بغداد عام 1979 وكان الموقف العام داخليا يعاني من حركه دينيه يقودها حزب ديني تابع لايران ويتحدث باسم الطائفه الشيعيه التي كانت تشكل نصف سكان العراق وتتمركز في الجنوب وبجوار ايران اضافة الى الاضطرابات التي استمر بها المتطرفون الاكراد في شمال العراق وبدعم من ايران الشاه واسرائيل والولايات المتحده الامريكيه يضاف الى ذلك تخلل الوضع الداخلي لحزب البعث الذي كان يسيطر على السلطه يقبضة من حديد وانفراط عقد الجبهه الوطنيه القوميه الديمقراطيه التي كانت تضم الاحزاب اليساريه والقوميه وبعض الاحزاب الكورديه والتي كانت تؤيد الحكم القائم ولها وزراء في الحكومه ..
في الجانب الاخر كان الموقف في الشرق الاوسط يشير الى تغيرات محتمله وارده جدا بعد قرار امريكا تغيير الشاه بواسطة القوى اليساريه ثم تسليم السلطه الى الحركات الدينيه في نصائح مدسوسه تمت من قبل واشنطن ولندن حتى اصبح الحكم بيد مجموعه متخلفه من رجال الدين لايفقهون من السياسة والاداره والنظام شيئا ,,
ظهور تحالف معادي للعراق يضم كل من سوريا وليبيا من الغرب العراقي ومجلس التعاون الخليجي من الجنوب وكان لابد من معالجة الموقف اعلاه بانشاء مجلس التعاون العربي بين العراق ومصر والاردن في تكتل يواجه التكتلات التي ظهرت ةلنه كان من مجموعه متناقضه ايديولوجيه وتبعيه ودوائر نفوذ مختلفه..
لم يكن الوضع داخل الحزب مستقرا فقد كان تاثير حركة ناظم كزار ( مدير الامن السابق ) في تموز 1973 تنشر ظلالها على تنظيمات الحزب وحددت حركة اعضائه واوقفت سياقاته مثل الانتخابات ولجأت القياده الى اسلوب التعيين الذي تخلله الكثير من المحسوبيات والمنسوبيات وعطلت فقرة النقد والنقد الذاتي التي كانت عامل مهذب ومصصح لسيرة الاعضاء والتنظيمات حتى جائت ضربه اخرى وهي ماسمي بمؤامرة 79 والتي اعدم فيها نخبه من قادة الحزب في الخطين الاول والثاني وانسحبت اثارها الى المستويات الدنيا ورافق ذلك عمليه اعلاميه مبرمجه في تاييد الرئيس صدام بصوره مشابه لما كان يجري للقائد الشيوعي ستالين والرئيس الروماني شاوشيسكو وكيم ايل سونغ الكوري وتم تحشيد كل الامكانيات الاعلاميه والحزبيه والجماهيريه لهذا الغرض ومن خلال هذا الحشد الجماهيري تمكن الرئيس صدام من السيطره الكامله على مقدرات الحزب وتنظيماته وتفرغ لقيادة الدوله بقوه مع جيش يدين له بالولاء المطلق وجهاز امني ومخابراتي يعد من افضل ماكان موجود على صعيد المنطقه ..
كان للاتحاد السوفيتي دورا كبيرا في اسناد العراق بعد اتفاقية التعاون والصداقه التي وقعها صدام حسي في موسكو عام 1972 والتي سمحت بتزويد العراق باكبر ترسانه من الاسلحه في الشرق الاوسط وخاصة بعد انهيار النظام البهلوي الشاهنشاهي في ايران ..
لايمكن نكران حصول الرئيس صدام حسين على تاييد كبير من قبل الجماهير العراقيه والعربيه و في باقي دول العالم حتى بات يتطلع الى قياده الفراغ الذي تركه المرحوم جمال عبد الناصر في قيادة الامه العربيه ولذلك كان لابد من وجود فعل يصب في هذا الاتجاه وكانت ايران قد اصبحت هي الهدف لاسباب عديده اذكر منها البعض :
1 . العداء التاريخي بين العرب والفرس وتكريس هذا العداء من قبل الحكم الصفوي الذي فعل الكثير من الاخطاء والجرائم التي لايزال المسلمون والعرب تحديدا يذكرونها بسوء واشمئزاز .
2 . اتفاقية الجزائر 1975 التي ارغم عليها العراق والتي كان العراق يرى انها مجحفه بحقه لانها اعطت حقوق غير مشروعه لايران تحت ضغط التمرد الكوردي في شمال العراق .
3 . ضرورة وجود عمليه تشابه معارك السويس 1956 لكي يبرز نجم القائد العربي للامه العربيه وفي الحقيقه لم يكن احد من الحكام العرب مؤهلا لذلك غير صدام .
4 . ضرورة ان يكون الخليج تحت حماية العراق كما كان دائما خلال التاريخ وهذا يحتاج ان يكون العراق قويا في اقوى نقطه مثل ايران لكي تكون باقي النقاط راضخه والمبرر موجود وهو حماية هذه الدول من التهديدات الغبيه التي كان يطلقها الايرانيون في جميع الاتجاهات وبدون تفكير .
5 . يجب عدم اغفال الحقد الفارسي على العرب في جميع مستوياتهم الاجتماعيه وقياداتهم السياسيه والنفس القومي الفارسي في تعاليهم وتعاملهم مع الاخرين وخاصة العرب لوجود حقد قديم عمره اكثر من 1400 سنه تخللتها الكثير من المؤامرات والافعال والشخصيات التي كانت تعمل بهذا الاتجاه وبمختلف الوسائل والطرق ..
6 . احتفاظ ايران بمنطقة خوزستان العربيه وضمها الى ايران بالقوه واعدام اميرها واذلال شعبها كان احد اهم المبرارات التي دفعت للقيام بعمل ما ضد ايران الجديده التي بدات تعلن عن اهداف قوميه فارسيه بدلا من الاهداف الاسلاميه التي كان يصرح بها زعمائها ..
الاندفاع الى الامام
لقد كان الرئيس صدام قد وصل الى نقطة الذروه وبدا مؤيدوه يكنوه بصلاح الدين نسبة الى القائد الاسلامي صلاح الدين الايوبي محررالقدس من الصليبيين مما زاد في الفخر والاندفاع وهنا لابد من نظره سريعه الى الموقف العسكري قبل الحرب :
كان العراق يملك بحدود ربع مليون جندي في القوات المسلحه العراقيه و بحدود 2000 دبابة قتال رئيسيه و350 طائره مقاتله وسانده وعدد كبير من المدافع والصواريخ قصيرة المدى ومفاعلات نوويه في طريقها الى الوصول والعمل وكانت هذه القوات موزعه على 12 فرقه جزء منها مشغول في ضبط الاراضي الشماليه ( اقليم كوردستان الحالي ) وقسم اخر عباره عن قوات حدود منفتحه على حدود العراق بشكل مخافر مع تكثيف على الجانب السوري والايراني وتمركز الفرق الاليه والمدرعه في الوسط والجنوب ..
وفي الجانب الايراني كانت القوات الايرانيه شبه مدمره ومبعثره وغياب الجيش والقيادات وسيطرت الفوضى على الاوضاع وتشرذم الدوله وهناك العديد من المقاطعات والاقاليم تمهد لاعلان استقلالها عن المركز ومنها الكورد والبلوش والاذريين والعربستانيين وكان ذلك يعتبر فرصه لاتعوض لاي دوله تريد استغلال الوضع الذي فيه ايران للحصول على مكاسب او على الاقل لفرض شروط اتفاقيات ولكن غاب عن الجميع في القياده العراقيه التي كانت تخطط لعمليه لاتستمر لاكثر من اسبوعين وقد تزيد قليلا ولكنها لم تأخذ بنظر الاعتبار بعض العوامل المهمه جدا وهي :
1 . لقد كانت ايران في زمن الشاه وبعد زمن الشاه وحتى الان ضمن دائرة النفوذ الامريكي وضمن مخططاته ولذلك كان يفترض بالنظام العراقي ان يأخذ ذلك بنظر الاعتبار ويتخذ الاجراءات الازمه لتلافي وتجاوز هذه النقطه سياسيا لضمان حياد الولايات المتحده ..
2 . لقد كان ماحصل في ايران في شباط 1979 هو اول عمليه ربيع في المنطقه وتجربه اولى للفوضى الخلاقه وبداية مشروع الشرق الاوسط الجديد وكان على العراق استيعاب هذا العمل الكبير والمخطط العالمي ولاينجر وراء اهداف قوميه صغيره . ( لنا مقال في هذا الخصوص ودور السفاره الامريكيه ) .
3 . اعتماد ايران في جميع انواع حكوماتها شاهنشاهيه او دينيه خمينيه تعتمد على شيعة العراق في اي صراع مع العراق بالرغم من تنوع الشيعه في العراق بين علمانيين ومتدينين مختلفين ولكنهم عندما يكون موضوع ايران الام الرؤوم فيكون الموقف مختلف جدا عند الكثير لان الولاء هنا سيكون للطائفه وبالرغم من ان ظهور هذه الحاله كان محدودا في خلال الحرب مع ايران وهذا يعود الى سيطرة التنظيم الحزبي والاجهزه الامنيه وتحول الحرب من اندفاع الى العمق الايراني الى حالة الدفاع عن العراق بعد الانسحاب الى الاراضي العراقيه .
4 . لم يكن حجم العراق ولا جيشه ولانفوسه قادرا على استيعاب الرقعه الجغرافيه الحدوديه لايران وتشتت القوات على جبهه تمتد لحوالي 1200 كم كان اول ما واجه القوات العراقيه اضافة الى ظهور نواة المقاومه الايرانيه بشكل بسيط ومن ثم تطور .
5 . قدمت المخابرات الفرنسيه نصيحة ثمينه جدا للقياده العراقيه مفادها مايلي : ان من الخطأ ان يقوم العراق بشن حرب على ايران بالرغم مما تفعله ايران على الحدود ويعتقد الجانب الفرنسي ان من الممكن ان تتم عمليات تحرير المناطق المتنازع عليها فقط وان الانتظار افضل لانه سيؤدي الى تفتت ايران الى دويلات ولكن القياده استعجلت و قررت القيام بالدخول الى العمق ولايعرف السبب ..
6 . ان الشعب الايراني لايزال مهوس بالمد الثوري الديني وياخذه الحماس الشديد ومن الخطأ شن حرب عليه تؤدي الى قيام الخميني بحشد هذا الحماس كله باتجاه العراق وكان المفروض على الاقل الانتظار لحين ان ينطفي هذا الحماس او يهدأ وتكثر اخطاء الحكام الجدد قليلي التجربه وازدياد نقمة الشارع عليهم ..
7 . كانت هناك جهات داخل ايران تريد لهذه الحرب ان تندلع وكانت تقوم بالتحريض بضرب القرى العراقيه الحدوديه مثل خانقين ومندلي والمخافر لتحفيز العراق على الرد وكان يجب ملاحظة ذلك وهنا يبرز دور المخابرات العراقيه .
8 . لقد كان امام الايرانيين خياران الاول هو استمرار اليسار واليبراليين والعلمانيين بالعمل والاستمرار بالثوره لازاحه المتدينين واعادتهم الى صوامعهم والثاني ترك الساحه الى المعممين للركوب عل ظهر الثوره وسرقتها وهذا ما ساعد العراق عليه في حربه حيث لم يحتاج خميني الى قرارات صعبه ومعقده سوى فتوى واحده بسيطه تقول ان المهدي المنتظر يدعوكم للدفاع عن ايران وهذا ما حصل وسقط اليسار كله وضاعت الثوره .
9 . لقد كانت الامور في ايران قبل الحرب مهيأه لعدة احتمالات فقد كان الصراع بين الليبراليين والعلمانيين وبين رجال الدين ولكن كان الاتحاد السوفيتي يهيأ في الخفاء حزب ( توده ) الشيوعي الايراني الذي كان لايزال يحتفظ بقوته وسلاحه ويتهيا للانقضاض على السلطه في الوقت المناسب بعد ان يضعف الطرفان وهذا ماذكره الرئيس الامريكي في خطابه الاسبوعي عن حالة الاتحاد في تشرين الاول عام 1980 حيث ذكر نقطتين مهمه جدا بصدد ايران الاولى عدم السماح بتقسيم ايران والثانيه لن يسمح للجهات اليساريه المتطرفه من السيطره على الاوضاع والمقصود الحزب الشيوعي الايراني ( توده ) وكانت الحرب التي شنها العراق بمثابة الانقاذ في الوقت المناسب .
لم يكن صدام حسين كما يعتقد البعض انه لايفقه الفن السياسي ولاادارة الدوله او الحرب من موقع سياسي ولكنه وبالرغم من كونه من اصول قرويه الا انه كان ذكيا بدرجه كبيره ويعرف كيف يدير الازمات والحرب التي ارادت القوى العظمى لها ان تستمر لاستنزاف الطرفين وخفض سعر النفط وكانت دول الخليج المرحب لهذه الحرب لانها تخلصهم من قوتين كبرى تخوفهم وتهددهم باستمرار وخاصة الكويت والامارات والسعوديه,,
استنتاجات
1 . لم تكن الخطط العسكريه العراقيه بالمستوى المطلوب عسكريا بالرغم من انها اعد لها قبل الحرب بفتره طويله نسبيا تصل الى ستة اشهر رافقها تدريبات على التخلل من خلال قوات حرس الحدود وكانت الاندفاعات العميقه وعدم توفر القطعات الازمه لحماية الاجنحه والمؤخرات والتباعد بين الارتال من اهم نقاط الضعف .
2 . ايران بلد واسع وفيه مساحات كبيره وشاسعه وكان بالامكان تجنب الحرب وترك الامور تتفاعل داخليا وتتدهور حتى تتقسم ايران الى دويلات وسيكون هناك واحده او اكثر مع العراق حتما ..
3 . لم يكن تقدير الموقف السياسي بمستوى العمل حتى الحليف السوفيتي لم يقف مع العراق بل وافق على عدم توريد السلاح الى العراق حتى عبر الوسطاء والجهه الوحيده التي ساعدت في ذلك هي فرنسا عن طريق الاردن والسعوديه ويخطأ من يعتقد ان روسيا او امريكا قد زودت العراق بقطعة سلاح واحده .
تكرر الخطأ بالاندفاع الى الاعماق مع الكويت عام 1991 مما سبب نفس الاخطاء والنتائج .
مع تحيات
صديق المجله/ بغداد
950 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع