أ.د. محمد الدعمي
” لاريب في أن الجنرال الفرنسي قد عشق مصر بعد أن هزم المماليك واستقر في القاهرة لمدة طويلة، فعدها جوهرته مقابل الهند، جوهرة منافسيه البريطانيين ، بدليل أنه حاول التقرب من المصريين، خاصة من الغالبية المسلمة منهم؛ فما كان منه إلا أن وضع عمامة إسلامية على رأسه وأعلن بأنه قد اعتنق الإسلام.”
على الرغم من تشكيك بعض المؤرخين بصحة حادث سفارة هارون الرشيد الى ملك الفرنجة (فرنسا)، شارلمان، التي حملت معها ساعة آلية أذهلت بلاط الفرنجة، حقبة ذاك، لدقة صنعتها ولعكسها تفوق بغداد على فرنسا، تمور العلاقة بين فرنسا والعالم الإسلامي بالأحداث والذكريات التاريخية الطريفة التي قد تلطف من أجواء التوتر والتكهرب السائدة هناك هذه الأيام حيال المسلمين.
توجب مثل هذه المراجعة استذكار واحدة من أهم محطات العلاقة المتذبذبة بين الإسلام والفرنسيين، وهي حملة نابيلون على مصر التي كانت دوافعها تعكس التنافس الكولونيالي بين الفرنسيين والإنجليز. لقد قدمت هذه الحملة لمصر الكثير من المنجزات بسبب استقدام نابليون العشرات من العلماء والمتخصصين معه لدراسة مصر ومسحها علمياً وتفصيلياً من جميع الجوانب، الطبيعية والجغرافية والاجتماعية والتاريخية، من بين سواها. ولم تزل مصر الحديثة مدينة للمتخصصين الفرنسيين الذين استقدمهم نابليون حقبة ذاك حتى هذا اليوم.
لاريب في أن الجنرال الفرنسي قد عشق مصر بعد أن هزم المماليك واستقر في القاهرة لمدة طويلة، فعدها جوهرته مقابل الهند، جوهرة منافسيه البريطانيين، بدليل أنه حاول التقرب من المصريين، خاصة من الغالبية المسلمة منهم؛ فما كان منه إلا أن وضع عمامة إسلامية على رأسه وأعلن بأنه قد اعتنق الإسلام. ولم تزل صورته واضعاً العمامة الإسلامية على راسه من أشهر ما تبقى له من صور. وقد عزز بونابرت هذا الإعلان بالتردد على إحدى التكايا أو الزوايا الصوفية هناك، متراقصاً مع دق دفوف الدراويش، منشداً: “مدد، مدد، ياسيدي أحمد يا زُكيري…”.
كانت هذه محطة مهمة من قصة باريس مع الإسلام والمسلمين، وهي قصة طريفة ينبغي أن تستذكر أكثر من استذكار عدد المسلمين الموجودين في فرنسا اليوم، ذلك أن تشبث فرنسا بمسلمي إفريقيا هو أساس فكرة “الفرانكفونية” والأمم الإفريقية الناطقة بالفرنسية.
زد على الاعتبارات أعلاه طول بقاء الكولونيالية الفرنسية في الشقيقة الجزائر، حيث كان الشبان الجزائريون يرتعدون غضباً كلما لاحظوا أن جنوداً فرنسيين يلتقطون صوراً لحسناوات جزائريات، ثم يتبادلونها فيما بينهم، فكانت “الغيرة” الجزائرية وراء الكثير من الغضب الشعبي ضد فرنسا التي أرادت ضم الجزائر إلى جسدها الإقليمي كي تجهزها بالأيدي العاملة الرخيصة وبالكروم الجيد الذي يصنع منه النبيذ الفرنسي الشهير! ولم تزل الجزائر المستقلة تطالب فرنسا بتعويضات نقدية أسطورية عن مرحلة الاحتلال والاستعمار الفرنسي الاستيطاني.
الحمد لله، فقد ثارت الجزائر ضد الإستعمار الفرنسي ولم تسمح للفرنسيين بتحقيق حلم الضم، ولكن مقابل مليون شهيد جزائري مسلم، فسميت ثورة الجزائر بثورة “المليون شهيد”.
وعودٌ إلى الجنرال بونابرت، فقد كان بقاؤه في مصر طويلاً وراء اتخاذه “فاطمة”، ابنة أحد الشيوخ المصريين، محظية له. فاطمة شابة مصرية بارعة الجمال لقيت حتفها قتلاً من قبل أقاربها حال مغادرة نابليون مصر عائداً إلى فرنسا، حيث كانت حبيبته الحقيقية، جوزفين، تنتظره في باريس.
حتى اتفاقية سايكس/بيكو قدعكست شيئاً من ميولات الفرنسيين وتفضيلاتهم وخلاصات الاستشراق الفرنسي، ذلك أن عملية تقسيم المشرق العربي بين باريس ولندن قد استجابت للعشق الفرنسي لبلاد الشام، وهو عشق قديم بقدم تقليد الاستشراق والارتحال الفرنسيان. لذا وضعت فرنسا سوريا ولبنان تحت عبائتها، بينما وضع البريطانيون العراق وفلسطين وشرق الأردن تحت هيمنتهم.
وللمرء أن يلاحظ في هذا السياق الطريف أن حب الفرنسيين لبلاد الشام، سوريا ولبنان، قد أتى أكله عبر الدراسات الإسلامية والتاريخية الفرنسية حيث أفرد الفرنسيون اهتماماً أكاديمياً خاصاً بالأمويين وبالدولة الأموية في دمشق، ليس فقط لحبهم للشام، ولكن كذلك لأن الأمويين هم أول من ركب البحر المتوسط ومخر عبابه من بين الدول المشرقية، درجة أن الأساطيل التجارية والعسكرية العربية والمسلمة أحالت البحر المتوسط إلى شبه “بحيرة عربية”! وبذلك نافست البحرية الشامية البحرية العمانية الشهيرة من الناحية الشمالية عبر البحر المتوسط حقبة ذاك!
المصدر: جريدة الوطن العمانية:
http://alwatan.com/details/46571
1067 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع