الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي
ابن الراوندي،والصحيح كما يقول البحاثة الاستاذ عبد الامير الاعسم ” ابن الريوندي :
هو ابو الحسين، احمد بن يحيى الريوندي . حيث ولد في قرية ريوند من قرى مرو الروذ في خراسان، وليس من بلدة راوند قرب مدينة اصبهان في بلاد العجم . ويعد احدى الشخصيات الفذة في تاريخ الحركات الفكرية في الاسلام . برز في بغداد التي كانت ملتقى الافكار والاتجاهات الحضارية خاصة( بين خلافة الرشيد786م وانتهاء بخلافة الواثق 845 ) ،وكان ابن الريوندي استاذ القرن الثالث الهجري( اي التاسع الميلادي) بلا منازع ومن ابرز مفكريه المستنيرين ،واكثرهم اهتماما في تفسير الحياة والدين . عاصر ابن الريوندي حركات وافكار المعتزلة الذين طوردوا في خلافة المتوكل ، والمتهمون بالزندقة والالحاد . كان معتزليا ثم شيعيا ثم سياسيا معارضا للسلطة الرجعية للدولة ،حاول ان يؤسس مدرسة عقلانية ،فاتهم بالزندقة وتبرأت منه الفرق الاسلامية لجرأته المنقطعة النظير في المناقشات الدينية. “ ويمضي الاستاذ الاعسم قائلا:” ولم يكتف بعض خصومه بتزوير اقواله ،بل بهتوا قراءهم ،بان حبكوا بعض الاحداث الاسطورية عنه. “ (1)
ولد الريوندي في عام 827 ومات على الارجح مصلوبا في عام 911 في مدينة الرقة الواقعة في اقصى شرق سوريا، وتتضارب الاراء في نهايته ، لذلك يعد ابن الريوندي شخصية فلسفية جدلية . كان ابن الريوندي ناسكا اي متصوفا قد تاثر بتقاليد الرهبنة في العفة والحياة البسيطة، وتعلم المناقشة والجدل واشتهر بالمناظرات ومال الى فكر المعتزلة القائم على المنطق الارسطي في مناقشة قضايا الدين والحياة ، وذلك حينما درس في المجتمع البصري الذي انتشر فيه الفكر التنويري للمعتزلة ،وتعلم فكر المعتزلة على يد ابي الهذيل العلاف، ثم لازم ابا عيسى الوراق . وحضر مجالس المعتزلة فترة من الزمن ،والف كتابا او كتابين في فكر المعتزلة ،لكنهما لم يصلا الينا . ثم انقلب على المعتزلة، اذ يرجح انه تاثر بالافكار المانوية أوالغنوصية ،فألف كتابا بعنوان (فضيحة المعتزلة) لم يصل الينا ايضا وكذلك جميع ماكتب،اذ تم احراق جميع مؤلفاته بعد اتهامه بالزندقة . وكان الاساس في اتهامه انه ذو اصل يهوديا: فقد كان ابوه يهوديا ، ثم غير اباه دينه عندما استولى المسلمون على فارس . وعلى الرغم من ان ابن الراوندي كتب رسالة في مناقضة التوراة .
كان ابن الراوندي قد درس الطب والرياضيات والفلك ، ولكنه مال لنقد للفكر الديني ، فوقع في مشكلات توصيل افكاره الى مجتمع يخشى ذلك . عمل وراقا، ولكنه فشل في عمله لآنه كان يضيف من عندياته على الاصل ويصحح ما يراه خطأا ؟ سعى ابن الريوندي لمناقشة بعض الاراء الدينية وخاصة المعجزات، مناقشة منطقية جلبت له غضب رجال الدين ، كما انتقد بعض الاراء الواردة في التراث الاسلامي ، ولذلك احرقت او اتلفت مؤلفاته، ماعدا كتاب (الزمرد ) الجدلي و الذي يشير اليه، لكن لم يعرف مؤلفه في الحقيقة .
قال عنه المؤرخ ابن خلكان الذي كتب عنه بعد ثلاثة قرون ان ابن الريوندي وكذلك ابو العلاء المعري : ملعونان ، لانهما يعتبران ملحدان. كما قال عنه ابن كثير : ان افكاره اقرب الى الزنادقة منها الى الاسلام . وهناك روايتان عن نهاية حياته فقد تحدث بها ابن كثير في (البداية والنهاية) في احدى الروايات: انه لما طلبه الحاكم او (السلطان) هرب الى خوزستان وأختبأ عند عشيرته اليهودية، وانه مات عند ابن لاوي اليهودي ، ولكن الراجح انه قد القي عليه القبض في قرية قرب مدينة الرقة في شمال شرقي سوريا ،حيث تم فيها صلبه او قتله .(2)
ألف ابن الراوندي زهاء عشرين مؤلفا من ابرزها : الابتداء والاعادة ، وكذلك الاسماء والاحكام ، وكلاهما يظهران صدق ايمان الراوندي،وعمق تعلقه بالقيم الروحية . الا ان البلخي يقول ان كتابيه الفلسفيين يتضمنان زندقة ولعل فيهما فكر نقدي للتراث . اما ابن النديم فقد ذكر ان ابن الراوندي وضع كتابافي خلق القرآن،ولكن لم يصل الينا، ويشك في تاليفه من قبل ابن الراوندي نفسه . (3)
كما الف كتاب القضيب وقد ذكره ابن خلكان . اما كتاب البصيرة فقد ذكره ابو العباس الطبري، وقال انه الفه نزولا على رغبة اليهود!، اما كتاب الدافق ،فقد ذكره البلخي . والمهم ان جميع كتبه العشرين لم تصل الينا سوى الزمرد، وهو كتاب يقول عنه الباحثون المنصفون انه بقي ، لكي يبرر نهاية ابن الراوندي المحزنة وسبب اضطهاده .
وقد وصف الشاعر الرائع المبرد، موقف ابن الراوندي وكأنه يسبر اعماقه و منشدا له :
مجن الزمان كثيرة ماتنقضي وسرورها يأتيك كالاعياد
ملك الاكارم فاسترق رقابهم وتراه رقا في يد الاوغاد(4)
وقيل عنه ايضا :
أليس عجيبا بان امرءا لطيف الخصال دقيق الكلم يموت وما حصلت نفسه سوى علمه انه ما علم .
كثيرون كتبوا عن ابن الريوندي في العصر الحديث لكن قلة انصفوه ،ومنهم الباحث الالماني بول كلاوس في مقدمة كتابه (كتاب الزمرد المنسوب لابن الريوندي ) والذي لخص بالعربية في مجلة الاديب البيروتية في عام 1943 ،وكذلك فعل، الباحث الفلسفي العراقي الاستاذ د. عبد الامير الاعسم اطال الله في عمره .
من اقواله:
1-مالتصدي للحراب والقضاب ومبارزة الابطال ، باصعب من التصدي للجواب.
2-تحت كل لم، اسدحلم.
وابرز من كتب عنه في زمانه هو ابو الحسين عبد الرحيم الخياط، الذي يعد ايضا من المصادر الرئيسية للمعتزلة .
اهم المصادر
1- الاعسم،د. عبد الامير . تاريخ ابن الريوندي .بيروت، دار الافاق،1975، ص 7 .
2 - ابن كثير : البداية والنهاية.
3- بدوي،د. عبد الرحمن . من تاريخ الالحاد في الاسلام . القاهرة ، 1971 : (ابن الراوندي) ، ط1 عام 1945 .
4- كتاب معاهد التنصيص. ج6 ص 158
1309 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع