إضاءة على المجموعة الشعرية "لمختلفين في نعناع النظرة "للشاعر الليبي محمد القذافي مسعود
بقلم : صابرين فرعون
يُعد الشاعر محمد القذافي مسعود من الأدباء الذين استطاعوا الجمع بين بساطة الفكر واللفظة ورمزية الصورة , معتمداً أسلوباً نقدياً وسرداً تصويرياً عميقاً ..
تضمنت مجموعته الشعرية ستاً وعشرين قصيدةً من قصائد الومضات السهلة الممتنعة التي كتبها في مدينتين عزيزتين على قلبه في وطنه (طرابلس , غريان ) . تبهج القصائد القارئ بسبب منظومتها ذات الرمزية عالية الجودة وصبغة الرومانسية السياسية , وتوحيد الأرض والمرأة كمفاتيح لغوية لوطنه " ليبيا " ..
تنوعت مواضعيه ضمن نسيج ذات وحدة منتظمة ومتراصة كخلية النحل فقد تحدث عن الغربة , التصميم والإصرار , الوحدة والفراغ , الوطن , الحب , الحرب, الدهشة والانكسار , تهشم الذات , التحرر من الخوف , و التسرع والطيش .. كما تنوعت أساليبه البلاغية , فقد استخدم الأسلوب الإنشائي متأثراً بألفاظ من القرآن الكريم والألفاظ الصوفية مثل :البسملة , الحمدلة , كيف يستوي... ,عرجون , فيرتد , القابض ... كذلك استخدم الأسلوب الخبري كما في قصيدة " فيروزيات ماطرة ", و توظيفه للعدد أربعين في قصيدة " لوز المعنى " مرتبط بالآية الكريمة في سورة البقرة " وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون " ..
صوره قوية وعميقة مؤثرة في النفس كما في قصيدته " فخذ البيت " : نكتب على فخذ البيت إننا هنا ننهش غربة الشارع ليصير الزقاق قمراً على كتف الروح جرح الريح تبوحه كمنجةٌ تتحصن من متزمنكٍ يسب الله , في هذه القصيدة وظف معادلة اينشتاين في النسبية العامة "الزمنكان" للحديث عن ذلك الشخص الذي يسب الله ويتمرد .. كذلك الصور في قصيدة " طفولة أخطائي " : قلت للشجرة : حبيبتي فانحنت للريح .. من أغزر القصائد صوراً وأخصبها عاطفة " بالونات " , " اترك عصا الراعي " , " وصول " و " أكثر .. أقل " .
عناوين القصائد بسيطة متلائمة مع النسيج الرمزي لبنية النص " المضمون " ومتقاربة .. راوح في استخدام ضمائر المخاطب ما بين " هو وهي " ليستثير النفوس على التحدي والإصرار .. يسترسل في الكتابة بعاطفة قوية يكتشفها القارئ من خلال الصياغة الجمالية للسرد التصويري والوصفي كما في قصيدة " فيروزيات ماطرة " و قصيدة " هل لسرك عيون ؟! " .
للكاتب رؤية ونظرة ظهرت في ثقافته وفكره الذي يسبغ النصوص كما في قصيدة " أطياف عائدة " حيث أشار للقدس وفاطمة من خلال أيدلوجية ناجي العلي .. فاطمة صانعة قرار وشريكة في الحياة والموت , المرأة الصلبة صاحبة الدور الكفاحي كما حنظلة والمقصود أن طموح المثقف يكمن في الزواج من امرأة كما فاطمة ذات وعي بالبعد الوطني كما الرجل الثوري في عصر الحروب تتسلح بكل ثقافتها في تنشئة الجيل القادم : كالطريق إلى القدس يبدو الطريق إليكِ مستحيلاً ...يبحث عن عشٍ لا تصله البنادق طريقٌ يلتقي الشاعر فيه بوردةٍ تدعى فاطمة .
وظف المدلول الحسي " الشيب " , والمدلول اللوني " الأزرق " في قصيدة " في كفك المتجلي " في سياق الحديث عن التضحية والسلام و الهدوء ..
وظف أسطورة ليلى والذئب في قصيدة " عراة اليقين " دلالة على أن البعد الأسطوري له مدلولاته في ثقافات الشعوب : ليلى لا تمنح المرايا فرصةً لاقتناص ما يشبه ولا يشبه توحدت بوضوح المطر تكورت في الأفق ضحكة أدركت قبلة الذئب خطراً .. كذلك وظف الطبيعة لرسم ملامح تلك الأنثى الوطن التي تحتل حرفه ويظهر ذلك في مفردات : نعناع الزعتر مطر , في القصيدة التي تحمل عنوان المجموعة الشعرية " لمختلفين في نعناع النظرة " ..
استخدم جذر المفردة في أكثر من سياق ومعنى .. تلتقي المورفيمات صوتياً كي تمنح النص موسيقى وكذلك تتداخل والصورة الشعرية لتتحد معها في نسج المشهد , كما في قصيدة " صمتك يقين " : عوالمها عوالمي عولمة , عصا عصيان .. هذه القصيدة تحوي حكمة تعبر عن هدف إنساني : بوح صمتك يقين العبادة .. ذم الصمت الذي يخذل البيان في التمرد على ضعف النفس .
الحزن والتشاؤم يغلب على نصوصه كما في " ظلال الوهم الوردية " : يمتطي جواد الريح دراهم قد لا تكون ثمناً تأخذني حيث يولد السراب ..
الشاعر والصحفي الليبي محمد القذافي مسعود درس تمثيل وإخراج مسرحي معهد جمال الدين الميلادي .. شاعر وكاتب صحفي مستقل .. صدر له : أغاني " عالفرح مصبحني " , "مجموعة شعرية " لمختلفين في نعناع النظرة " , حوارات " حواري معهن " .
1254 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع