في الذكرى الاولى لرحيل اخي المرحوم نجـدة فتحي صفوة
بقلم:نجيـد فتحي صفوة
بكل خشوع وألم نستقبل الذكرى الاولى لرحيل اخي نجـدة فتحي صفوة التي تصادف الثامن عشر من شهر كانون الاول / ديسمبر 2013 ، وهو اليوم الذي توقف فيه القلب لكبير بعد ان كان ينبض لاكثر من تسعين عاما في مسيرته بحب الروح الادبية التي اختلطت فيما بعد يحياته الدبلوماسية ثم انتهت بتوجهها نحو التأليف بما يفيد الاوساط الثقافية في تطلعاتها ودراساتها ، وكان منها ايضا خوضه في بحوث تتناول تاريخ العراق الحديث والبلاد العربية الاخرى ، وتحقيق مذكرات رجالاتها . لذلك فقد اسفر رحيله فراغاً كبيراً كان اشبه بسحابة روت الارض بأمطارها ثم رحلت لتترك تلك السيرة وذلك النشاط الذي استمر دون توقف حتى الايام الاخيرة من سني حياته .
وعند استعراضنا للفترات التي عاشها نجدها حافلة بالوقائع والاحداث ، فأول مخاض له مع المجتمع بدء بتحريره لمقالات وطنيه يشحذ بها همم الشباب ، وهو في الحادي عشر من العمر ، ونشرت اول تلك المقالات في مجلة (الفتوة) بعددها الرابع الصادر بتاريخ 19 / 12/ 1934 . وفي شبابه مال لدراسة الادب العربي وبرز في اتقان الالقاء والخطابة ونال الجائزة الاولى كخطيب مفوه في المباراة التي جرت بين مدارس بغداد في مرحلتها الثانوية سنة 1940 ، كما تبرع للعمل كمذيع للبيانات الحربية التي كان مصدرها محطة الاذاعة العراقية ايام الحركه التحررية التي حاربت القوات البريطانية في مايس سنة 1941 .
تلا ذلك دراسته في كلية الحقوق وخلالها الف اول كتبه سنة 1943 وكان بعنوان (مذاهب الادب الغربي) ثم شفعه بعد سنتين بكتاب اخر عن شاعر المهجر (ايليا ابو ماضي) وعندما تألق اسمه كطالب مجد واديب متضلع بقواعد اللغه العربية وقع عليه الاختيار لتدريس تلك المادة في اهم مدرسة ثانوية آنذاك وهي (كلية بغداد الامريكية) وبذلك صار يمارس حياته كطالب حقوقي طموح، ثم يعود لتقمص شخصية مدرس حازم لطلاب هم بعمره تقريبا !
لقد كان يسعى لنيل المعالي دائما ، فبعد تخرجه سنة 1945 أدى امتحان عسير للقبول في السلك الدبلوماسي بوزارة الخارجية ونجح بتفوق بين أقرانه خريجي الدول الاوربية ، وتقديرا لذلك فقد جرى تعيينه بالسفارة العراقية بلندن وتبعها تنقلاته في اهم عواصم العالم كباريس وواشنطن وموسكو وانقرة بالاضافة الى بلدان عربية كالقاهره وعمان وجدة .
في سنة 1959 عاد الى بغداد لمباشرة عمله في ديوان وزارة الخارجية وكلف لتسنم منصب وكيل الوزارة المساعد ، وهو في السادسة والثلاثين من العمر ، كما شغل سنة 1966 اهم دائرة فيها وهي الدائرة السياسية ، وكانت تلك المهمه آ خر وظيفة له عندما قرر اعتزال الخدمة لينصرف الى البحث وتأليف الكتب التي كانت حصيلة اطلاعه على دخائل الكثير من الامور والاحداث الدولية التي صادفته خلال عمله الدبلوماسي ، ومن تلك الكتب نذكر اسماء البعض منها لضيق المجال لتعدادها ، فأولها كان (العراق في مذكرات الدبلوماسيين الاجانب) ثم تلاه (العراق في الوثائق البريطانية سنة (1936) و (من نافذة السفارة) و (حكايات دبلوماسية) و (خواطر واحاديث في التاريخ) وعدد اخر من مؤلفات قاربت العشرين منها . كما حقق العديد من مذكرات الساسة ومنها (وجوه عراقية لتوفيق السويدي) و (مذكراتي / لمحمد حديد) و مذكرات الشخصية اللبنانية المقربية من الملك فيصل الاول (رستم حيدر) ، كما كتب ما يقارب الاربعين مقدمة لمؤلفات كتبها اخرين ، وله مئات المقالات في شتى الصحف والمجلات العربية في العراق ومصر ولبنان ، اضافة لذلك فقد عمل على وضع موسوعة عن الجزيرة العربية في الوثائق البريطانية ، وبذلك هيأ للمؤرخين مصادر بحث تكشف عن الاسرار السياسية والاجتماعية والاقتصادية في علاقات بريطانيا بالدول العربية .
ومن كتاباته وبحوثه التي لم تتوقف حتى في كهولته ، كان عموده اليومي في جريدة الشرق الاوسط اللندنية الذي استمر خمس سنوات دون انقطاع (1988 – 1992) يتناول فيه وقائع واحداث مختلفة وعرض لحياة اهم الشخصيات التي لعبت ادواراً في تاريخ العراق والبلاد العربية الاخرى ، حتى بلغ عددها (1800) مقالة سوف يتم جمعها في كتاب بعدة اجزاء .
وعلى ابواب التسعين من عمره بادر لتوثيق سير الاعلام الاردنيين ، وذلك وفاءً لأستضافة الاردن للنازحين اليها من العراق واستقرارهم فيه ، وقد قطع شوطاً كبيراً في مشروعهِ الا ان المنية عاجلتهُ قبل أن يُكمل انجازها .
وبعد كل هذا نجدُ بأنهُ لم يترُك أي مذكرات عن حياتهِ الحافلة بالاحداث ، ولا ملاحظات بين اوراقه المكدسّة في بعض رفوف مكتبته العامرة . فلقد كانت وجهة نظره كما يبدو بأن الاجيال القادمة هي التي ستذكره ، وان ما قدمه من كتب الفها ومقالات وبحوث نشرها واصبحت مصدراً للكثير من الكتّاب هي التي ستغني عن مذكراتٍ يكتبها ، اما الحوادث الشخصية الاخرى التي يفتخر بتدوينها بعض مَن ْ كتبوا مذكرات أعمالهم ، فقد كان يترفع عن ذكرها ، وربما تغلبت عليه روح التواضع التي أتصف بها .
وختاماً لمدونتي في هذا العرض المركز لحياة اخي المرحوم نجـدة ، لا اجد غير الرثاء للتعبير عما اشعر به من الم شديد لفقدانه وهي بلا شك خسارة مماثله لاهله ولكل عارفيه ومحبيه والمستفيدين من علمه وما تركه من تراث في الادب والسياسة وما كشفه من معلومات مخفية بين طيات التاريخ العربي والعراقي الحديث بصورة خاصة .
رحمـهُ الله واكـرم مثـواه وعـطر بالطـيب ثـراه .
1312 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع