عايدة رزق
لا الدستور الأمريكي.. الذى ينص على أن جميع المواطنين متساوون فى الحقوق والواجبات.. ولا وجود رجل أسود فى البيت الأبيض جالسا على مقعد الرئاسة.. ولا أى شيء آخر..
يستطيع أن يغير ما فى القلوب ازاء هذه المشكلة الخطيرة المتأصلة فى الجذور.. والكامنة فى أعماق كثير من الأمريكيين الذين اعترفوا «لتوماس بيتجرو» أستاذ علم الاجتماع بجامعة كاليفورنيا بأنهم بالرغم من وصولهم الى مرحلة لايشعرون فيها بالتعصب ضد السود.. إلا أنهم مازالوا فى كل مرة يصافحون فيها إنسان أسود يشعرون بالغثيان!.ا
إذن نحن أمام خدعة كبري.. فالدولة التى تجلس على قمة العالم.. والتى يتشدق المسئولون فيها بكلمات ضخمة براقة مثل الشفافية والعدالة والديمقراطية.. يعانى المواطنون السود الذين يعيشون على أرضها.. ويتنفسون هواءها من تحيز عنصرى صارخ.. ومن معاملة قاسية غير انسانية فى كل مكان يوجدون فيه.. ففى المطاعم والمقاهى يتم تجاهلهم وتركهم ينتظرون طويلا قبل أن يأتى من يقدم لهم قائمة الطعام.. بينما يتم على الفور خدمة الزبائن البيض وتلبية طلباتهم.. وفى مجالات العمل يتم قفل الأبواب فى وجوههم.. حيث يرفض أصحاب الأعمال توظيفهم بحجج واهية أشهرها أن تعليمهم وخبراتهم لا ترقى لمستوى الوظيفة الشاغرة.. وفى اليوم التالى يتم تعيين مواطن أمريكى أبيض لديه نفس مؤهلات وخبرات المواطن المرفوض ذى البشرة السوداء.. وفى الأحياء الفقيرة القذرة التى يعيشون فيها يعانون من تدنى مستوى الخدمات ومن انعدام الاصلاحات.. فى الوقت الذى يحرص فيه المسئولون فى الولايات على تجميل وتطوير المناطق التى يقطنها البيض والأغنياء.
وهكذا أصبح من الخطأ.. وصف هذه الدولة بأنها أرض الأحلام.. بعد أن باتت لسكانها السود أرضا للكوابيس والأوهام.. وأيضا بعد أن فشلت الدورات التعليمية التى تنظمها الشركات والمؤسسات لتساعد العاملين فيها على التخلص من التعصب وعلى انتزاع جذور التمييز العنصرى الذى غرسته فى وجدانهم منذ الصغر قصص الأطفال خاصة تلك التى تطبعها وتوزعها امبراطورية ديزنى لاند وتحقق أعلى المبيعات فى أمريكا.. فهذه القصص تجسد معانى التعصب والعنصرية والجشع والعجرفة.. بالاضافة الى أن معظم أحداثها تدور فى أماكن خارج كوكب الأرض.. او فى أراض بعيدة يعيش فيها بشر لونهم أسود.. يتصف بعضهم بالبدائية والهمجية.. والبعض الآخر بالسذاجة والبلاهة.
وهكذا يكبر الأطفال فى أمريكا.. وفى أذهانهم صورة مشوهة وقبيحة للسود والملونين الذين يصرخون منذ أسابيع غضبا وألما فى مظاهرات عارمة تجتاح معظم المدن الأمريكية احتجاجا على وحشية رجال الشرطة الذين قتلوا وخنقوا مواطنين سودا عزلا.. ومع ذلك برأتهم هيئة محلفين رافضة توجيه اتهامات لهم.
مشاهد عنيفة.. ما كان يمكن للمفكر والكاتب المسرحى البريطانى الشهير برناردشو ـ لو كان على قيد الحياة ـ ان يتحمل رؤيتها.. وهو الذى ثار غضبا عندما رأى فيلما أمريكيا يوجه فيه البطل لكمة الى فك غريمه.. فاعتبر هوليوود بؤرة فساد لأنها تحرض الشباب على العنف من خلال أفلامها التى تقدم نماذج لبشر اذا لم يعجبهم شخص ما يناولونه لكمة فى فكه.. فالعنف هو جوابهم الوحيد على كل فعل او قول لا يأتى على هواهم.
أيها المفكر الكبير «العنف الآن فى الأفلام» لم يعد لكمة او «بونبة».. بل أصبح قتلا وذبحا وخنقا.. لم نعد نشاهده فقط فى دور السينما.. بل غدونا نراه صباح مساء على أرض الواقع.. ولم تعد هوليوود هى وحدها بؤرة العنف بعد أن انتشر فى كل مدن أمريكا.. أمريكا التى صدرت الارهاب الى العالم.. مصرة على أن تلعب دور الحارس الخاص والوحيد والمدافع الأمين عن حقوق الانسان فى كل مكان.. هل توجد مهزلة أكبر من ذلك؟!
1260 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع