زينب حفني
لا يُوجد إنسان لا يحلم بطعم الحرية ولا بالحياة المرفهة ولا بالوظيفة المرموقة.
الكلُّ منذ أن يشبَّ عن الطوق يحفر بيديه ويقضم بأضراسه إن لزم الأمر كي يُحقق مراده. كل هذه الأماني قد تتبخّر بغمضة عين عندما تصطدم بأرض الواقع! ليس هذا فحسب فقد ينتهي الأمر بأصحابها إلى الرحيل غصباً عن الدنيا! ومؤخراً تمَّ تسليم ثلاثة آلاف وخمسمائة مهاجر تقريباً لأوطانهم داخل توابيت خشبيّة بعد أن غادروا أوطانهم على قوارب صغيرة، فغدر بهم البحر، وغرقوا بقاعه ودفعوا ثمن أحلامهم التي بنوها على رمال وهميّة!
الذين يتطلعون للهجرة لأوروبا لا يُدركون بأن أوروبا اليوم غير الأمس! فكثير من الشروط الصارمة أخذت تضعها للعيش بأرضها، خاصة وأن الأوروبيين بات لديهم هوس الخوف من الحوادث الإرهابيّة بعد اكتشاف تورّط عدد من المهاجرين فيها!
بلا شك ما تقوم به أوروبا تجاه المهاجرين الذين نجحوا في البقاء على أرضها سنوات طويلة، ليس عدلاً! ومن الظلم وضع المهاجرين في سلة واحدة والحكم عليهم بمنظار أسود واحد، خاصة وأن منهم من تزوّج وأصبح له أبناء تربّوا على ثقافة مغايرة للوطن الأم! وكان حزب «المحافظين» الحاكمين بولاية بافاريا الألمانيّة الجنوبيّة، قد أثار سيلاً من الانتقادات، بعد الاقتراح الذي خصَّ به المهاجرين الشرعيين، والمتمثّل في هذه العبارة «الذين يرغبون الاقامة بشكل دائم هنا، يجب عليهم التحدّث بالألمانيّة في الحياة العامة وداخل البيوت». هذا المطلب أثار عاصفة من الاستياء لدى المهاجرين وشنّوا هجوماً عليه بصفحات التواصل الاجتماعي، وعبّروا عن سخطهم من إقحام السياسة داخل البيوت! وقد أعربت الأمينة العامة للحزب «الديمقراطي الاجتماعي»، هي الأخرى عن احتجاجها على هذا المقترح، قائلة: «لقد وصل إلى مرحلة عبثيّة.. إن هذا الطرح مضحك إن لم يكن على درجة من الخطورة»!
كل يوم تقريباً أصبحنا نسمع عن قوانين تُصدرها الحكومات الغربيّة تجاه المهاجرين ومحاصرتهم من كل حدب وصوب! لكن المشكلة تكمن في أن المهاجرين إليها لا يأبهون بالقرارات الصارمة التي تُطلقها الحكومات الغربيّة، ويصرّون على ركوب المخاطر! وهذا يعود إلى أنهم ملّوا من ذل الفقر والفاقة التي قضت على كل بارقة أمل لهم في العيش بكرامة داخل أوطانهم، بجانب رغبتهم الهرب من نير الاستبداد والقمع الذي أصبح من سمات أنظمة بلدانهم!
صرتُ كلما شاهدتُ على شاشات التلفاز حوادث غرق لمهاجرين ومن ضمنهم نساء وأطفال، أحس بوجع في قلبي واتساءل.. متى ستضع الدول الكبرى حلولاً دولية لمعالجة مشاكل المهاجرين؟ متى ستقوم منظمة الأمم المتحدة بإعداد قائمة من البنود لحماية حقوقهم؟ لقد غدت دول العالم الثالث تدور في نفس الدائرة وتنتهي عند نفس النقطة المخجلة وعلامة الاستفهام الحائرة!
القضية لها أبعاد واسعة وخطيرة. والاقتراح الذي تقدّم به حزب «المحافظين» الحاكمين أعتبره ترسيخاً للعبودية! فليس من السهل على المرء أن ينسلخ من لغته وموروثه الثقافي بغمضة عين، وإن كانت الأهداف مُغرية! وقد ذكّرني ما جرى في ألمانيا برواية (سقوط غرناطة) التي كتبتها الأديبة الرائعة رضوى عاشور، حيث ذكرت في فصل من فصولها بعد سقوط الأندلس وعودتها لحكم الإسبان، كيف كانوا يُجبرون العرب الأندلسيين على اعتناق المسيحيّة وعدم التحدّث باللغة العربيّة أو الطرد من بلادهم!
يظهر بأن التاريخ يهوى التكرار وإن كان بأسلوب مُغاير ملائم للحاضر. لعن الله الفقر والأنظمة المستبدة والحروب التي دفعت المرء إلى رمي نفسه بأحضان المستحيل، وهو يعلم في قرارة نفسه بأن القادم قد يكون أسوأ، لكنه يُردد بصوت خافت.. ما باليد حيلة!
1243 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع