رسائل هادفة لمعالجة قضايا عراقية ساخنة / الحلقة الرابعة
بسم الله الرحمن الرحيم
{فَليَعبُدوا ربَّ هَذا البَيتْ الذي أطْعَمَهُم من جُوعٍ وآمنهَم مِنْ خَوف}...صدق الله العظيم
مشكلة الأمن الوطني العراقي
(( أن الأمم تذهب إلى الحرب لسبب من ثلاثة أسباب الشرف، الخوف، المصلحة )) الفيلسوف الإغريقي ثديوسيدس.
( فالأسباب الثلاث هذه هي نفسها مبررات لأن يكون للأمم أمناً قوميا أو وطنيا).
عام
1. لقد أتضح جليا إن خيار الحرب الأميركية على العراق لم يكن ضروريا جدا علاوة على إنه لا يمتلك شرعية القانون الدولي،(فأي حرب تحتاج إلى ثلاث مرتكزات، وهي: بيئة سياسية موافقة للحرب ،وشرعية القانون الدولي وتوفر القدرة، ولم يكن للولايات المتحدة غير المرتكز الثالث ) وكذلك إن الخيار الإستراتيجي الأميركي لعراق ما بعد الحرب كان من أسوأ الخيارات التي اعتمدتها الإدارة الأميركية بقيادة المحافظين الجدد، وفقا لرأي الإدارة الأميركية الجديدة ، في حين كان من الممكن تحقيق الأهداف السياسية والإستراتيجية الأميركية من الحرب على العراق بصورة أفضل وأقل كلفة ،مما أضر ذلك كثيرا بالمصالح الأميركية والعراقية على حد سواء بل بمصالح الكثير من الدول ذات العلاقة ، وقد تعرض الأمن القومي الأميركي بشكل عام والأمن الوطني العراقي بشكل خاص إلى مخاطر وتحديات وخسائر كبيرة جدا. فإن الإستراتيجية الأميركية الأولى التي كان هدفها احتلال العراق وهدم دولته الحديثة وبناء دولة جديدة بكل مكوناتها، قد أدت إلى تدمير مرتكزات الأمن العراقي الوطني وبالوقت نفسه قد صدعت كثيرا من مرتكزات الأمن القومي العربي، فبعد سقوط بغداد مباشرة كان بول بريمر رئيس السلطة الأميركية في العراق قد حصل على موافقة وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد على إصدار ثلاثة قوانين في إطار ما أسماها "إستراتيجية الوخز": الأول: إسقاط البُنى التحتية للدولة العراقية، وإطلاق حكومة بديلة "فيدرالية" غير مركزية، مما جعل "المكونات العراقية" تصطرع حتى الآن على السلطة والثروة. الثاني: تمزيق الإجماع العراقي الوطني ، بإغراء العرب الشيعة والأكراد العراقيين بالمكاسب والوعود، وتخويف العرب السنة بإيران التي تحاول ولقرون أن تحكم هذا البلد على أساس طائفي. الثالث: استدراج إيران لإضعافها ، وذلك بإغرائها كي تصبح قوة إقليمية في المنطقة، والسماح لها بتصفية حساباتها في العراق على هامش خسارتها للحرب معه بعد حرب طويلة دامت 8 سنوات، فانطلقت إيران لاستثمار فرصتها التاريخية فأضرت كثيرا بالمصالح الوطنية للعراق وهددت الدول العربية في سيادتها وتقاطعت مع المصالح الأميركية في المنطقة ، فكانت هذه الإستراتيجية "المشكلة الحقيقية"، إذ خلقت بيئة سياسية وأمنية مضطربة جدا في أخطر إقليم. لقد بنيت هذه الإستراتيجية وفق معايير مواقف خاطئة، فكانت محصلتها خمسة أهداف فاشلة؛ (أ) فشل السلطة الأميركية في العراق في إنشاء ودعم حكومة مقتدرة على أنقاض بُنى تحتية مدمّرة في كامل الدولة العراقية، وعدم المحافظة على مظهر الوحدة الإقليمية للبلاد، فيما كانت على الدوام تشجّع على نشوء "دويلات صغيرة"، يمكن عاجلاً أو آجلاً! (ب) لقد فشلت في تأسيس نظام جديد يبسط الأمن في العراق ويدعم أمن الإقليم ، (ج) كما فشلت في بناء عملية سياسية ديمقراطية، لأنها حرمت دستورياً الحقوق الديمقراطية حين تعاملت معهم وفقا لتصنيف ديني طائفي ، (د) وفشلت في تفكيك الميليشيات الطائفية المرتبطة بإيران بل سمحت لها بالتوغل في المؤسسـات الأمنيـة والدفاعية للدولة الجديدة، (هـ) ودعتها الضرورة للخلاص من تنظيمات القاعدة إنشاء ميليشيات "الصحوة" السُنّية ثم تركتها تحت رحمة الحكومة التي تعتبرهم من أعدائها التقليديين، وأصبحوا أيضا أهدافا سهلة لتنظيم القاعدة بعدما أنجزت أعجازا أمنيا على المستوى المحلي، إن الكثير من المسئولين الأميريكان كانوا قد سجّلوا انتقاداتهم لإستراتيجيتهم السابقة التي اتّبعوها في وقت مبكر في العراق. وكل التداعيات التي جرت خلال السنوات قد أدانت تلك الإستراتيجية. لقد ثبت خطأ بريمر في حساباته الثلاثة، لكن على ما يبدو أن الإدارة الأميركية الجديدة مصممةً على بناء إستراتيجيته على أنقاض "تراث بريمر". إن النتيجة بعد سنوات دامية هي أن العراق "مستمر في حاجته للأمن والاستقرار، والخدمات الأساسية الحيوية، وفي حاجته أيضا لمؤسسات غير طائفية لدولة ذات سيادة" إضافة إلى حاجته لـ"المصالحة السياسية الحقيقية، ومعالجة المشاكل الطائفية"والعرقية وضرورة القضاء على الفساد الإداري والمالي الخطير الذي هدد نظام الدولة برمته.
2. وموضوعنا هذا يركز كثيرا على الأمن العسكري وهو ركيزة مهمة جدا من ركائز الأمن الوطني العراقي، فالقوات الأمنية والعسكرية التي أنتجتها السلطة الأميركية في العراق والحكومات العراقية المتعاقبة ما بعد 9/4/2003، قد فشلت في تحقيق أهم الأهداف الإستراتيجية للعراق الجديد ،ألا وهو (الأمن) بل أصبحت جزئا من المشكلة الأمنية المستعصية في العراق أيضا .
أ.مخاطر الأمن الوطني العراقي الحالي.
يعاني الوطن والشعب العراقي من مخاطر جسيمة تهدد كيانه الطبيعي بحدوده السياسية المعروفة دوليا، لافتقار الدولة العراقية الجديدة للقدرة الكافية لتحقيق الأمن الشامل للشعب والوطن ضمن مصادر قوتها الذاتية والخارجية وعلى كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية، في مواجهة المصادر التي تهددها في الداخل والخارج، وعدم ضمان المتحقق من القدرات الحالية لاجتياز مرحلة الخطر المحدقة بالعراق في الوقت الحاضر وفي المستقبل المنظور ،وفقاً للمتطلبات الوطنية السامية "لضمان السيادة والتطور والتنمية والرفاهية.
ب. وهن الأمن القومي الإقليمي بقسمه الشرقي :
كان لانهيار مرتكزات الأمن الوطني العراقي عام 2003 تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الأمن القومي الإقليمي وخاصة في قسمه الشرقي إذ تهددت الكثير من المصالح الحيوية الأساسية لدول المنطقة المجاورة للعراق (ضمن منطقة التأثير للمشكلة العراقية) والمجاورة بالجنب (أي ضمن منطقة الاهتمام بالمشكلة العراقية)، وتضاعفت التهديدات الصهيونية والإطماع الإيرانية وزاد من نشاطات المنظمات الإرهابية، فتنظيم القاعدة وجد في العراق بيئة مثالية ليتوسع ويمد جذوره فيها، ومن ثمة في المنطقة العربية وفي عموم الإقليم ،أما المكاسب الكبيرة لإيران في العراق وعلى مستويات مختلفة نتيجة للإخفاقات الأميركية في العراق وأفغانستان وما أضافته خلفية الصراع السياسي والتنافس الاقتصادي بين الشرق والغرب، فاندفعت أذرع الإستراتيجية الإيرانية الطموحة نحو الغرب العراق وسوريا ولبنان وفلسطين حتى مصر والجنوب الغربي أي نحو منطقة الخليج العربي وشرق العربية السعودية وامتدادا مع سواحل البحر العربي والبحر الأحمر لتفجر الموقف الأمني اليمني / السعودي في تلك المنطقة، ناهيك عن فرص نجاح المشروع النووي الإيراني قريبا، وإذا تم ذلك يعني خضوع المنطقة لعملية تقسيم مكاسب إستراتيجية ما بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران على حساب المصالح القومية الإقليمية!!! وستكون هناك تغييرات خطيرة تنال من الجغرافية السياسية العربية على حساب موقعها الجغرافي ومورثها التاريخي ومقومات اقتصادياتها ويصبح وجودها الحي عرضة لمخاطر جسيمة.
ج. الردع:
هي التدابير التي تتخذها دولة ما أو مجموعة دول بغية منع أو عدم تشجيع الأعمال العدوانية التي يمكن إن تشنها دولة /دول أو أية جهات معادية وذلك عن طريق بث الذعر لديها إلى حد عدم الاحتمال واهم ما يتصف به الردع هو المصداقية،ففي الحالة العراقية نجد هناك إشكالية كبيرة أذا كانت قيمة الردع الحالية للدولة العراقية تعتمد بالأساس على القدرات العسكرية الأميركية المباشرة وغير المباشرة فما البديل؟ وهذا النفوذ الإيراني المتصاعد في العراق!
عناصر مشكلة الأمن الوطني العراقي.
3. يمكن تحديد عناصر مشكلة الأمن الوطني العراقي بما يأتي:-
أ. عدم أتفاق أركان النظام السياسي العراقي الحالي على هدف وطني موحد، مما يعني عدم وجود إستراتيجية سياسية عليا للبلاد، وهي ضرورية لبناء الإستراتيجيات الرئيسية التي تحتاجها الدولة العراقية كالدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية.
ب.عدم توفر مفهوم حقيقي للأمن الوطني العراقي، واختلاف أركان النظام السياسي العراقي في تحديد وتسمية التهديدات الخارجية والداخلية، مما يعني عدم توفر إستراتيجية أمنية فاعلة في العراق.
ج. عدم توفر القدرات العسكرية والأمنية الكافية لتامين متطلبات حماية المصالح الوطنية بالمستوى المطلوب، نتيجة عوامل عديدة أهمها الأخطاء الجسيمة في بناء المؤسسات الدفاعية والأمنية خارج المعايير والسياقات المهنية وتوغل واسع للنفوذ السياسي للقوى السياسية الرئيسية المتنافسة للهيمنة على تلك المؤسسات وتشكيلاتها المسلحة، بل أصبحت العديد من تلك القوات جزءا من مشكلة الأمن الوطني .
د. تشوه كبير أو غياب معظم القيم والمعايير الوطنية والتي تشكل مكونات مهمة من الثقافة العراقية الوطنية ،نتيجة هيمنة قوى سياسية مؤد لجة بثقافات خارجية مضرة بمقومات الأمن الوطني العراقي، مما أزالت الكثير من الحدود الفاصلة ما بين المصالح الوطنية والمصالح الخارجية.
هـ. التهديدات والمخاطر المستمرة الذي يواجهها المواطن العراقي ولأسباب سياسية وطائفية وعرقية، من قبل مصادر تهديد مختلفة أخطرها المصادر الحكومية، كالحرمان من الوظائف والاعتقالات العشوائية وممارسات مخلة بحقوق الإنسان مع ضعف مشخص في القضاء العراقي.
و. عدم توفر إستراتيجية أمن موحدة أو منسجمة ومنسقة بين العراق ودول الجوار الإقليمي.
ز. سمة التحايل والتضليل خلال تنفيذ الخطط المشتركة مع دول المحيط الإقليمي، في ظل غياب العلاقة المباشرة للعراق بالإستراتيجية الأمنية الدولية التي تتولاها المنظمات الدولية كالجمعية الوطنية ومجلس الأمن الدولي.
طبيعة القدرات الدفاعية والأمنية العراقية .
4. على الرغم مما قيل عن التحسن الجزئي في الموقف الأمني العام مؤخرا إلا أنه يوصف بالوضع الأمني الهش،وهذا يأتي بعد هذه المدة الطويلة، وفعلا أن مرتكزات الأمن الوطني العراقي الحالية هي هشة إلى درجة مقلقة جدا. لأنه بدون مرتكزات أمن وطني عسكرية، لا يمكن لدولة البقاء ولا لحكومة إن تعمل وتنتج . أن أدوات الدول في تحقيق أمنها الوطني ، هي قواتها الأمنية المتمثلة بالجيش وقوات الشرطة على اختلاف صنوفها ، فتشكيل القوات الدفاعية والأمنية العسكرية الجديدة في العراق بعد عام 2003 كان يتناقض ومبادئ وأسس بناء القوات المهنية الوطنية والتي ينبغي أن تكون القوات المسلحة والقوى الأمنية هي أداة تنفيذ القوانين وضمان سيادتها وسريانها على العراقيين كافة،إذ يتوجب عليها أن تكون تلك القوات مستقلة ومحايدة وفوق الميول والاتجاهات السياسية والصراعات الحزبية، ليتسنى لها بسط الشرعية القانونية على جميع العراقيين دون تمييز بسبب العرق أوالدين أو الطائفة ،إلا إن الواقع عكس ذلك، فطبيعة القوات الأمنية والعسكرية العراقية الحالية تفتقر إلى الكثير من التوصيف الاحترافي وتفتقر إلى مقومات النجاح ولو للحد الأدنى، وأخطر ما تتصف به هذه القوات( إنها قوات بعيدة عن التوصيف الوطني ،فهي قوات في معظمها غير محترفة وغير موحدة بل تعتبر قوات مراكز قوى متصارعة من أجل مصالح محدودة وذاتية وحزبية ،ويساهم عدد مهم منها في ممارسة الإرهاب ومنها ما يندرج ضمن توصيف إرهاب الدولة)، ومن ناحية في وصف القدرة القتالية فتوصف (إنها قوات ضعيفة تفتقر إلى منظومات القيادة والسيطرة، والخبرة في التخطيط والتنفيذ ،وإلى سياقات العمل الفنية والتدريبية والقتالية، وإلى الحنكة والثقة بالنفس أو ثقة الشعب بها، وتفتقر كذلك إلى الخبرات الإدارية والبنى التحتية على المستويات كافة، ناهيك عن افتقارها للصنوف الساندة كالمدفعية والهندسة وغيرها، والأخطر إنها لا تملك قوة جوية فاعلة ولا منظومات الدفاع الجوي (علما أن تعداد قوات الجيش الجديد والقوات الأمنية المختلفة قد بلغت أكثر من مليون عنصر).
أولويات الأمن الوطني العراقي:
5. يفترض أن يضع الأمن الوطني العراقي العام حماية حدود الدولة على قمة أولوياته ،لكن في حالة العراق الراهنة منذ حرب 2003 تتصدر هذه الأولويات عناصر مضافة وخطيرة نتيجة فشل المشروع السياسي الجديد للبلاد وظهور العراق كساحة حرب للمصالح المتناقضة على جميع المستويات المحلية والإقليمية والدولية ،وشيوع الإرهاب بأبشع صوره وضمنه إرهاب الدولة من خلال تزايد بؤر الغضب المتراكم في الداخل كناتج لامتداد الصراع السياسي والطائفي والعرقي في معظم المجالات وطغيان الفساد الإداري والمالي وفشل مؤسسات الدولة وانهيار قطاعات الخدمات الأساسية يرافقها عطل عام للاقتصاد الوطني.
على من تقع مسئولية الأمن الوطني؟
6. العراق منذ عام 2003 يعيش في أسوأ مراحل تاريخه الحديث حيث عصفت به رياح الفوضى السياسية والأمنية وخضع لشتى أنواع العنف والممارسات الهمجية لدرجة يندى لها جبين الإنسانية، فدفع الشعب العراقي ثمنا باهظا في قواه البشرية والمادية والمعنوية وخسر الكثير من حاضره ومستقبله، وهو يمثل الضحية الكبرى للإرهاب بكل تنوعاته نتيجة الصراع الدولي ممثلا في قوى دولية مختلفة أو منظمات إرهابية كبرى متقاطعة في مصالحها مع الولايات المتحدة الأميركية ،مما يفرض مزيدا من الالتزام القانوني على الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا تجاه أمن العراق بضمانات دولية يقرها مجلس الأمن الدولي، فهما المسئولتان الرئيسيتان عن ذلك، ويكون ذلك وفق خطط إستراتيجية دولية شاملة تتضمن علاوة على التخطيط والتنسيق والتعاون ألاستخباري رفع القدرات الذاتية العسكرية للعراق إلى القدرة الكافية لمواجهة تلك المخاطر. وأن لا يترك العراق إلى مصير مجهول بناءا على رغبات ومتطلبات السياسة العليا لإيران ومصالحها القومية مقابل اللامبالاة للولايات المتحدة الأمريكية.
أبعاد ومستويات الأمن الوطني العراقي الشامل
7. على ضوء المفهوم الشامل للأمن الوطني ، إنه يعني تهيئة الظروف المناسبة والمناخ المناسب للانطلاق بالإستراتيجية الخاصة بالتنمية الشاملة، بهدف تأمين الدولة العراقية من الداخل والخارج، بما يؤمن مواجهة التهديدات باختلاف أنواعها ومخاطرها، بالقدر الذي يكفل للشعب حياة مستقرة توفر له أقصى الطاقات للنهوض والتقدم.
أ. إن شمولية الأمن الوطني العراقي تعني أن له أبعادًا متعددة..وهي:-
أولاً: البُعْد السياسي للأمن الوطني العراقي والذي أضحى معقدا جدا على المستويين الداخلي والخارجي والمشكلة السياسية مما يعتبر أما لكل المشاكل التي عانى العراق منها ولا يزال، وعليه ينبغي توفر النوايا الصادقة لجميع الفرقاء، وتنفيذ مشاريع مصالحة وطنية حقيقية وفاعلة، ووضع إستراتيجيات سياسية تتصف بالحكمة وبعد النظر لتخفيض حدة الخلافات إلى الحد الأدنى للحفاظ على الكيان السياسي للدولة، مما يتطلب جعل موضوع أصلاح الدستور العراقي في أولى الأسبقيات في مشروع الإصلاح السياسي، ومن خلال التجربة أن هذا لن يحدث لشدة تمسك معظم أحزاب السلطة بمكتسباتها خلال الظروف غير الطبيعية التي ألمت بالوضع العراقي، وعليه ينبغي على المجتمع الدولي تحمل مسئولية تنفيذ مثل هذه المشاريع.
ثانيًا: البُعْد الاقتصادي للأمن الوطني العراقي، والذي يرمي إلى توفير المناخ المناسب للوفاء باحتياجات الشعب العراقي الأساسية أولا من خلال توفير المال الكافي لتأمين الخدمات الضرورية ثم توفير فرص العمل للقضاء على البطالة، ثم تطوير سبل التقدم والرفاهية له من خلال أصلاح النظام الاقتصادي واستثمار مصادر الطاقة وتنظيم العلاقات التجارية وفق تناسب معقول وإعادة بناء القطاعات الصناعية على المستويات المحلية والإستراتيجية .
ثالثًا: البُعد الاجتماعي والثقافي للأمن الوطني العراقي، والذي يهدف إلى توفير حرية الاعتقاد والعبادة والرأي والتعليم وممارسة العادات والتقاليد والأعراف الاجتماعية للمواطنين كافة دون أي تمييز، بالقدر الذي يزيد من تنمية الشعور بالانتماء والولاء للوطن العراقي ويساعد على الخلاص من الثقافات الهدامة، وأحادية التفكير التي غلبت على كثير من الممارسات الحزبية والدينية.
رابعا: البُعْد البيئي للأمن الوطني. والذي يوفِّر التأمين ضد أخطار البيئة وخاصة التخلص من الألغام والنفايات ومسببات التلوث التي خلفتها الحروب حفاظاً على الصحة العامة للمجتمع العراقي.
المقترحات التكميلية لإعادة تأهيل القدرات العسكرية للأمن الوطني العراقي:
8. من الضروري التطرق إلى جملة من المقترحات التكميلية لتأهيل القدرات العسكرية للأمن الوطني العراقي وهي :-
أ. تعديل الفقرات الدستورية التي خولت صلاحيات القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية بمؤسستيها الدفاعية والأمنية إلى منصب رئيس الوزراء والذي بدوره يمثل حزبا سياسيا متنافسا مع أحزاب سياسية متعددة، فيشكل خطورة كبيرة على النظام الديمقراطي الفتي في بيئة شرق أوسطية، أذا تمركزت السلطة السياسية والعسكرية بيد رجل واحد كما هو حاصل الآن ، مما يتطلب سحبها من هذا منصب رئيس الوزراء وتخويلها إلى قائد عام محترف أو مجلس دفاع أعلى أو ما شابهه، مع ضرورة إلغاء معظم التنظيمات المستحدثة والتي وسعت النفوذ الحزبي والسياسي في القوات الأمنية والعسكرية .
ب.أجراء إصلاح شامل في كل الوزارات والمؤسسات الدفاعية والأمنية، وتخليصها من هيمنة أحزاب السلطة الرئيسية، والذي أمتد هذا الخلل الكبير إلى كل القوات الأمنية والدفاعية، وبدون أصلاحها يتعذر إجراء الإصلاحات الكفيلة في بناء قوات مسلحة محترفة وطنية مستقلة سياسيا.
ج.وضع سياقات مهنية وفق معايير دقيقة لوضع توصيف مهني عال لكل المناصب والمستويات المهنية وتنقيتها من التشوهات التي فرضها التنافس الحزبي والسياسي والنفوذ الديني والعرقي على كل مكونات المؤسسات الدفاعية والأمنية. مما يعني إلغاء كافة التعيينات والترقيات التي لم تصدر بمراسيم جمهورية لكافة الرتب والمناصب العسكرية خلال المدة المنصرمة.
د.التخطيط لعملية إعادة تنظيم واسعة للقوات الدفاعية وفق المعايير والسياقات العسكرية الصحيحة، وتوسيع مشاريع بناء المرتكزات التحتية للقوات الدفاعية على كل المستويات,
هـ. أعادة بناء مؤسسات قوات الشرطة بالمعايير والسياقات المعتمدة سابقا أو المعتادة دولياً مع توفيق ذلك وضرورات التحديث التقني فتتألف قوات الشرطة وفق فروعها الأساسية (القضائية - الوقائية والإجرائية - شرطة حدود).
و.أعادة النظر في المؤسسات الأمنية والمخابراتية وفق السياقات الصحيحة لضمان مهاراتها واستقلالها السياسي، وتوحيدها لما يضمن المصلحة الوطنية وليس المصالح الحزبية المتضاربة،حيث هناك حاليا جهاز استخباراتي عائد لكل حزب من أحزاب السلطة، والقضاء على ازدواجية العمل والولاء.
ز. أعادة النظر في نظام التطوع الحالي الذي هيمنت عليه مراكز القوى السياسية الحاكمة،ومن الضروري اعتماد نظام سوق خدمة مشابه لما كان عليه سابقا لضمان شمول العراقيين كافة دون أي تمييز عرقي أو طائفي أو مناطقي .
ح. اعتماد التوصيف الوظيفي وفق المعايير الاحترافية أبتداءا من مراكز الفحص والقبول ومرورا بمراكز التدريب والكليات والمعاهد العسكرية وانتهاءا بالتدرج بالرتب والمناصب والتوصيف الدقيق لكل منصب وخاصة المناصب القيادية.
ط.أعادة التوازن الإداري والقتالي في فروع وصنوف وتشكيلات القوات المسلحة وإعادة بناء المرتكزات التحتية الضرورية في عملية واسعة لتطوير القوات المسلحة الوطنية مما يؤهلها لتنفيذ المهمات المناط بها لتأمين متطلبات الأمن الوطني .
ي. وضع عقيدة عسكرية وأمنية موحدة ،تنتج عنها عقيدة تدريب موحدة أيضا، واعتماد سياسة تسليح وتجهيز مناسبة، وضرورة توسيع مراكز الدراسات والبحوث العسكرية والأمنية وبالاستفادة من الخبرات الوطنية والأجنبية .
ك. إقرار قانون الخدمة والتقاعد العسكري الموحد وفق الاستحقاقات القانونية والضوابط الإدارية، لضمان موارد الخبرة الوطنية.
ل. إجراء تحليل دقيق لمصادر التهديدات الأمنية الداخلية والخارجية، ومن خلال نتائج تلك التهديدات وتحديد أسبقياتها ،يبنى عليها حسابات الاحتياج النوعي والكمي من القوات الدفاعية والأمنية والخطط الكفيلة للتصدي لتلك التهديدات.وكأسبقية عالية توفير قيادات محترفة مستقلة سياسيا ومخولة تخويلا صحيحا وكافيا من الصلاحيات، على رأس كل مستوى من مستويات تنظيم القوات المسلحة بمختلف مؤسساتها سيشكل المرتكز المهم في أعادة تنظيم أو بناء تلك القوات وفقا لأسس التنظيم والمعايير المهنية للانتماء لهذه القوات والتسليح المناسب والتدريب المتقدم، ووضع قواعد قانونية صارمة في عمل القوات الأمنية علاوة على قواعد الاشتباك لكل مستوى من المستويات بما يضمن حرية وكرامة وأمن المواطن العراقي، مع تحريم حمل الأسلحة بكافة أنواعها خارج القوات المسلحة.
ش.إعداد القيادة المركزية والمتطورة علميا وتقنيا، القادرة على تحليل المواقف الأمنية المختلفة ومعالجتها، وإنشاء نظام مركزي دقيق للمعلومات يغطي كل مصادر التهديدات الداخلية والخارجية .
م.سد الثغرات الأمنية في عموم البلاد وفقا لخطورتها وأهميتها من خلال تنظيمات عسكرية نظامية وشبه نظامية وبنظام مراقبة وحماية مركزي متطور وفعال. وأحكام السيطرة على الحدود الدولية للعراق مع الدول المجاورة، وفقا لخطورة قواطعها من ناحيتي الجغرافية ومخاطر التهديدات، وتطوير وسائل المراقبة والحماية الفعالة البرية والجوية والنهرية وتوسيع منظومات الاستشعار الالكترونية المختلفة عن بعد لسد ثغرات المراقبة البشرية، والحيلولة دون وجود ثغرات تنشأ من خلال تنوع السلطات مع إقليم كردستان في شمالي العراق.مع عقد اتفاقيات حماية مشتركة مع دول الجوار ، تحدد من خلالها المسئوليات الأمنية المشتركة لكل طرف.
س. تفعيل دور وصلاحيات وزارة المهجرين واتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة في عمليات تستقطب إعادة النازحين والمهجرين لمناطق سكناهم وتأمين أرواحهم وممتلكاتهم وتقديم المساعدات المعقولة في تعويضهم عن الخسائر، وتفعيل القدرة المتاحة للشرطة المحلية للمناطق السكنية (شرط أن يكون منتسبي الشرطة من خارج سكنه هذه المناطق لضمان حيادهم )،مع سلطة قضائية محلية مستقلة.،وضبط السجلات المدنية بدقة للمناطق السكنية المختلفة،للحيلولة دون نفاذ الغرباء داخلها.
الفريق الركن الدكتور
عبد العزيز المفتي
عمان ، شباط، 2010
للراغبين الأطلاع على الحلقة الثالثة:
http://www.algardenia.com/maqalat/13790-2014-11-29-10-13-19.html
1149 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع