نظرة الشيخ عبد الوحيد في توحيد الدول الأسلامية

                                      

                           آرا دمبكجيان

         

و أخيراً، و بعد جهدٍ كبير بذلته للحصول على كتاب مهم أتذكر عندما أهدى المؤلف في نهاية خمسينات القرن الماضي النسخة الموقعة من قِبله الى والدي رحمه الله في بيتنا في منطقة المربعة في بغداد.

و بعد تّركي البلد بقيت مكتبة الوالد مؤتمَنة عند أقارب. كانت زاخرة بما تحتوي من كتب باللغات الأرمنية و العربية و الأنكليزية، فقيل لي بعد سنوات " أكلها الدود".
حصلتُ على الكتاب المذكور في أعلاه عن طريق "أمازون" التي جنّدت طاقاتها للحصول عليه. و بعد أربع سنوات و أنا ألحُّ عليهم لإيجاد الكتاب أرسلوا لي نسخة قديمة و مهترئة، مصفرّة الصفحات، ألمسها بكل رفق لئلا تتفتت.
أسمه "  Shat-Al-Arab, An Outline History of Iraq (From Ancient to the Present Time)  لمؤلفه شيخ عبد الوحيد (كابتن في الجيش الباكستاني).

                     

كان أبوه شيخ عبد الحميد خان (خان صاحب) شيخ قبيلتهم في منطقة القبائل في باكستان، و آلت المشيخة اليه بعد أن توفّى الله والده، فرفضها و فضّلَ الخدمة العسكرية. وصل الى رتبة جنرال و حصل على شهادة حقوقية و بقي في الخدمة لحين تقاعده.
تزوّج من سيدة أرمنية من بغداد و أخذها معه الى راولبندي في الباكستان. كانا يزوران بغداد مرة كل عدة سنوات. كان رحمه الله يقول لي انه يتمنى أن يموت في بغداد ليدفن فيها قريبا من مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني. و في آخر زيارة له في بداية الحرب العراقية-الإيرانية ذهبتُ لزيارته و أستأذنته للإلتحاق بوحدتي العسكرية بعد أن أنتهت أجازتي الدورية. و عندما رجعتُ بعد شهر قالت لي والدتي يرحمها الله "عمو وحيد مات".
كنت أقول دائماً أن الشيخ عبد الوحيد لم يكن من صنف البشر، بل كان ملاكاً أرسله الله الى الأرض بهيئة أنسان. كان رحمه الله خلوقاً، مهذّباً، مؤدّباً من النادر أن يوجد أنسان يحمل تلك الصفات.
نعم، كان يحبه الله فتوفاه في بغداد. ألف رحمة عليه.
----------
و هذه ترجمُةٌ للمقدمة التي كتبها المؤلف في صدر كتابه المذكور.

في أحدِ أيام منتصف شهر تشرين الثاني 1946 ألتقيتُ في دائرة البريد في بغداد عراقياً  يتحدث اللغة الأنكليزية، و من خلال حديث مقتضبٍ معه أثارَ أنتباهي عن مقدار الحماس الذي يملكه كل شابٍ عربي من أجلِ "الأخوّة الأسلامية العالمية". و تبيَّنَ لي أن الأهتمام و الحماس اللذان يُبدي كل عربي مثقّف عن باكستان يفوق في المعدّل عمّا يبدر من هندي مسلم، في الوقت الذي كانت كلمة "باكستان" لم تعنِ أكثر من شعلرٍ سياسي أو نداء حرب.
ذلك الأهتمام الذي أبداه الشاب العراقي و الكم الهائل من المعلومات الذي يملكه عن الدول الأسلامية جعلني أبحث في دواخلي عمّا أعرفه أنا شخصياً عن العالم الأسلامي خارج المحيط الذي أعيش فيه.
كان العراق بالنسبة لي مجرد دولة عربية، و كان قبل عشرين سنة يدعى بلاد ما بين النهرين و يحوي في داخل حدوده المراقد المقدسة في النجف و كربلاء و الكوفة و الإمام الأعظم. أُقرُّ و أعترفُ هذه وحدها ما كنتُ أعرف عن العراق، لا غير.
دفعتني شحة معلوماتي عن أهمِّ دولةٍ أسلامية أن أبحثَ أكثر و أكثر عن "مهد الحضارة القديمة."
و ابتداءاً من تلك اللحظة، و في كل نهاية أسبوع، بدأتُ أبحث في رمال أور عن بقايا القبور القديمة، أو أقضي ليالي الشتاء الباردة في كوخٍ صغيرٍ خارج مُتحف آثارِ بابل.
و هكذا جمعتُ معلوماتٍ قيّمة و من الدرجة الأولى عن "العراق القديم."
أما  "العراق الحديث"، فالكتب المطبوعة عنه باللغة الأنكليزية قليلة العدد و من الصعوبة الحصول عليها. تعتبر Iraq Times   الجريدة الواسعة الأنتشار باللغة الأنكليزية و إدارتها تحت تأثير و نفوذٍ يهوديين. و في مطبعة الجريدة الكائنة في شارع الرشيد في بغداد تكون نسبة العاملين فيها من الهندوس و اليهود أكبر من حجم تواجدهما في البلد.
في المعدل العام يعتبر الفرد العراقي مؤمناُ قوياً في الأخوة الأسلامية. و يضع مسيحيو العراق أنفسهَم في موازاة طموح أخوانِهم المسلمين.
على كل حال، ليس هناك أختلاف كثير بين تعاليم المسيحية (المسيحية التي كان يُبَشِّر بها المسيح) و الأسلام لأن أتباع الديانتين يعتبرون من أهل الكتاب.
كلمة أخيرة عن المسيحيين العرب. بصورة عامة، يعتبر مسيحيو العراق أفضل – بالمعنى الحرفي و بالروحية المسيحية – من مسيحيي أوروبا. يعتبر العراقيون المسيحيون أنفسهم عرباً. يلبسون الزي العربي و ينطقون بالعربية. رأيتُ المسيحيين في منطقة تلكيف بلحاهم الطويلة الجميلة و على وجوههم البراءة و الأمانة و يتراءى للناظر أن المسيح كان واحداً منهم.
--------------------
في بداية 1947 أستقرّت مجموعةٌ مكونةٌ من عراقيين و عدد من المسلمين في العراق لهم حلمٌ يحاولون تحقيقه. كانت لهم رغبة شديدة لإيجاد "الممالك الأسلامية المتحدة" و رمزوا لها ب (م. م. ا.).  Mumalak-i-Mutahidda Islamia (United States of Islamic Countries) . كان هذا مجرد حلمٍ في البداية، و من الممكن أن يتحوّل الحلم الى حقيقة كما في واقع باكستان.
كانت حجّتهم أن معظم الدول الأسلامية متقاربة و متجاورة مع بعض (ما عدا مسلمي جزر الهند الشرقية و مسلمي الصين).  فلماذا لا يحطّمون الحدود الجغرافية القديمة و يغيِّرون من شكل خارطة العالم....
كانت نظرتُهُم للواقع كالآتي:
(أ‌)أتحاد المسلمين الذين يعيشون في جنوب شرق آسيا...اللاعب الرئيس فيه باكستان الشرقية.
(ب‌)أتحاد المسلمين الذين يعيشون في الشرق الأوسط.
كان المقترح أن تكون فلسطين مركزاً للأتحادَين.
كان معظم الأعضاء الذين ينادون ب(الممالك الأسلامية المتحدة م. م. ا.) من ضباط الجيش و لهم نظرة مستقبلية أبعد من مجرّد صيغة "تحالفات و معاهدات."
كان عليهم في المقام الأول أن يضعوا خطةً متكاملة لتنظيم القوات المسلحة في الممالك الأسلامية المتحدة من ناحية التدريب العسكري المتقدِّم و المعدات اللازمة مع تدريب كادرٍ متقدِّمٍ من الضباط حسب الأسسِ و المقاييس و حسب نظامٍ متِّسَقٍ متكامل ضمن "الأتحاد." (و لحُسنِ الحظ تملك الباكستان أفضلَ المعاهد العسكرية في الشرق لتدريبِ الضباطِ من الرتبِ العالية، و بإمكانها مساعدة الدول الأسلامية الأخرى في هذا السياق.)
و إضافة الى الجيوش التي تحتفظ بها كل دولة أسلامية على أراضيها، من الممكن تواجد وحداتٍ عسكريةٍ مختلطة نوعاً ما. على سبيل المثال، وحدات تتمركز في بيشاوار (الباكستان)  تتكوَّن من كتائب إيرانية و عراقية و تركية. و وحدات عسكرية أخرى تتمركز في الموصل (العراق) تتكوّن من كتائب باكستانية و مصرية و أفغانية، و هكذا. هذا النظام من الوحدات العسكرية المختلطة سوف يحلّ آلياً معوِّقات اللغة و المعدات و التدريب و شؤون الإدارة. في الوقت نفسه سوف يقرِّب مسلمي دولة معيّنة مع الوحدات العسكرية لدولةٍ أخرى.
من الممكن صرف نفقات هذه "الوحدات المختلطة" من وارداتِ الدول و يكون تموينها من مسؤولية كل دولة في الأتحاد. تم تنفيذ هذه الخطة خلال الحرب الحالية و بأمكانية عملية.
أما الخدمات القتالية ستكون علامة مميَّزة لأستقلالية كل دولة، و إن مزج هذه "الخدمات مع وضع "المجموعة المختلطة" تحت قيادة واحدة سيكون بحد ذاته خطوة نحو خلق "سلطة عليا" فتكون النتيجة دمج الأقطار الأسلامية مع بعضها و الى الأبد.
إن هدفنا الأساس تحقيق إنشاء الممالك الأسلامية المتحدة، مع جمع و نشر بذور المعرفة عن الأقطار الأسلامية، و هذا واجبنا الأهم.
--------------
كُتِبَ هذا البحث تقريباً بكامله خلال إقامتي في المستشفى العسكري في كراجي,
جمعتُ الأدبيات الداخلة في هذا البحث في أثناء إقامتي في العراق من بعض     القصاصاتِ من جريدة  Iraq Times و مخطوطاتٍ مختلفة و كذلك جلبتُ معي ملخّصاتٍ من وثائق مهمة من متحف بغداد و بدأتُ بالكتابة في أول يوم نقاهتي في القاطع رقم 21 في المستشفى.
أودُّ أن أشكر الكابتن جعفري و طاقم مستشفى كراجي العسكري الذي ساعدني دائماً في تنسيق الكتابة خلال مدة المرض و أيضاً في أثناء فترة النقاهة في المستشفى.

عبد الوحيد
16 حزيران 1948
و تلي مقدمة الكابتن الشيخ عبد الوحيد مقدمة أخرى كتبها القائد العام للقوات المسلحة الباكستانية General Sir Douglas Gracey  في راولبندي في الأول من تشرين الثاني 1950 يثني فيها جهود المؤلف في "تقريب هذه الدول مع بعض من أجل الحفاظ على السلام و مجد الأسلام".

آرا دمبكجيان










أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

506 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع