د.اسامة نهاد رفعت
لم يكن خياري
لم يكن خياري يوما ان اترك وطني وأعيش غربتي.. لا أعرف من خطط وأراد واتخذ القرار.. لا أعرف من نفذ وبأي قلب وبأي دم بارد.. لا أعرف على أي قانون استندوا في اصدار أحكامهم الجائرة.. لا أعرف لماذا ولأي سبب وتحت أي ذريعة وبأية شريعة.. ليتني أعرف لأرتاح
كل يوم أصعب من السابق.. وانا لا أعرف مصير بيتي بيت عمري وشقى سنين خدمتي لوطني... من دخله وأي أيادي حقيرة سرقته وخربته.. وعملي الذي فقدته ورزقي الذي قطعوه والاطفال الذين شردوهم
رحل كل شئ مع من رحل.. اصبح كله ذكرى.. ولكنها ذكرى لا تبارح خيالي.. تعيش معي وتغلغل في دمي في غربتي ووحدتي
أقف على شاطئ البحر ومع كل جماله يرحل بي الى دجلة وشارع ابي نؤاس والسمك المسكوف والجراديغ وكورنيش الأعظمية والعطيفية والكريعات وجزيرة الاعراس ومدينة الزوراء.. فيزداد ويشتعل شوقي الى أيام شارع الرشيد والشورجة وكل ما فيه من خيرات وسوق السراي وشارع النهر وسيد ادريس وكمب سارة والعشار والميدان وسوق المنصور والعامل وبغداد الجديدة وعلوة الدورة والشعلة وعلوة السمك.. والى أيام نادي الصيد والعلوية والاثوري والارمني والهندية والمشرق والمسبح والبنكو وسينما الاطفال وقهوة عزاوي
اشتاق الى استكان الشاي المهيل وشربت جبارابو الشربت وكيمر السدة ودليمية الانبار وكباب الفلوجة وكباب السليمانية وكبة الموصل وكص قاسم وهمبركر الساعة وكباب الموال وبرتقال كربلاء ورمان شهربان ومانغو ابو الخصيب وبرحي البصرة وزهدي الناصرية وزبيدي وصبور البصرة ودهين كربلاء وكبة الموصل وسمك السدة.. وكعدات جاي العباس والمولد النبوي والزردة والدولمة ومرقة الطرشانة (الحامض حلو) والشربت وخبز العباس والواهلية وكعك السيد والجرك والكاهي والكيمر والخبز المكسب والصمون الحجري ولفة بيض وعمبة ام الشريس وايام عاشوراء والقيمة والهريسة والتمن والدجاج وبط الصبة المحشي وكبة اليخني والقيسي للمسيحين والدليمية والتكة والمعلاق والفلافل
وعندما يأتي رمضان احن الى كعدة الفطور بأنتظار مدفع الأفطار وصوت المؤذن وما تعقبه من السهرات الرمضانية والمحيبس والزلابية والبقلاوة وزنود الست ومن السما والسجقات والروبة والتمر وشربت الزبيب والقمردين والتمرهند ولبن اربيل وحلاوة الراشي والجزر والطحينية وهنا يدخل الشهر وينتهي ولا احد يعرف
وفي العيد الكاهي والكيمر والبورك والكليجة والبيت الكبير الذي يجمعنا بأبهى الحلل والملابس كبارا وصغارا
ومدينة الألعاب والمراجيح والعرباين والحامض حلو والشعر بنات
اشتاق الى صوت (الهورن) الممنوع هنا وضجيجه في شارع الرشيد والكفاح والجمهورية والمنصور وصوت ابو اللبلبي وابو الشلغم وهو ينادي مايع مايع
اشتاق الى حي السلام وحي الاطباء وحي الجهاد والبياع والعامرية والغزالية والمنصور واليرموك وحي الجامعة وحي العدل والسيدية والجادرية والكرادة والدورة والاعظمية والشعب وشارع فلسطين وحي البنوك وكم سارة الحرية والكاظمية والشعب وعرصات الهندية وحي سومر والعطيفية والفضل وجسر الجمهورية والاعظمية والصرافية والجادرية والكسرة وشارع المتنبي والمدرسة المستنصرية واورزدي باك ووووووو
اشتاق الى رؤية الشباب وهم يرقصون فرحين عندما يفوز المنتخب العراقي في المنصور والعرصات والجادرية والكرادة والاعظمية والى الفرق الرياضية وهي تتبارى في ملعب الكشافة وملعب الشعب
أحن لحر بغداد والى اللالة واللوكس والمهفة والسرة على البانزين والنفط والجليكانات وصوت المولدة والوايرات.. وراحت الوطنية أركضوا شغلوا الجنريتر
مع كل جمال الطبيعة أحن الى ياسمينتي والنرجس والرازقي وكاردينيا بيتي
يا لها من ذكريات تربطني بتربة وطني الغالي ولكنها أجمل من العسل على قلبي
وهنا.. الكل يركض الى العمل مسرعا.. لا وقت حتى لأبسط العلاقات الانسانية خلال ايام العمل
الزيارة بموعد بعد ان كانت بيوتنا مفتوحة.. والأكل ليس كما كانت موائدنا تمتد مما لذ وطاب من الخيرات..
والجار لا يعرف من جاره.. وقلبي يتقطع وانا أرى عامل محل الشاورمة (الكباب) طبيب عراقي يقطع اللحم والمرضى في وطني يموتون لنقص الكادر الطبي
قلبي يتقطع وانا أرى خيرة شبابنا المتعلم عمال بناء او مصلحي سيارات او عمال غسل الصحون في المطاعم
قلبي يتقطع وانا ارى خيرة اطبائنا وكبار عقول الطاقة واكفأ المهندسين والكيماويين والصيادلة واساتذة الجامعات يعيشون على معونة دولة المهجر لأنهم لم يعادلوا شهاداتهم ووطني بأمس الحاجة الى خبراتهم لبنائه
قلبي يتقطع وانا أرى فنانيننا عمال في مضخات البانزين او مسوقي البيتزا والكي اف سي
نعم لم يكن خياري.. ولكنه كان قدري
أظناني الخوف من غد بلا أمل ...
هدني التعب مع وقع الصفعات وأنا أرقب جراح وطني وهي تنزف
والحياة تسير ولا أعلم ما هي النهايــة واين ستكون
نبقى نحلم ونعيش مع الحلم في مخيلتنـا.. ومع صدمة الواقع وألم الفراق وعذاب الوحدة.. ينزف القلب الكلمات على الورق ليخطها بالدم
بعد ان اصبح الفراغ صديقا.. والنسيان رفيقا.. والذكرى طريقا.. لعلها تداوي جرحا
إذا كُتب لي أن أعود
والحساب ليوم الحساب
1346 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع