بقلم فلاح جاسم
أيها القارئ الكريم، هل تعرف من أين تؤكل الكتف؟ عبارة تـَرد إلى أسماعنا كثيراً، وفي حياتنا اليومية أيضاً، حتى بتنا نرددها بدون تفكير في مضمونها، عندما يتطلب الموقف ذكرها. حتى أولئك الذين لم يطلعوا على «مجمع الأمثال» للميداني أو غيره من كتب الأمثال، أدمنوا استعمالها، وربما لا يحوز الكثير من مستخدمي هذا المثل الإحاطة بأدنى فكرة عنه، لكنهم يرددونه بكل ثقة.
في الحقيقة، أنا شخصياً لم أكن أعرف من أين تؤكل الكتف في السابق، على الرغم من أن أهلنا في أيام خلت يذبحون الكثير من الحملان، أيام الربيع وغيرها، وحينما يَفِد إلينا بعض الضيوف الأعزاء، وهذا ديدن معظم البدو أو الريفيين. صراحة، لم يَدر في خلدي آنذاك؛ هل جميع من يجلسون إلى المائدة يعرفون من أين تؤكل الكتف! لم آبه بذلك وقتذاك، على الرغم من سماع تلك المقولة، -التي لم أكن أعي معناها-. ربما لو أجرينا اختبارا ساعتها للمتحلقين حول الطعام، عن طريقة «أكل الكتف» لفشل معظمهم، بما فيهم صاحب الطعام،لأنه تبين أن لأكل الكتف طريقة معينة، لا تقلّ أهمية عن قراءة «دليل التشغيل» لأي آلة، وإلا لأصبحت العواقب وخيمة، لكن لحسن الحظ كان أهلونا يقطعون الذبائح إلى أوصال، فيختلط الكتف بغيره من قطع اللحم الأخرى، وبذلك لا يُفتضح أمر من لا يعرف من أين تؤكل الكتف.
يُضرب هذا المثل عادة للدلالة على الرجل المحنك، الواعي، والمتبصر، والذي له خبرة في معالجة شؤون الحياة، وقادر على فهم الواقع ومعايشته، ومن وجهة نظر إدارية قادر على تحديد أهدافه.
أعرف أيها القارئ الكريم، أنك متلهف لمعرفة طريقة أكل الكتف، أكثر من حرصك على قراءة ما كتبته في الأعلى، لكن ذلك الأمر يتطلب الروية.الكتف تؤكل من أسفلها، لا من أعلاها، أما أكلها من أعلاها فهو خطأ كبير؛ لأن المرق يكون بين لحم الكتف وعظمه، فإن بادرتَ إلى أكلها من أعلاها جَرَت المرقة، وانصبّت وضاعت هدراً، وإن أخذتها من أسفلها؛ انقشرت عن عظمها وبقيت المرقة ثابتة مكانها فوق العظم، وتكون بذلك تمكنت من اللحم والمرق معاً.
تساءلتُ كثيراً عن الأخطاء في حياتنا، من مهنية، وطبية، وعلمية، وتعليمية، وحتى في قيادة السيارة، والتعامل مع الجيران، تفكرت فيها، هل هي بسبب جهلنا؛ من أين تؤكل الكتف؟ وخصوصا القرارات الإدارية الخاطئة، التي يتم اتخاذها، ويتمّ التكتم عليها؟
أخيراً، عندما لم نكن نعرف من أين تؤكل الكتف كان الخير كثيراً، وكان هناك الكثير من "الأكتاف" مهيأة للأكل، لكن عندما تعلمنا ذلك، لم يعد بوسعنا شراء حتى " نصف كتف" بسبب غلاء اللحوم.
كلمات لها معنى:
القارئ : هو الشخص الذي نقوم بالتنظير عليه جميعا، وإعطائه الحلول والمواعظ، دون أن يملك القدرة على فصلنا من عملنا.
الكريم: هو المسؤول الذي يسلب حقوق البشر، ويدخرها لهم يوم القيامة.
الكتف هو ذلك الجزء من الجسم، يقوم الرجل بالميل به نحو خطيبته حتى الملاصقة، في أيام الخطوبة، وينأى به عنها أثناء الحديث بعد سنتين من الزواج.
حياتنا اليومية: هي ضياع العمر، دون أن نعلم كيف انسابت أيامه.
يحوز: (يمتلك)؛هي كل ما وهبه الله للمسؤولين، من عقارات، وعمارات، وسيارات فاخرة.
الحقيقة: هي كل ما اعتقده، أو أقوله أنا، ويجب عليك التصديق بذلك مرغما، حتى لو كان حديثاً في مجلس.
أهلنا: هم من نفاخر بهم دائماً، ونذكر مآثرهم، وإن لم يكونوا كذلك.
الحملان: جمع حَمل، وهي التي لا تمتلك من أمرها خيارا؛ نذهب بها إلى المرعى حسب مزاجنا، ونختار الوجهة، ونملك الحرية في إنهاء حياتها في أي وقت.
الضيوف الأعزاء: المسؤولون، مادام لهم اليد الطولى، ويصولون ويجولون، ويتمتعون بالنفوذ والقوة، فالكل يتمنى زيارتهم.
الريفيون: هم يتحمل برد الشتاء القارس، وحرّ الصيف القائظ، ينتجون الخيرات مما تجود به حقولهم ومواشيهم، ويكونون مادة للتندر و"التنكيت" من قبل أهل المدينة.
"دليل التشغيل": ذلك الكتيب الذي يأتي مع أي آلة جديدة نشتريها، فيه شرح مفصل عنها، من الألف إلى الياء، ولا نجد مثله عندما نرزق بأولاد، فنجتهد في تربيتهم، حسب ما توفر لدينا من خبرة، أو ما نسمعه من منظرين لم يتزوجوا بعد.
العواقب الوخيمة: عندما تكون على حدود أي دولة عربية، وتتكلم مع أي موظف بثقة، ويدرك أنك تحس بإنسانيتك، فيضع جواز سفرك جانباً، وينظر إليك بطرف عينه.
أوصال: هو ما تحاول أمريكا والامبريالية فعله بالدول العربية الآن.
"الذي يعرف من أين تؤكل الكتف": هو في الغالب الوصولي، الذي يتسلق أكتاف الآخرين للوصول إلى هدفه.
اللحم والمرق: اللحم؛ هو فائدة الدول التي تستورد منتجاتنا الخام، والمرق هو ما نحصل عليه لقاء بيع تلك المنتجات.
الأخطاء في حياتنا: هي ما لا نتطرق لذكره في مجالسنا عندما نتحدث عن أنفسنا، ونحاول إزالتها حتى من الصندوق الأسود لذاكرتنا.
القرارات الإدارية الخاطئة، هي كل ما قام به من كان يجلس على كرسي الإدارة قبلنا.
1162 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع