د. منار الشوربجي
رغم أن إعلان الرئيس أوباما وقيادات الحزب الجمهوري في الكونغرس نيتهما التعاون، بعد الهزيمة المنكرة التي مني بها الديمقراطيون في الانتخابات التشريعية، إلا أن نذر الصراع ماثلة في السياسة الخارجية والداخلية على السواء، الأمر الذي قد ينتج عنه في النهاية خليط من التعاون والصراع بدرجات مختلفة، بشأن كل قضية من القضايا.
فهناك قضايا يرجح أن ترتفع فيها نسبة التعاون، مثل عقد المزيد من اتفاقات التجارة الخارجية، والتراجع عن خفض الإنفاق العسكري.
وهناك قضايا أخرى يرجح أن تمثل خليطاً من التعاون والصراع في داخلها، مثل الحرب الأميركية في الخارج، والموقف من إسرائيل، بينما ينتظر أن يكون الموقف من إيران أكثر ميلاً للصراع منه للتعاون.
فالحرب الأميركية في المنطقة، من الملفات المرجح أن تشهد خليطاً من التعاون والصراع بين أوباما والجمهوريين في الكونغرس، والتعاون في هذا الملف قد يؤدي في النهاية إلى تنازلات يقدمها أوباما لصالح رؤية الجمهوريين.
فالأرجح أن تشهد «الحرب على داعش» تصعيداً في المرحلة المقبلة، فبعد أن كان أوباما قد كرر أكثر من مرة تأكيده أنه لن تكون هناك «حرب برية أخرى في العراق»، فإن سيطرة الجمهوريين قد تؤدي لاستقدام قوات برية أميركية، وكانت هناك بالفعل مؤشرات على ذلك في الساعات القليلة التالية مباشرة لإعلان نتائج الانتخابات التشريعية.
فقد أعلن أوباما أنه سيطلب قراراً من الكونغرس بشأن الحرب على داعش، وأعلن جون ماكين الذي سيتولى رئاسة لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ، أن من المهم النظر في أمر تلك الحرب، وهذا يمثل تحولاً في موقف الطرفين.
فعند الإعلان عن خوض تلك الحرب، أكد أوباما عدم حاجته لموافقة جديدة من الكونغرس، واعتبر أن قرار استخدام القوة العسكرية الذي أصدره الكونغرس بعد 11 سبتمبر، والذي لا يزال سارياً، ينطبق على تلك الحرب الجديدة. أما الكونغرس الذي كان مقدماً وقتها على انتخابات تشريعية، فقد عمد للتخلي عن مسؤوليته الدستورية، لئلا يؤثر قراره في نتائج الانتخابات.
وقرر وقتها الديمقراطيون والجمهوريون على السواء، منح الرئيس الأموال التي يحتاج إليها لتسليح وتدريب المعارضة السورية، دون أن يتخذ قراراً أصلاً بشأن الموافقة على خطوة الحرب من الأساس.
أما وقد فاز الجمهوريون بالأغلبية في المجلسين، فقد صار من مصلحة أوباما أن يتخذ الكونغرس قراراً بهذا الشأن، فالرئيس يعلم أن الجمهوريين أكثر تأييداً لتلك الحرب من قطاعات واسعة داخل حزبه، ومن ثم سوف يكون قرار الكونغرس مضموناً بما يجعل تلك الحرب مسؤولية مشتركة للحزبين، لا مسؤوليته وحده حالما تدهورت الأوضاع.
أما بالنسبة للجمهوريين، فإن استصدار قرار سيسمح لهم بالاشتراك في صنع السياسة الخارجية، فالكثيرون منهم يرون أن من الصعب تحقيق إنجاز دون وجود قوات برية أميركية على الأرض.
ومن المرجح أن يتم المضي في ذلك، رغماً عن موقف أوباما، خصوصاً وأن رئيس الأركان الجنرال ديمبسي ألمح فيما سبق إلى أنه أمر محتمل، ومن المنتظر أن يأتي الصراع حال طلب الرئيس أموالاً إضافية لتمويل الحرب.
أما التعامل مع حكومة نتنياهو فهو من القضايا المرشحة لدرجة من الصراع بين الكونغرس والرئيس، بدرجة أعلى من مستوى التعاون. صحيح أن إدارة أوباما لن تتخلى عن دعمها المادي القوي لإسرائيل، إلا أن الكونغرس الجمهوري سيكون أكثر دعماً لحكومة نتنياهو في استراتيجيته الجديدة التي تهدف لإغلاق ملف التسوية السياسية بالمطلق.
وستستفيد حكومة نتنياهو بالتأكيد من الصدام المرجح بين الجمهوريين وأوباما في ما يتعلق بالموقف من إيران، فقد أعرب عدد من الجمهوريين الذين سيتولون مناصب قيادية في مجلسي النواب والشيوخ، عن نيتهم إجراء «مراجعة شاملة» لعلاقة إدارة أوباما منذ البداية بإيران.
فعلى سبيل المثال، أعلن ديفين نيونز عضو لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، أنه من المهم النظر في دور أجهزة الاستخبارات الأميركية في اتخاذ قرار التفاوض مع إيران. ومن شأن الإعلان، بعد الانتخابات بساعات، عن الرسالة السرية التي بعث بها أوباما لخامنئي، أن يضيف زخماً جديداً لرغبة الجمهوريين في فتح ذلك الملف.
غير أن أياً من تلك القضايا لن تكون الحاسمة في تحديد طبيعة العلاقة بين الرئيس والكونغرس خلال العامين الباقيين من عمر إدارة أوباما، وإنما ستحسمها قضية داخلية من الواضح أن الطرفين مقدمان فيها على الصدام، وهي قضية الهجرة، فهناك ضغوط داخل كل حزب تدفع نحو ذلك الصدام.
فالرئيس الذي كان بإمكانه تحسين فرص حزبه الانتخابية في عدد من الولايات لو كان قد بادر بقرار بشأن الهجرة قبل الانتخابات، خاضع لضغوط حزبية قوية لاحتواء الأميركيين من أصل لاتيني، باتخاذ مثل ذلك القرار.
والجمهوريون في الكونغرس يتعرضون لضغوط من ناخبيهم المتشددين الرافضين لتقنين أوضاع المهاجرين غير الشرعيين، تصل للمطالبة بعزل أوباما من منصبه لو اتخذ قراراً تنفيذياً في هذا الشأن دون موافقة الكونغرس.
وقد أعلن أوباما بالفعل، بعد ساعات من إعلان نتائج الانتخابات، أنه سيتخذ قراراً بخصوص الهجرة قبل نهاية هذا العام، أي قبل تولي الكونغرس المنتخب صلاحياته في يناير المقبل، الأمر الذي قد يفتح الباب واسعاً أمام صدام مبكر بين الطرفين، قد يؤثر لاحقاً في تناول ما دون ذلك من قضايا.
1309 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع