دولة البغدادي لا تصلح لحكم العراق السني

                                  

                           هارون محمد

لم ينتبه خليفة تنظيم الدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي إلى حقيقة تاريخية وسياسية واجتماعية تحكم العراق منذ تأسيس دولته الحديثة في عشرينات القرن الماضي،

تتمثل في أن العراق لا يصلح ليكون دولة دينية بفرعيها المعاصرين، الخلافة الإسلامية وولاية الفقيه، لسبب بسيط يتمثل في أن مكوني شعبه الرئيسيين (السنة والشيعة) على العموم غير مؤهلين، طبيعة وفطرة ومسارا، للانضواء تحت عباءة خليفة أو عمامة ملا، ولا يمكن قيام دولة دينية بأي شكل أو لون في المنطقة العربية من العراق رغم أن الغالبية الساحقة من سكانها مسلمون، ولكن- هنا تكمن العلة- أكثر العراقيين كما يقول الحزبيون الإسلاميون سنة وشيعة، غير متدينين، وهذا صحيح هم مؤمنون ويؤدون الفروض والطاعات، وفي فترات وأحيان كثيرة ينجرون بتحريض من الأحزاب الدينية إلى العراك والاقتتال طائفيا كما يحدث في الزمن الحالي، ولكن طبيعتهم ونفسياتهم تنفر من النظام الديني وشروطه الصارمة وقوانينه المتشددة وأحكامه الملزمة.

قبل سنوات قليلة دعا عبدالعزيز الحكيم، رئيس المجلس الأعلى وهو أكبر التنظيمات الشيعية، إلى إقامة إقليم شيعي يمتد من بغداد إلى البصرة، وبدأ يروج له سياسيا وطائفيا واجتماعيا، وكان يتوقع أن يقف الشيعة مع أطروحاته، ولكنه فوجئ أن سكان النجف، وهي مدينة مقدسة لدى الشيعة وفيها بيوت أهله وأسرته، وقفوا يعارضون دعوته، وفوجئ أيضا أن البصرة وفيها أكثر من مليون شيعي ناهضت تطلعاته، والأمر نفسه حصل مع النائب السابق وائل عبداللطيف.

والحقيقة التي لم يدركها عبدالعزيز ووائل أن أكثرية الشيعة في العراق، رغم تطلعها الظاهر إلى إقليم أو تقسيم، فإنها تخشى من تحول هذا الكيان، بمرور الأيام، إلى دولة شيعية يقودها آية الله الفلاني أو حجة الإسلام العلاني، كما هو حاصل في إيران الجارة المحاذية.

وما حصل للشيعة من رفض للإقليم والتقسيم حصل لنظرائهم السنة، رغم بعض الاختلافات التقليدية والبيئية بين الفئتين أو المكونين، فالسنة العرب في العراق مجتمع غير متدين في غالبه، حتى علماء وأعلام الدين فيه تراهم في شبه انفتاح، وليس مستغربا أن آلاف الفتيات والسيدات السافرات هن سليلات أسر وبيوت دينية، والسفور سلوك لا تقره الحالة الدينية صدقا أم ادعاء، وفي الماضي القريب هوجم المرحوم أحمد الداوود وهو شيخ دين بغدادي لأن ابنته صبيحة ركبت جملا وألقت قصيدة في مهرجان شعري في فبراير 1922 وهي سافرة الوجه والشعر، وهي نفسها كانت أول طالبة بكلية الحقوق عند افتتاحها في منتصف الثلاثينات إلى جانب أكثر من مئة طالب.

وبسبب مدنية المجتمع السني العربي في العراق، فإن جماعة الإخوان المسلمين وهي كما هو معروف حزب ديني سني، فشلت في استقطاب الجمهور السني إليها وعجزت عن إقناع حتى قطاع واسع من أئمة وخطباء المساجد والجوامع بالانضواء إليها، وهُزمت الجماعة التي بدأت نشاطها في العراق عام 1948 عند عودة مرشدها الشيخ محمود محمد الصواف من القاهرة بعد إكمال دراسته في الأزهر، أمام الأحزاب القومية التي ظهرت بعدها بسنوات مثل البعث 1954 وحركة القوميين العرب 1958، رغم أن الجماعة كانت منذ ظهورها لغاية عام 1968 بعيدة عن الملاحقات الأمنية والمضايقات الحكومية وكان مرشدها الصواف وقادتها يُلقون مواعظهم ويبشرون بأهدافهم في برامج من إذاعة بغداد الرسمية والمطبوعات العلنية.

وكما فشلت جماعة الإخوان المسلمين في البيئة السنية على مدى أكثر من نصف قرن، فإن امتدادها الحزب الإسلامي الحالي فشل هو الآخر في العمل والانتشار بالمناطق والمحافظات السنية عقب الاحتلال الأميركي، ونتائج الانتخابات الأخيرة معيار واضح.

إن البيئة السنية العربية قومية في توجهات أبنائها وأهلها ولا تهضم النزعات الدينية المتشددة، وليس صحيحا ما يقوله بعض المحللين والمراقبين السياسيين من أن هذه البيئة شكلت حاضنة للدولة الإسلامية، ودحض هذا الرأي سهل وبسيط ومن الميدان، فقد مضت على احتلال الموصل وكثير من مناطق محافظات الأنبار وصلاح الدين وكركوك وديالى قرابة خمسة شهور دون أن ينجح التنظيم في كسب عشيرة واحدة أو حركة سياسية واحدة أو حتى شخصية اجتماعية أو دينية أو أكاديمية أو ثقافية أو عسكرية معروفة، على صعيد محلي أو عراقي إلى جانبه، ماذا يعني هذا ونحن نعرف أن الموصل وتكريت مدينتان تزخران بالقيادات السياسية والعسكرية السنية، وفيهما الآلاف من المقموعين والمضطهدين والمجتثين؟

وعندما يعمد مسلحو الدولة الإسلامية إلى اعتقال شخصيات بعثية وقومية وشيوخ عشائر وعمداء بيوتات كانت أجهزة نوري المالكي تطاردهم وتسعى إلى اغتيالهم، فإن ذلك يعني خواء المنهج السياسي وتخبط الخطاب الديني لتنظيم هذه الدولة الهلامية، وبالتالي فإن خليفتها أبا بكر البغدادي توهّم بأن خطبته العلنية الأولى في الموصل، قد أعطته البيعة والشرعية ليقيم دولته المتطرفة في مدينة حضارية وقومية ومنفتحة قبل أن تكون سنية.

إن تصرفات أجهزة أبي بكر البغدادي في المناطق والمحافظات السنية تتطابق تماما مع ممارسات قوات نوري المالكي فيها، ولا تختلف عنها إلا في تفاصيل صغيرة، فقد جاء أبو طلحة إلى الموصل واحتل مكان مهدي الغراوي، وكلاهما لا يتقن غير إذلال الموصليين وإهانتهم وقتلهم، وجاء أبو عبيدة وأبو حذيفة إلى تكريت وحلا بدل عبدالأمير الزيدي وعلي الفريجي، وهكذا تتغير الوجوه والممارسات واحدة.

بصراحة لو كانت هناك حكومة عراقية وطنية ونزيهة ومتوازنة بعيدة عن المحاصصات الطائفية والعرقية، لما تمكن مسلحو البغدادي من البقاء ساعة واحدة في الموصل وتكريت والأنبار وكركوك وديالى، ولكن ماذا نفعل للمالكي، وقد اعتمد على فاسدين ومفسدين ليحكموا ويتسلطوا ويسرقوا هذه المحافظات المعذبة..

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1205 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع