د. عمر الكبيسي
شهدت الساحة العراقية منذ احتلاله عام 2003 أزمات متلاحقة وتعقيدات مجتمعية وسياسية شكلت بمجموعها نكبة كارثية تهدد مصيره، نتجت عنها اجواء تختلف عن تلك الاجواء السائدة التي كانت تربط العراق بأشقاءه العرب على المستوى الشعبي والسياسي ،
وللأردن بالذات خصوصية في هذه العلاقات ، كون العراق والأردن بحكم الجغرافيا والتاريخ يشكلان امتدادا واحدا وثقته بعدئذ الظروف الجيوسياسية لأن يكون امتداد أمنيا واحدا من وجهة النظر العربية بحكم الواقع الاسرائيلي غربا وإيران الاسلامية شرقا وما افرزاه من صراعات وتحديات لأمن المنطقة ومنظومة الأمن العربي . ولكون الأردن يدرك دوره العربي قيادة وشعبا وجيشا منذ تأسيسه وهو يحمل وسام العروبية الهاشمية الصميمية ، شكلت سياساته منهجا ثابتا تنطلق من وحدة أمن الأمة وصمودها كأساس وركيزة ثابتة أمام التحديات ، لا تتغير ولا تتبدل بتغيير الانظمة والسياسيات الطارئة ، فتح حدوده أمام مئات الالوف من النازحين العراقيين إليه واستضافهم وحماهم بكل ود وتقدير، وبقيت منافذه وميناؤه وأجواءه تشكل منفذا حيويا للعراقيين وبقيت منابر اعلامه ومنتدياته وإشعاعات مفكريه تنشد الوعي والحكمة والوحدة في صفوف شعبه والتوجيه والنصح والتحذير في آذان ساسته الجدد الذين طيّفتهم الاحداث وصمت آذانهم الاموال والامتيازات وأفسدوا بالبلاد والعباد عن سماع الحكمة ونداءات الحنكة .
وحين اسفرت الصراعات السياسية وتقلباتها عن فشل المالكي بتشبثه بالسلطة في حالة شبه اجماع على فشل سياساته الطائفية ونزعته المتفردة والمبدعة في خلق الأزمات ، استبشر الشعب المنكوب بمجيء حيدر العبادي و وعوده بالإصلاح وشكل تنصيبه استبشارا وترحيبا اقليميا وعربيا ودوليا غير مسبوق على ضوء التركة الثقيلة والفساد المستشري الذي خلفته سياسيات ابتزازية سابقه . وكان الاردن الجار والشقيق للعراق ملكا وشعبا وحكومة في مقدمة المستبشرين بالحكومة الجديدة والتي شكلت زيارة العبادي والالتقاء بجلالة الملك وحكومته بادرة حميدة عن نية صادقة اعطاها اسبقية كونها اول زيارة له لقطر عربي له دور فاعل بأمن المنطقة وسلمها .
كل الأمل منشود بأن تدرك الحكومة الجديدة متمثلة برئيسها ان المخاطر المصيرية والجسام المترتبة على سياسات التهميش الطائفية والانقسام المجتمعي في العراق والتي كانت سمة الحكم المالكي الابتزازي لعقد من الزمان هي مخاطر لا تهدد أمن العراق فحسب وإنما تنعكس أثارها بشكل مباشر على أمن المنطقة كلها والأردن معني بها أكثر من غيره ، وأن أي مشروع لمجابهة الارهاب وصولاته المتصاعدة بسبب سياسات التهميش والقمع الطائفي ينبغي ان يكون موضع اهتمام عربي وإقليمي ن قبل ان يتم التسليم لمشروع تحالف دولي يهتم بأمن صانعيه ، لا تؤمن عواقبه ولم تحدد ضمانته للمنطقة فالعراق عربي الهوية والجغرافيا يرتبط امنه وسلمه بأمن المنطقة العربية ، شاء الآخرون أم أبوا .
للإردن استحقاق قومي وأسبقية أمنية لتأمين احتياجاته من الثروة النفطية العراقية وتسهيل توريداته من خلاله وتشجيع التبادل التجاري والغذائي والاقتصادي معه بامتياز عن غيره لتامين احتياجاته ومستلزمات صموده أمام التحديات ، كما يحتاج العراقيون اليوم الأردن لتأمين أمنه وسلمه الاجتماعي ، وجود النخبة العراقية التي تعتز ببقائها في الأردن أملا بالعودة للعراق لبناء العراق الجديد ، ينبغي أن لا يكون موضع ابتزاز لتقييد نشاطاتها ودورها السياسي في الاصلاح والمصالحة الوطنية الحقة وهذا ما تدركه قيادة الاردن جيدا وبحكمتها أبت الرضوخ لابتزازات المالكي وممارساته ، بدون عودة هذه النخبة التي بنت عراق الامس الى العراق المنكوب اليوم ، لا يمكن بناء عراق المستقبل المنشود .
1184 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع