وداعاً «ريحانة جباري»

                                          

                              زينب حفني

بالأيام القليلة الماضية، تمَّ إعدام مصممة الديكور الداخلي الشابة ريحانة جباري ذات الستة والعشرين ربيعاً. وكان قد صدر الحكم عليها بعد توجيه الاتهام لها بقتل ضابط مخابرات حاول اغتصابها عندما كان عمرها تسع عشرة سنة، وبقيت بالسجن سبع سنوات حتّى تنفيذ الحكم فيها.

المحكمة سمحت لأم ريحانة بالجلوس معها ساعة كاملة دون أن تُعلمها بموعد إعدامها، علماً بأن والدة ريحانة كانت قد ترجّت القضاة أن يعدموها بدلاً من ابنتها.

ريحانة تركت لوالدتها رسالة وداع مؤثرة، تُدمي القلب، قالت بمقتطفات منها «..تعرفين كم خجولة أنا من حزنك. لماذا لم تُعطني الفرصة لتقبيل يدك ويد أبي؟». وكتبت بمقطع آخر وهو برأيي أهم جزء بالرسالة، حيث يبيّن تجاوزات جهاز المخابرات الإيراني، وكيف غدت الفتيات الإيرانيات مطمعاً لشهوات رجاله.."وكانت تلك الليلة المشؤومة التي كان يجب أن أُقتل فيها. كان سيتم القاء جسدي في ركن من أركان المدينة، وبعد بضعة أيام كانت الشرطة سوف تستدعيكِ لمكتب الطبيب الشرعي للتعرّف على جثّتي، وهناك ستعلمين أيضاً أنني تعرّضتُ للاغتصاب. القاتل لن يتمَّ العثور عليه لأننا لا نملك ثرواتهم وقوتهم". وبنهاية الرسالة تُوصي ريحانة أمّها بأن تتبرّع بكافة أعضائها لأناس بحاجة لها، فهي لا تُريد قبراً يضمُّ رفاتها.

قصّة ريحانة تُعرّي الأنظمة البوليسيّة داخل أي مجتمع يدّعي التديّن، وعن غياب ميزان العدل عندها، باستخدام سطوتها الجائرة في إخضاع شعوبها المقهورة! وقد أعادتني حكاية ريحانة لكتاب (كامليا.. سيرة إيرانيّة) الذي كتبتُ عنه منذ أسابيع مضت، وتحدّثت فيه الصحفيّة "كامليا" عمّا يجري داخل السجون الإيرانيّة من انتهاكات، وكيف أرغمها سجّانها بالتوقيع على وثيقة زواج مؤقت، واضطرارها مرغمة للموافقة على ذلك الوضع، وكيف استمعت لنصيحة صديق لها حرّضها على الهرب قبل أن ينتهي مصيرها إلى القتل على يد سجّانها، ونجاحها بالفرار لأميركا وحصولها على حق اللجوء السياسي.

الحقيقة أن قصّة ريحانة لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة. وهناك حكايات متوارية داخل البيوت المغلقة وخلف أسوار السجون، تحكي عن قصص متشابهة في تفاصيلها ونهاياتها المأساويّة! وإذا كانت ريحانة قد رفضت الاستسلام لمن حاول اغتصابها وقاومت بشجاعة دون التفكير بالعواقب، فهناك كثيرات غيرها يتجرّعنَ يوميّاً الاهانات وخبأن مصيبتهنَّ بأعماقهنَّ خوفاً من بطش مسؤول أو منعاً من جلب فضيحة لأهلهن.

ريحانة أثارت حفيظة العالم بإعدامها، وهو ما يستوجب من وجهة نظري فتح ملف الاغتصاب على مصراعيه، وإصدار قوانين وضعيّة صارمة تحفظ مكانة المرأة بكل أرجاء العالم. وليس خافياً أن مجتمعاتنا العربية لم تزل تنظر للمغتصبة نظرة بها الكثير من الريبة والظلم والحكم عليها بطريقة جائرة، حيث يُجبر المغتصب ببعض الدول العربية على الزواج من الضحية، كأنه لا يكفيها ما تعرّضت له من انتهاك لكرامتها، لتّجبر على الزواج من مغتصبها! وللأسف يُفرض ذلك عليها باسم الشرع والقانون؟ وتحضرني حادثة الفتاة التي أقدمت على الانتحار بعد أن أمر القاضي بتزويجها من مغتصبها، فقامت بإنهاء حياتها بيديها كي لا تتعرّض لهذا الحكم الذي تهاون مع مغتصبها وظلمها هي كآدميّة!

المتطرف الذي يجعل المرأة جلَّ همّه ويُعاملها كرقيق، يتساوى مع الأنظمة الديكتاتوريّة التي تستبيح عرضها بدم بارد! كلاهما يضع المرأة بين فكي الانتهازيّة! ريحانة ستُخلّد ذكراها وستُصبح أيقونة للشجاعة، ولو أصبحت لدينا عشرات من ريحانة لاستطاعت المرأة تغيير قدرها وأجبرت المجتمع على احترام كينونتها، لكن للأسف طالما الأسر تُسقي بناتها الخنوع ُوتُربي بناتها على أنها مخلوق ناقص الأهلية، ستظلُّ المرأة كبش فداء للرجل عصوراً مديدة!

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1302 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع