ليس واردا تاريخيا أن تقوم ثورة ببناء جيش لإسقاط نظام يتمتع بسيطرة أمنية شاملة وصارمة، ولديه قوات مسلحة كبيرة متكاملة التسليح والتدريب والتجهيز، وسخر إمكانات الدولة لحماية هياكله، فتحقق ما حققته الثورة السورية خلال سبعة عشر شهرا. وهو ما يقود إلى القناعة بوجود دعم خارجي مهم، لكنه غير كافٍ حتى الآن.
والدعم الخارجي هنا ضروري على كل الاتجاهات، بعد أن فقد الحاكم مقومات المواطنة بتدميره لبلده، واستناده إلى دعم خارجي سافر.
في مقال سابق، تطرقت إلى الموقف الشيعي من الثورة السورية، وتلقف البعض الوصف العلوي على أنه نمط طائفي في التعبير، من دون الوقوف عند العبارات الواردة. فما جرى التركيز عليه هو أن «تتحكم حفنة من الطائفة العلوية» في مصير الأمة السورية. والطرح لا يتعلق بجهة أو طائفة دون أخرى، حيث سجل الموقف الشعبي والرسمي لمعظم الدول العربية تقصيرا كبيرا، وحالات متدنية من التفاعل. فالموقف الجزائري مثلا مثير لكل علامات التعجب، بعد أن وقفت الدبلوماسية الجزائرية ضد الثورة السورية، وغاب عن الشعب الجزائري أي حماس لأبسط درجات التأييد لنصرة المظلومين!
ونتحول إلى مصر التي لم نجد لها خلال 17 شهرا من عمر الثورة السورية، موقفا يتفق مع ما تفرضه الاعتبارات الموضوعية، من استحقاقات على الدولة العربية الأكبر، للتحرك الفوري لوقف جرائم الإبادة. إلا أن خطاب الرئيس محمد مرسي في قمة عدم الانحياز أمس، شكل تطورا إيجابيا يمكن وصفه بالثوري إلى حد ما، واقترب كثيرا - من الناحية السياسية والإعلامية – إلى صقور التغيير. إلا أن المطلوب من مصر هو خطوات عملية لتعزيز قدرة الثورة على حماية المدنيين وتحقيق النصر. فالضغوط السياسية وحدها لم تؤد إلا إلى زيادة استهتار طاغية دمشق. والتعويض عن المطالبة بالتدخل العسكري يمكن تفهمه، في حالة تقديم الدعم اللازم لكبح هجمات التدمير للقوات الجوية، ووقف المجازر اليومية.
لقد فازت تركيا خلال السنتين الأخيرتين في تنافسها الطبيعي مع الدور المصري، واستطاعت أن تقطع شوطا كبيرا على طريق الاندماج في المحيط العربي. وأعطت سياستها اهتماما كبيرا للثورة السورية، انسجاما مع تقييم الموقف الميداني. وما كان الجيش الحر ليتطور إلى ما هو عليه لولا الدعم التركي والتسهيلات اللوجيستية والأمنية لتأمين وصول المساعدات الدولية إلى ميادين الصراع من أجل البقاء. فالجيوش تزحف على بطونها، فكيف إذا كان معها عبء المدنيين؟
وباستثناء الدول العربية الداعمة علنا للشعب السوري، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وقطر، والمسؤوليات الجسام التي ينهض بها الأردن، قيادة ومؤسسات وشعبا، تجاه أكبر موجات لجوء عبر الحدود السورية، وتولي القوات الأردنية مهمة حماية اللاجئين فور عبورهم الحدود، وتوفير أقصى ما يمكن من الإمكانات اللوجيستية، فإن الشعوب العربية مطالبة بالتحرك السلمي - من موريتانيا إلى اليمن - لتحفيز حكوماتها للوقوف إلى جانب السوريين في محنتهم وثورتهم. وحتى إذا انتهت مشاعر الربط التاريخي بين الشعوب العربية، فالمشاعر الإنسانية لا ينبغي أن تنتهي أو تتضاءل.
قيل إن الثورة الليبية أرسلت وسائل دفاعية متطورة للجيش الحر ولم تصل إليه، ربما لأسباب فنية. وعلى الرغم من أن المطلوب هو كل شيء، بما في ذلك الخبز، فإن كسر شوكة العدوان الجوي والمدرع ضروري للغاية، والجيش الحر قادر على استيعاب كل الوسائل المتقدمة المطلوبة لتحقيق هذه الغاية. وطبقا لما نقل عن مسؤول رسمي سوري فإن عدد من سماهم الفارين من الخدمة العسكرية بلغ 65 ألف شخص، وهو رقم يقل كثيرا عن الحقيقة التي دفعت طاغية الشام إلى استخدام القوات الجوية ونيران المدفعية عن بعد، لقصف المدن، ونسبة كبيرة من هؤلاء التحقوا بالجيش الحر، وسبق لهم تلقي تدريبات في كل صنوف وإدارات القوات المسلحة وأجهزتها.
منظمة إسلامية، وجامعة عربية، بلا إرادة، رغم قوة الدفع من صقور الخليج المؤيدة للشعب السوري! فالموقفان البريطاني والفرنسي تحديدا، والأوروبي عموما، أكثر قوة واندفاعا وشجاعة من مواقف معظم الدول العربية والإسلامية. وسقطت الشعارات القومية، في مرحلة اختبار تاريخي حاسم، تدك فيه المدن السورية بقنابل الحقد. وبعد أن فقد الشعب السوري الأمل في وقفة رسمية عربية قوية، هل تفقده «الغفوة» الشعبية العربية الثقة في كل ما رفع من شعارات، غالبا ما كتبها مثقفوه؟
462 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع