استوقفني خبر افتتاح مقهى في الصين روادها أشخاص يبكون .
فقد نقلت صحيفة (تشاينا ديلي) في طبعتها الصادرة في هونك كونك خبر افتتاح مقهى في شرق الصين يرتادها الذين لديهم مشاعر حزن عميقة تصل حد البكاء أو ذرف الدموع.
نظرت إلى المقهى بإمعان شديد، وجدتها فكرة رائعة ، تأملتها كثيرا، وصارت قناعتي أن اعمل مثلها في العراق.
الأهم في الفكرة أن أرباحها مضمونة، أما أنها طائلة فهذا ما توصلتُ إليه خلال مشاورات مكثفة سرية للغاية أجريتها مع نفسي استغرقت بضعة أسابيع.
أنها فكرة ممتازة وتنبؤاتي تعلمني أني سأكون في صف الأثرياء وأودع من غير رجعة رحلة المتاعب التي أنا فيها.
الصيني صاحب المقهى يفرض مبلغ (6) دولارات على كل زبون،أما أنا سأحدد التكلفة بدولارين ،لقناعتي أن العراقي لن يدفع الستة دولارات مقابل أن يبكي حتى لو جاءوا إليه بنبأ وفاة جده.
بدولارين، أقدم للزبون قدحا من الشاي يأتي في أعقاب صحن هريس مع توفير المزيد من المناديل الورقية لمسح الدموع .
زبائن كثرٌ لو أعدهم لا أحصيهم أبدا ، ما يعني أن الأرباح القليلة التي من المؤمل الحصول عليها من كل زبون تتكوم في النهاية حتى تصل إلى أموال طائلة.
أنا رجل لا أحيد عن القيم التي آمنت بها قبل سنين، كلما ازداد الباكون تزداد ثروتي، لذا سأقتني سيارة مرسيدس، آخر موديل، سوداء اللون، لها صافرة تجعر أقوى من جعير القاطرات ،ومن ورائي ينطلق أفراد حمايتي، وربما أذهب يوما إلى بيت السيدة (إيمان)،هذه السيدة التي أنكرتني وفضلت الزواج من رجل آخر، سأقف عند بابها، متكأ على سيارتي، انظر إليها ساخرا، وأقول :( هذا أنا كما ترين، خير ألف مرة من صاحبك هذا الذي تفوح منه رائحة الصوف).
الصيني صاحب المقهى وبحسب ما جاء في الخبر يستعين بعمال يتولون فرم البصل للمساعدة على إنزال الدموع برفقة موسيقى حزينة، أما أنا سأتجنب ما يفعله الصيني، لقناعتي أن العراقي لا يبكي حتى لو دثرته بالبصل ولن يتأثر بالموسيقى ، وعليه سأرش على زبائني رذاذ خفيف من الغاز المسيل للدموع وأجبرهم على الاستماع إلى مقاطع مختارة من طور المحمداوي.
الفقراء والعاطلون، لا اسمح لهم بالجلوس على المقاعد، اسمح لهم بالجلوس على الأرض،فهؤلاء وهم جالسون على الأرض يذرفون الدموع على نحو أفضل ،وإذا ما سالت دموعهم مدرارا فاعرف أن أنظارهم راحت نحو الهريس!!
للأرامل جناح خاص في المقهى، وربما أقوم بتوظيف الندابة (أم طاهر) فهي سيدة محترمة، أنينها و نواحها يدمي القلوب ويفتت الصخر.. إنها في الجناح بمثابة ألحافز نحو البكاء.
توقعاتي تشير إلى فرار الملايين من الأكراد قريبا،، إلى مناطق الوسط والجنوب، بعد حالة الذعر والفزع والخوف التي سادت الإقليم في أعقاب أنباء ترددت عن قرب نهايتهم.. الأكراد الفارون من قبضة العدالة ألسماوية لهم نصيبهم بالمقهى،سأخصص لهم مقاعد من الدرجة الأولى، ولزيادة أعدادهم أفتتح فروعا للمقهى في كافة أنحاء البلاد،ومائة دولار هي تكلفة الدخول للكردي الواحد ،وحتى ينهوا بكاءهم أقدم لهم ما يفضلون من أصناف المشروبات والمأكولات:لبن اربيل الشهير،تشريب السليمانية الشهير،وجلفراي شقلاوه الشهير،عندي كل أنواع المشهورين، وإذا دفعوا لي المزيد من المال أوفر لهم الحماية ألكافية ، سأدعي أن هذا الكردي أو ذك عربيا تعود أصوله إلى عشيرة بني بزون أو عشيرة بني أسد،لا فرق بين البزون والأسد.
أنا الآن بصدد وضع اللمسات الأخيرة للمشروع.
أنا الآن ابحث عن مكان مناسب يصلح أن يكون المقهى الأولى.
خلال بحثي صادفت (الحاج أبو ياسر) ، رجل متقاعد .
حتى إذا وقعت عليه أنظاري صحت يا الاهي كيف أنسى المتقاعدين؟ كيف لم يأتو على بالي؟ .
صافحته بحرارة،وبعد السؤال عن الصحة والأحوال والعيال،اخبرني انه قادم من دائرة رواتب المتقاعدين، قابضا مرتبه، قال:-( اليوم استلمت راتبي و الحاجة أم ياسر تطالبني كل يوم أن اشتري لها عباءة، وإذا سددت ما بذمتي من ديون سوف لا يبقى معي إلا ربع المبلغ المطلوب لشرائها... والله يمكن اشتري لها ربع عباءة) ثم اخذ يضحك ويضحك حتى انهار من الضحك.
الحاج الذي أوصلته غرابة الأوضاع حد السخرية والضحك عليها ، قادني إلى التفكير بتغيير طابع المقهى من مقهى للبكاء إلى مقهى للضحك. .
780 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع