الدكتور مهند العزاوي*
حروب الافكار يتبناها المغامرون ويوظفها الداعمون ويستفاد منها تجار الحروب وتكون ضحيتها المجتمعات والشعوب والدول... الكاتب
•الانهيار الاستراتيجي
•لوحة الشطرنج
•حروب الافكار
•اخر الحروب النظامية
يدشن العالم اليوم عهدا جديدا من الحروب اللامتناظرة واندثار القيم ألاستراتيجيه في ظل غياب فاعلية النظم السياسيه وتراجع النظرية الدولاتيه , وتفاقم ظواهر الحروب الافتراضية والحروب الاعلامية , وظاهرة صناعة العدو وتضخيمه , ويلاحظ ظاهرة الهروب الى الامام ونشر الرقع الحمراء الدموية في الشرق الاوسط والعالم العربي خاصة , وكما يبدوا ان سيولة مراكز الدراسات وضخامة التبجيل بالباحثين الاجانب والعرب لم تسعف متخذي القرار الدولي بشيء , , مما ترك باب التهديدات والمخاطر مفتوحاً من اوسع ابوابه , خصوصا في ظل اعادة اجترار وتسويق الفشل , وتجربه المجرب الفاشل الفاسد , والتقييد بنظريات عفى عليها الزمن لم ترتقي للتحديث وفقا للمتغيرات الحالية ومخرجاتها النازفة .
الانهيار الاستراتيجي
يتشكل المجتمع الدولي عادة وفق فلسفة السياسة الغربية من منظومة قوانين حاكمة متفق عليها دوليا , ونسق دولي متزن يرتبط بأبجديات التوازن الدولي , ومصالح مشتركة ترتبط بفلسفة التعاون والشراكة والتكافوء , وكذلك منظومة دولية مسلحة تطبق القانون الدولي وترسي السلم والأمن الدوليين , وكما يبدوا ان هذه التركيبه اندثرت بشكل كامل من خلال ما شهده العالم من خرق للقانون الدولي وغياب العدالة الدولية وانتقائية المعالجة للازمات والمخاطر , ولعل ما شهده الشرق الاوسط واوراسيا من تمدد دول كبيره على حساب دول صغيرة او ضعيفة خارج اطار الشرعية وباستخدام ادوات غير رسميه يؤكد اننا امام فوضى دولية تتسق بالانهيار الاستراتيجي للنظام العالمي برمته , ويلاحظ التحول الواضح في السياسة الدولية من منظومة القيم الى منظومة الفوضى وتجارة الحروب .
لوحة الشطرنج
يبدو العالم برمته كلوحة شطرنج وهناك فرق ان تكون لاعبا فائزا او خاسرا او متفرج , والذي تشغل دولته الرقع الاستراتيجية ذات الاهتمام الدولي لابد ان يكون فاعل في اللعبة ليتجنب ان يكون لاعبا خاسرا لكل شيء , وهذا ما تفعله دول عديدة ومنها دول الاقليم الذي تجعل من عالمنا العربي لوحة شطرنج تتبادل فيها رقع الهجوم والدفاع بفلسفة توظيف الموارد المتاحة والمستحصلة لتحقيق الغاية الاستراتيجية وأهدافها المنتظمة بتصنيف اهميتها وخطورتها وضرورتها , ومع الاسف نحن يوميا نخسر رقعة عربية لصالح الاطراف الاقليمية ومشاريعها التوسعية , وباستخدام ادوات مسلحة ممولة بكافة الوسائل الحربية بغية كسب جولات الشطرنج التي فقدها الطرف الاخر بإهمال او خوف او تخوف او رعب غير مبرر , ان لاعب الشطرنج يستخدم موارده بكافة قدراتها لتحقيق الفوز على الطرف الاخر , والعالم برمته يستخدم فلسفة الشطرنج والتي يجسدها بالرقعة العليا بالقوة الصلبة والرقعة الوسطى بالقوة الناعمة والرقعة الثابتة بالتنمية والدفاع ودرء المخاطر متى يتعلم الاخرون كيف يلعبون الشطرنج الدولي ؟
حروب الافكار
افرز اتساع فضاء الاتصال فوضى عارمة تمخض عنها حروب العقائد والأفكار , بما يؤسس لحروب ونزاعات افقية لا تعد ولا تحصى, وتهدد بالفناء البشري , خصوصا في ظل تبني بعض دول العالم للأفكار الشاذة الهمجية , وانتقائية المجتمع الدولي ومؤسساته في تصنيفها ومعالجتها , ولعل من ابرز التهديدات الحالية الذي ترتقى لسلم المخاطر هو التبشير المذهبي السياسي الذي يعد محركا للمليشيات الارهابية والتنظيمات المسلحة , والذي يبرر لهم القتل والهمجية والتمثيل بالجثث وتعليقها على قارعة الطرق في همجية قل نظيرها بالتاريخ , ولم تكن وليدة اليوم كما يصورها الاعلام بل كانت سمات وسلوكيات المليشيات المذهبية الارهابية المرتبطة بمشروع اقليمي عابر للوطن والدين والإنسانية في العراق والمنطقة , وعلى مدى عقد كامل لم تحرك تلك المجازر ضمير المجتمع الدولي والإنسانية والإعلام العالمي والعربي , وطمس ممثلي الامم المتحدة والجامعة العربية والمنظمات المعنية هذه الجرائم ضد الانسانية , حتى انفجرت ردود الافعال على شكل طوفان يزيح الحدود السياسيه والقيم الانسانية والأعراف المحلية كـ ظاهرة داعش التي استخدمت ذات الوسائل والطرق التي استخدمها سلفهم المليشيات العابثة بالإنسانية والقيم ضمن فلسفة الترويع والانتقام , نعم انها حروب الافكار التي يتبناها المغامرون ويوظفها الداعمون ويستفاد منها تجار الحروب وتكون ضحيتها الشعوب والمجتمعات والدول الفاقدة للحس الاستراتيجي وتصنيف التهديدات وتقييم المخاطر .
اخر الحروب النظامية
بات من الواضح ان الحروب النظامية انتهت منذ عام 2003 بعد غزو العراق بجيوش نظامية حشدت ضمن تحالف الراغبين لانتزاع اسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق وبلا تفويض دولي , وبعد هذا التاريخ لم نشهد حرب نظامية وقد يعود السبب الى خصخصة الحرب 1992 وتحول الجيوش النظامية الى فلسفة الجيوش الذكية الذي يعتمد تجزئة القوة ومكننة الحرب والتفوق الجوي الذكي المرتبط بالفضاء , وتطور الحرب المعلوماتية ونظم التعامل معها حربيا , ناهيك عن التجزئة النووية والحيازة المتطورة لها من قبل دول القدرة G5 , ومنذ بروز ظاهرة المليشيا سلطه في لبنان منذ عام 1996 رافقتها حروب ونزاعات المليشيات المسلحة بيافطات متعددة في البلقان واليمن والصومال والسودان والجزائر وقد زحفت بشكل مضطرد الى العراق بمباركه اميركية ودولية , وقد عززها المجتمع الدولي بالوصول الى السلطة ومنحها حوافز مالية ومادية ومعنوية وسياسيه في تخطي واضح للخطوط الحمر في النظم السياسيه والمتعلقة بالأهلية والمؤهلات والأهداف , وجرى ذلك على اثر تفكيك الدولة العراقية وحل قواتها المسلحة عن عمد من قبل الحاكم "بول برايمر " واسهم المبعوث الاممي "الاخضر الابراهيمي " في ارساء تجربة لبنان في العراق ( لبننه العراق) في بيئة عراقية رافضة لهذا المنهج نظرا لطبيعة العراق الحضارية والعصرية, ولكنه المخطط المطلوب تنفيذه , الذي فشل في ادارة الدولة وبعثر مواردها وهجر مجتمعاتها ونشر فلسفة الهمجية العابرة للإنسانية طيلة عقد كامل , وانتهت باندثار دولة العراق وحدوها السياسية وشياع ظاهرة الشيخ المسلح والمعمم المسلح ومليشيات الحشد الطائفي وداعش وووو , ليؤكد اننا امام حرب مفتوحة امدها عشرات السنين تطوع لها موارد بشرية محلية بدعم دولي خارجي , وعندما نراقب المسرح العربي نشاهد ان ظاهرة "المليشيا سلطة " التي رسخت بالعراق هي وقود الحرب اللامتناظرة بمواردها البشرية والمالية والمادية والإعلامية والفكرية , التي تفضي للفناء البشري العربي , وأضحت هذه التجربة الزاحفة مرسخة في اليمن وسوريا والسودان والصومال وليبيا والبقية تأتي وفقا لـ"نظرية الدومينو " نعم انها الفوضى الاستراتيجية وسطحية بعض مراكز الدراسات المنشغلة بالتلميع والتهليل وأسماع الراعي ما يحب سماعه وليس ما يستوجب سماعه من تهديدات محتملة ومخاطر آنية ووشيكة وتلك مهامهم وواجباتهم .
اصبح العالم العربي مسرحا لحروب لامتناظرة قد تستمر لعقود وأدواتها المليشيات والتنظيمات المسلحة وغطائها حرب العقائد والأفكار وداعيمها شركات السلاح والأمن الدولية , وضحاياها امن دولنا العربية وسلامة شعوبها المبتليه بالفوضى الاستراتيجية الدولية , ولعل اللوحة العربية القاتمة اليوم تفسر ما ذهبنا اليه من فكر ورؤية , وحتى اللحظة لم نشهد معالجات واقعية موضوعية للأسباب الموجبة التي اوجدتها الفوضى وحروبها بل ردود افعال حربية مبعثرة للنتائج بشكل بعيدا عن الواقعية والقيم الفكرية المنطقية ومخرجاتها التطبيقية .
*مفكر عربي
10/3/2014
639 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع