مرتكزات القوة الايرانية في المنطقة العربية/الجزء السابع:
8. مرتكز القضية الفلسطينية.
يعتبر مرتكز القضية الفلسطينية من أهم المرتكزات الايرانية الموجهة للعالم العربي خصوصا والعالم الاسلامي عموما , بعد ان اصاب الشعب العربي اليأس من كافة الانظمة العربية في صراعها مع الكيان الصهيوني ودعمها لحقوق الشعب الفلسطيني. لقد تراجعت القضية الفلسطينية على الأجندة العربية والاسلامية وبقيت تتصدر الاولويات لدى جمهورية ايران الاسلامية .
ان كافة دول المواجهة العربية قد وقعت اتفاقيات سلام مع دولة اسرائيل فعليا او هنالك هدنة عملية كما هو الحال على الجبهة السورية, بالرغم من اتفاقيات السلام الا ان الشعب الفلسطيني لم يحصل على شيئ يذكر غير سلطة ضعيفة منقسمة بين قطاع غزة والضفة الغربية , امام هذا التراجع انبرت ايران في دعم القضية الفلسطينية من خلال مساندتها لتنظيمين اساسيين هما حركة حماس وحركة الجهاد الاسلامي.
ومهما تكن دوافع ذلك الا ان ايران قد حققت انجازا كبيرا في هذا المحور والذي بات يطلق عليه محور المقاومة بعد ان اشترك به حزب الله اللبناني.
تعود علاقة جمهورية إيران الاسلامية بالقضية الفلسطينية الى زمن قبل سقوط نظام شاه ايران عام 1979 , حين كانت القيادات الثورية الايرانية المعارضة للشاه مطاردة في منتصف السبعينيات , فلجأ قسم منها الى لبنان ، وهناك تبنت منظمة التحرير الفلسطينية بعض عناصر المعارضة الايرانية فعملت على تدريبتهم واعدادهم للعمل السياسي والعسكري كما تم تسليحهم ودعمهم ماليا من أموال الثورة الفلسطينية لأنهم أعداء الشاه حليف إسرائيل الاستراتيجي .
بعد نجاح الثورة:
بعد نجاح الثورة الاسلامية كان الرئيس الراحل ياسر عرفات أول من استقبل في طهران مهنئاً بانتصار الثورة ، وفي خطاب لعرفات القاه بمدينة طهران , تفاخر بأنه درب عشرة آلاف عنصرإيراني في معسكرات فتح وأنه أعطاهم عشرة آلاف بندقية كلاشنكوف، كما اكد ان منظمة التحرير الفلسطينية ساهمت في تدريب عناصرالحرس الثوري، في المقابل قامت إيران بإعطاء منظمة التحرير الفلسطينية مقر السفارة الإسرائيلية في طهران لتكون سفارة لهم، وعين هاني الحسن اول سفيراً للمنظمة في طهران وجلال الدين الفارسي سفير ايران لدى المنظمة.
الحرب العراقية – الايرانية
نتيجة للموقف الحيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية من الحرب العراقية-الايرانية , اعتبرت إيران ذلك موقف عدائي تجاهها، وبذلك انتهت العلاقة الودية ودخلت مرحلة الجمود.
استغلت ماكنة الاعلام الايرانية قضية فلسطين في حشد المقاتلين وزجهم في الحرب العراقية – الايرانية , بادعائها انهم يقاتلون لتحرير المسجد الاقصى من خلال تحرير العراق وان تحرير القدس يمر من كربلاء , هذا الشعار كانت تردده في كل هجوم تشنه ضد القوات العراقية, وكم من اسير ايراني كان يقع في قبضة القوات العراقية ويٌستنطق حيث يقول "انا ذاهب الى القدس لتحريرها "وهو يقاتل في مدينة الفاو اقصى جنوب العراق .
يوم القدس
أعلن الامام الخميني عن يوم عالمي للقدس في شهر تموز عام 1979 والذي يصادف الجمعة الاخيرة من شهر رمضان المبارك, لتأمين حشدا اعلاميا كبيرا والتأثيرعلى عواطف الفلسطينيين والمسلمين عبر ترديد شعارات الموت "لأمريكا وإسرائيل"، واستخدم كمناسبة لحشد التأييد الاسلامي لجمهورية ايران في نزاعها مع الولايات المتحدة وحلفائها.
حركة الجهاد الفلسطينية
في الثمانينات تواصلت إيران مع حركة الجهاد الفلسطينية المغرمة لحد الان بالثورة الاسلامية في ايران حتى أصبحت مثار اتهام بان حركة الجهاد موالية لايران.
حركة حماس
لم ترحب إيران بالعلاقة اول الامر مع حماس حتى سنوات قريبة، لأنها تعلم أن حماس تتبع تيار الاخوان المسلمين ، كان هذا الموقف بتحريض من حركة الجهاد الاسلامي رداً على جهود الإخوان في رمي حركة الجهاد بالعمالة لإيران.
دعم إيران لحكومة حماس في غزة
اعلنت الحكومة الايرانية عن دعهما ومساندتها لحركة حماس بعد فوزها بالانتخابات وقيامها بتشكيل الحكومة الفلسطينية .
كما نٌشرت تصريحات لقيادات من حماس التي تضفى على إيران المصداقية في التعامل مع القضية الفلسطينية كما في تصريحات المرشد العام لجماعة الإخوان أو رئيس المكتب السياسي لحركة حماس حين قال لقناة العربية "إيران على الدوام منذ انطلاقة الثورة الإيرانية المظفرة وهي تأخذ مواقف جادة ومواقف كبيرة ومبدئية تجاه القضية الفلسطينية في مواجهة المشروع الصهيوني".
عوامل الدعم الايراني للقضية الفلسطينية:
يمكن تحديد اسباب عديدة للدعم الايراني للقضية الفلسطينية ومن اهما:
1.العامل الديني.
ينظر الاسلاميون في ايران أنَّ من واجبهم الديني العمل على تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني ,حيث تطرح شعارالتحرير كمبدأ في محاولة لاشعار الناس أنَّه لا أحد يهتم بالقضية الفلسطينية كدولة كما تهتم بها إيران، ، لهذا تعقد الندوات والمؤتمرات الدولية لنصرة القدس، والإيرانيون يقومون بالاحتفال في يوم القدس العالمي كما هو معروف في آخر جمعة من شهر رمضان .ا
ان النظام الايراني يؤمن بعقيدة عودة "الامام الغائب المهدي" حيث سيخرج ويقاتل بهم "انظمة الكفروالاستكبار"، وتكون لهم السيطرة التامة على الأرض ويقاتلوا اليهود لتخليص العالم من شرهم .
2.العامل السياسي .
تحقيق مكاسب سياسية عبر اقناع الفلسطينيين من أنَّ الدولة التي يمكن أن تحتضنهم وترعاهم هي إيران، حيث يطمح الإيرانيون أن تكون هذه الفصائل ورقة تستطيع أن تلعب بها وتخيف بها التيارات الأخرى السائرة في طريق التسوية السلمية مع اسرائيل, ولتكون هذه المقاومة ورقة ضغط تستطيع أن تحقق إيران من خلالها مكاسب سياسية كبرى، فهي تريد أن تفرض نفسها وبقوة تجاه الغرب والولايات المتحدة ، فهناك مشروع إيراني توسعي في مجابهة المشروع الأمريكي الاستعماري كما ان هناك المشروع النووي الايراني.
تحاول ايران قدر الإمكان أن تلعب مع دولة اسرائيل لعبة "العصا والجزرة"، فايران لا تعترف بها كدولة ، ومع هذا تعاونت مع اسرائيل سراً لأسباب اقتصادية وبراغماتية ، مثل ماحصل في فضيحة (إيران غيت) حيث كانت تتلقَّى إيران من اسرائيل إبَّان حربها مع العراق بعض الأسلحة, وقد اعترف بذلك رئيس الجمهورية الاسلامية في إيران (أبو الحسن بني صدر) على" قناة الجزيرة" بتلقيه دعماً عسكرياً من (إسرائيل) وبعلم الإمام الخميني.
وحقيقة الأمر أنَّ كلا الفريقين(الإيرانيين/ الصهاينة) يخشى بعضهم من الآخر، فالكل يحاول قدر الإمكان أن يؤثر في إضعاف الاخر, حيث تسعى ايران من خلال علاقاتها مع اكثر الفصائل الفلسطينية تشددا في تهديد اسرائيل ومنعها من محاولة ضرب إيران مما يؤثر على مشروعها النووي و تنميتها الاقتصادية والعسكرية.
3. العامل الاعلامي.
إيران لا تعمل داخل العالم كله إلاَّ لأجل مصلحتها، فتركيزها على قضية محورية إسلامية كفلسطين، يجعل الشعب الإيراني يتعاطف معها، وكذلك يجعل الشعوب الإسلامية وخصوصا التي تتعرض للاضطهاد للتعاطف معها، فيما غاب الحكام العرب حيث نادراً ما يتحدَّثوا عن القضية الفلسطينية ، بل كان جهدهم يتركز حول وقف المقاومة وجر الفصائل الفلسطينية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل والاعتراف بها كدولة ، أن أفضل وسيلة في كسب الشعوب الاسلامية حين يرون أن حكام إيران ومسؤوليها يعملون ضد الولايات المتحدة وينعتونها بأنَّها (الشيطان الأكبر) وينددون بالمجازر الصهيونية التي تجري على الارض الفلسطينية ، وأنَّ هذه العبارات تؤثر في عواطف الشعوب العربية وتسويغا لمواقفها بأنَّها دولة مقاومة وسباقة في الإدانة والاستنكار.
4.العامل الاستراتيجي.
يتجلى هذا السبب في قدرة ايران على دمج معطيات العامل السياسي مع العامل الاعلامي للخروج بنتيجة استراتيجية من خلال تبني دعم واسناد القضية الفلسطينة, فبامكان ايران توجيه الفصائل الفلسطينية المتحالفة معها لتوجيه ضربات الى العمق الاسرائيلي متى ما احست ايران انها في حاجة لتصعيد الموقف مع الغرب وبالعكس لها القدرة على تهدئة الموقف وحسب حاجاتها الاستراتيجية وينطبق هذا المنطق كذلك على الجبهة اللبنانية.
الدكتور وليـد الراوي
871 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع