د.عبدالستار الراوي*
منذ أن شن المالكي حرب التطهير الطائفي على الانبار والمحافظات الاخرى ، وعلى مرأى حرائق هذه الحرب وويلاتها،وما انزلته من صنوف المظالم وضروب المعاناة (القتل والتهجير) وماجرت به ايامها الدموية ولياليها الموحشة،
منذ أواخر عام 2012 إلى لحظة هزيمة مليشيا الجيوش الجرارة (سوات والعصائب والمختار) لم يسمع العراقيون للاسف صوتا لمرجع ديني أو إحتجاجا يصدر عن حوزة، في وقت كانت تتعرض فيه محافظات العراق الست كل يوم الى عمليات تطهير طائفي متعمد وابادة جماعية مسددة سلاحها نحو المدنيين ، تجتاح عرباتها المدرعة المدن والبلدات والقرى ؛ وتنهال على رؤوس أبنائها صواريخ ومقذوفات من كل صنف ، استخدمت فيها القوات الحكومية اسلحة ثقيلة وأنواعا من الذخائر المحرمة كان من بينها حمم المحق الواسع المعروفة بـــ(براميل المالكي) ورافق الحملات العسكرية موجات وحشية عاصفة، موجة إثر أخرى من الاغتيالات والتهجير والإعتقالات والتغييب القسري ، كان حزام بغداد هدفا منتخبا للتجريف البشري، مثلما كانت المستشفيات والمدارس والجامعات قد وضعت على لائحة القصف الجوي، وبدلا من مبادرة المرجعية الدينية لمنع حرب المالكي الدائمة على الاهداف المدنية ، وحقن دماء الابرياء ، بدلا من مؤازرة لائحة الحقوق الشعبية العادلة، والإحتجاج على التمييز المذهبي والمناطقي، وتحريم الدم العراقي، وتنبيه رئيس الحكومة بالكف عن حربه الدائمية ، وضرورة تلبية مطالب مواطني العراق وإيقاف حملاته العسكرية ، بدلا من ذلك كله وقف المرجع الكبير للاسف وهو يردد الدعاوى الحكومية ذاتها، مؤيدا إجراءات المالكي الدموية ، ولم يكتف السيد الكبير بالمساندة والدعم والتأييد ، بل وظف مركزه الديني سياسيا إلى الحد الاأقصى بأن اختار أن يكون طرفا رئيسيا مشاركا وفي مقدمة موكب الموت، بإعلانه التعبئة المذهبية الكبرى ، واعتبار حمل السلاح واجبا شرعيا في حملة التطهير الحكومية ؛ وهو يؤكد الذرائع المالكية والايرانية ذاتها (الارهاب ، التكفير ، داعش) وهو يعلم تماما بوصفه مواطنا إيراني الجنسية والإنتماء أن ليس من حق المواطن الاجنبي المقيم في بلد ما أن يتدخل في شأن داخلي يخص البلد المضيف ، وإلا اعتبر شخصا غير مرغوب فيه بصرف النظر عن مركزه الروحي ، وهو من بديهيات القوانين المحلية والاعراف الدولية ، ينطبق حتى على الدبلوماسيين الذين يتمتعون بحصانة قانونية ودولية ، وهو إجراء سيادي يجيز للدولة أن تتخذه تجاه الرعايا الاجانب، إستنادا إلى قوانين البلاد وكذلك المعاهدات الدولية التي تحظر على الاجنبي المقيم التدخل في الشأن الوطني ،وهو ما يجب تطبيقه على أي كائن يدس أنفه فيما لاحق له فيه ، حتى في جزر الواق واق ، وليس في العراق وحده ، طبقا لما أقدم عليه هذا الكائن من التحريض على القتل واشعال الحرب الاهلية وفق الفعل الذي قام به وهو أصدار بيان طائفي صريح يحرض فيه طائفة على طائفة أخرى ، بدعوتها لحمل السلاح للإنقضاض على المحافظات الست بذريعة حماية العتبات المقدسة ، إنها سابقة خطيرة تضاف إلى مواقف المرجعية الرشيدة من أحداث البحرين وتدخلها في ما لايعنيها .
التبرير الهش نفسه (حماية مراقد أهل البيت) سبق أن اعتمده حزب الله ليشهر سلاحه في وجه الشعب السوري .. وهي المخاتلة السياسية التي لاتنفك أحزاب ولاية الفقيه من رفع شعارها الدموي (يالثارات الحسين) .
إن موقف المرجعية هو للاسف يعني إستجابة فورية ، وتنفيذا حرفيا واضح المعنى لارادة صريحة الدلالة لامر الجمهورية الايرانية وهو التعبير العملي لما تسعى إليه طهران بعد أن صرح الرئيس روحاني نفسه ، بأن إيران لن تقف مكتوفة الايدي إزاء ما يحدث في العراق ، فشرعت بحشد قواتها على الحدود العراقية ، معلنة أنها تقف مع حكومة نوري المالكي (الشرعية) !! للقضاء على الارهاب على حد زعم الرئيس روحاني .. إن الحملة الدموية التي يقودها رئيس حزب الدعوة المعروف بسلوكه الطائفي وتاريخه الارهابي ، كشفت عن التحالفات غير الاخلاقية بين القوى الظلامية والدولية (أمريكا ، إيران، حزب الله ، النظام السوري) .
إن المؤسسة العربية لحقوق الانسان تطالب منظمات المجتمع المدني والمراكز المعنية بحقوق الإنسان إلى ضرورة التدخل الفوري لمنع الحرب الاهلية لوقف حملة التطهير الطائفي، التي أعدت لها حكومة نوري المالكي ، بالتنسيق مع الاحزاب الدينية والمليشيات المسلحة وفرق الموت ، ويتعين على المنظمة الدولية أن تبادر إلى إجراء قانوني عاجل بتشكيل لجنة تحقيق دولية محايدة تتحرى ماجرى ويجري من أحداث في عموم العراق ، لوضع فاصلة القول بين الوقائع والاوهام ، ولا يسع المؤسسة العربية إلا أن تدعو المرجعية الدينية إلى مراجعة قرارها حيال البلد المضيف واهله، وإلا فإنها ستكون طرفا مشاركا في المسؤولية عن أية قطرة دم تراق على أرض العراق .
عبدالستار الراوي
*المستشار العام للمؤسسة العربية لحقوق الانسان
14 حزيران / يونيو 2014
1206 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع