هنيئاً للأوكراينيين ربيع كييف...

                                           

                             آرا دمبكجيان

أصبح واضحاً إن الأحتجاجاتِ ضد الحكومة الأوكراينية في العاصمة كييف كانت بمثابة أنقلابٍ ضد الحكومة المنتَخَبَة ديمقراطياً.

و السبب الرئيس للإنقلاب الغربي هو لتقريب معسكرات الناتو نحو الحدود الروسية، و فرض البرامج الأقتصادية لصندوق النقد الدولي كغطاء رسمي لنهب أقتصاد البلد لمصلحة المصالح المالية الغربية.

تعتبر أوكرايينا تجمّعاً هشاً لمقاطعاتٍ أوكرايينية و روسية بعد أن دُمِجَت المقاطعات الروسية التقليدية في داخل حدود ما كانت تسمى بجمهورية أوكرايينا السوفييتية من قبل لينين و خروشجيف. فمنطقة القرم التي ألحَقها خروشجيف بأوكرايينا أنفصلت و عادت الى روسيا. و من المتوقع أن تنفصل الأراضي الروسية في شرق و جنوب أوكرايينا و تعود الى ملكية روسيا اذا لم يُعْطَ لها حق التمتع بحكم ذاتي ضمن أوكرايينا؛ و اذا أستمرت مشاعر الكراهية تجاه الشعوب الناطقة بالروسية من قِبل الحكومة التي نصبها الغرب في كييف فمن المحتمل أن تنفصل مقاطعات أخرى و تنضم الى روسيا.
في الوقت نفسه، يواجه الأنقلاب المدعوم من أمريكا من عقبات محتملة في النزاع الذي يتطور يوماً بعد يوم و القائم بين الجناح اليميني المنظَّم جيداً و بين من جاءوا الى الحكم بدعم واشنطن.  فإذا حصل أي نزاع مسلّح بين الطرفين، قد تضطر أمريكا الى إرسال قواتٍ لنصرة الحكومة الجديدة. و إن مجرد وصول قواتٍ أمريكية/أطلسية الى أوكرايينا قد يضع الرئيس الروسي بوتين تحت الضغط فيحتل ما تبقّى من المقاطعات الناطقة بالروسية كتحصيل حاصل.
----------------
بدأ النهب الغربي لأوكرايينا حتى قبل أستقرار المشاكل السياسية و الجغرافية.
أما الإعلام الغربي فلا تذكر الحقيقة كلها عن برامج صندوق النقد الدولي كعادتها في فضح أمور كثيرة على وسائلها المرئية و المسموعة. فحسب تقاريرها، و كما يعتقد الكثير من أبناء الشعب الأوكراييني إن صندوق النقد الدولي جاء لإنقاذ أوكرايينا من مشاكلها المالية عن طريق تخصيص البلايين من الدولارات...
أما في الواقع، لن ترى أوكرايينا دولاراً واحداً من تلك البلايين، لأن صندوق النقد الدولي سيجعل أوكراييا مُدينة اليه بدلاً من البنوك الغربية. إذ سيُعطي القروض الى البنوك التي ستُخَفِّض الديون الأوكرايينية بمقدار ما أستَلَمَتْه من الصندوق، فتُصْيح أوكرايينا مُدينة للصندوق بدلاً من البنوك الغربية. و صرَّح السيد كارل بيلدت، وزير خارجية السويد، بعد زيارته مدينة أوديسا الأوكرايينية في الثاني عشر من نيسان أن أوكرايينا تعاني من فسادٍ متجذِّر لا يمكن قلعه، في الوقت الذي أضحى الأقتصاد في حالة سيئة للغاية، و أنه يأمل أن برنامج الإصلاحات المموَّلة من صندوق النقد الدولي سيُحَسَّن الإقتصاد...
و ما هذه إلّا بداية عمليات النهب المبرمج بعد أن يفرض صندوق النقد الدولي شروطه القاسية على الشعب عندما تبدأ الحكومة (بجمع) المال اللازم عن طريق الضرائب لإيفاء الديون الجديدة. ستؤثِّر هذه الشروط الجديدة المفروضة على كاهل الشعب بتقليص الخدمات الأجتماعية  و رفع أو تخفيض الدعم الحكومي على الحاجيات الضرورية مثل الوقود، و من هنا يبدأ تدهور الظروف المعاشية المتدنية أصلاً. و في الوقت نفسه ستُباع الأصول الأوكرايينية و الصناعات الخاصة الى المستثمرين الأجانب.
ستفرض هذه المستجدات الأقتصادية قيام أوكرايينا بتعويم عملتها، و ستبذل جهوداً عبثية للحفاظ على قيمة عملتها من الأنهيار، فترتفع قيمة الواردات بعد أن يتفق المضاربون على بيع العملة لجني أكبر ربح مرتقَب، مما ستضطر أوكرايينا أن تطلب قروضاً أضافية لدعم عملتها في سوق مضاربة العملات. و هذا يعني أن المضاربين سيحصلون على معظم القروض الجديدة فتبقى أوكرايينا مستقرة في هاوية القروض. أما الفساد الناتج عن كل هذا سيكون خيالياً و هي محصلة الأحتجاجات الأبتدائية (أو ربيع كييف) التي قام بها المنخدعون بالوعود الغربية.
مستويات معيشة أوطأ، فساد أكثر،فقدان السيطرة على السياسة الأقتصادية للبلد ثم تحويل الممتلكات العامة و الخاصة الى المصالح الغربية.

و لم يضيِّع صندوق النقد الدولي دقيقة واحدة في مسعاها عندما أعلن عن أتفاق لتقديم قرضٍ مشروطِ الى كييف بقيمة 18 مليار دولار مقابل إجراء أصلاحات أقتصادية قاسية تفتح الطريق أمام مزيدٍ من المساعدات من الأتحاد الأوروبي و الولايات المتحدة على أمتداد السنتين القادمتين. و قال الصندوق في بيان له:"ستصل قيمة برنامج المساعدات الى 27 مليار دولار على أمتداد عامين في إطار دعمٍ مالي أشمل من المجتمع الدولي."
و أثارت ألأَزَمَةً الأوكرايينية أخطر مواجهة بين الشرق الروسي و الغرب الأمريكي-الأوروبي منذ نهاية الحرب الباردة و أنهيار الأتحاد السوفييتي و دول أوروبا الشرقية التي كانت سائرة في فلكِهِ و فاقت تداعيات الحرب الروسية-الجيورجية قبل عدة سنوات.
أودُّ أن أذكر مسألة مهمة في السياسة الروسية. روسيا لها منطقة نفوذ معيّنة تحاول إبقاءها تحت سيطرتها. لا يهم لون الثوب الذي يرتديه الدب الروسي، إذ كان أبيضاً في عهد القياصرة ثم أحمرَّ في أيام السوفييت و أصبح أبيضاً في عهد الأتحاد الروسي. أي تغيّر الحكم و بقيت سياسة الدولة نفسها.
و في تصريح أمام البرلمان قال رئيس الوزراء أرسيني ياتسينيوك وهو يفسِّر سبب قبول حكومته شروط صندوق النقد الدولي إنه من دون إجراءات التقشف التي فرضها الصندوق ممكن أن ينخفض الأقتصاد بنسبة 10 بالمائة هذا العام. و قال أيضاً:" أوكرايينا على شفا إفلاسٍ أقتصاديٍ و مالي و سيصل التضخم الى 12-14 بالمائة إذ بلغ العجز المالي 28 مليار دولار (289 مليار كريفنا)."
أما إذا وقعت أوكرايينا بين مخالب الناتو ستجد نفسها في تحالف عسكري ضد روسيا...فتكون هدفاً للصواريخ الروسية. و هذه بالذات مأساة أخرى لأوكرايينا و روسيا أيضاً، لأن للأوكراينيين أقارب في روسيا و للروس صلات رحمٍ في أوكرايينا. كانت الدولتان واحدة في المائتي سنة الماضية، و تمزيق وحدتهما من قبل النهب الغربي و طمع واشنطن في السيطرة على العالم لهو عار كبير و جريمة عظمى.
على الرغم من الأدلة و القرائن على نهب الغرب لدولة بعد أخرى، يتجه المزيد من الدول الى الأقتراض من صندوق النقد الدولي و (الأستفادة) من برامجها.
يبقى السؤال الأخير...لماذا توافق هذه الدول أن تكون عرضة للنهب؟
و الجواب ببساطة، أن حكوماتها قد قبضت الثمن مسبقاً...فهي مرتشية و فاسدة، أما الفساد الآتي في أوكرايينا سيجعل الحكومة السابقة تبدو كملاك برئ...

 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

513 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع