الانقلابات العسكرية في الجيش العراقي، وعمليات هدم البنية المهنية

الانقلابات العسكرية في الجيش العراقي، وعمليات هدم البنية المهنية

 

عــام
ست انقلابات عسكرية، نفذها قادة الجيش العراقي منذ تأسيسه، نجحت في تغيير شكل السلطة، وارست قواعد الهدم البنائي للقوات المسلحة،

استهلها الفريق بكر صدقي عام 1936، وختمها حزب البعث عام 1968، وهناك اخرى غيرها، اسهمت هي ايضا في عملية التهديم على الرغم من عدم نجاحها في الوصول الى السلطة، وذلك بتجاوزها على المعايير القيمية، ومخالفتها القانون. ولان الاولى الناجحة كانت معروفة، وكانت نتائجها في الهدم البنيوي ملموسة في حياة العراقيين وأمن واستقرار البلد، فسيتم التركيز في هذه الورقة على تلك التي لم تنجح، لنتعرف منها على كم الهدم الذي حصل من كليهما معا.

عدوى الانقلاب
لقد استطاعت الدولة العراقية بقدر معقول من حسن الادارة، وترتيب العلاقات، والمصالح مع ذوي النفوذ الدولي، من تجاوز آثار الانقلاب الذي قاده بكر صدقي، لكنها لم تستطع من منع حصوله،

فجاء الانقلاب الاكبر في 14 تموز 1958، وجاءت من بعده مباشرة مرحلة زمنية فاصلة، فتحت شهية العسكر لمزيد من الانقلابات، بدأت وتكررت بالضد من الزعيم عبد الكريم قاسم، فشلت في غالبيتها،

وكان اكثرها جرأة وخطورة على حكمه، تلك التي قادها العقيد الركن عبد الوهاب الشواف من حامية الموصل، يعاونه الرائد محمود عزيز(1). ببياناتها التي أذيعت بشكل متقطع من اذاعة محلية في 8 آذار 1959، وتحرك وحدات للسيطرة أولا على شوارع الموصل، وامتناع وحدات أخرى في بغداد ومحافظات اخرى عن التحرك، على الرغم من الاتفاق المسبق على تنفيذ الخطة، مما اعطى فرصة لعبد الكريم قاسم، بوضع وحداته بالانذار، وحشدها بالضد من الانقلاب، وتحريك طائرات من القوة الجوية لقصف مقر الشواف، قيل قبل إرسالها قد اتصل الزعيم بالشواف لمعرفة مطالبه، واطال الكلام معه بقصد إبقاءه في مقره، حتى وصول أول طائرة مقاتلة بقيادة م. أول طيار خالد سارة قصفت المقر، وتسببت بجرج الشواف، جرحاً نقل بسببه الى المستشفى التي قُتل فيها، فانهار الانقلاب، وَقُدِمَ العديد من المشاركين فيها والمؤيدين لها الى المحاكمة، واعدموا في ساحة ام الطبول ببغداد بوجبات ثلاث كانت آخرها صباح يوم 20 أيلول 1959، ضمت كل من:

العميد الركن ناظم الطبقجلي، والعقيد رفعت الحاج سري، والعقيد خليل سلمان، والمقدم الركن علي توفيق والمقدم الركن عزيز احمد شهاب، والمقدم اسماعيل هرمز والرائد توفيق يحيى أغا والرائد مجيد الجلبي والنقيب الركن داود سيد خليل والنقيب يحيى حسين الحماوي والنقيب هاشم الدبوني والنقيب زكريا طه، والملازم الاول حازم خطاب. علما ان وجبتين من الاعدام قد سبقت هذه الوجبة حوت الاولى كل من:

العقيد الطيار عبد الله ناجي والنقيب الطيار قاسم محمد أمين العزاوي والملازم الاول الطيار احمد مهدي عاشور، والملازم الطيار فاضل ناصر، والثانية كل من النقيب الركن نافع داود والنقيب محمد أمين عبد القادر، والملازم الاول سالم حسين السراج، والملازم مظفر صالح الامين، والملازم محسن اسماعيل عموري(2).

كما حدثت محاولة أخرى لاغتيال قاسم في 7 تشرين الاول 1959 خلال مروره في شارع الرشيد قادماً من وزارة الدفاع قاصداً سفارة المانيا الشرقية، متجهاً الى الباب الشرقي، أذ اطلقت عليه النار في منطقة (راس القرية) من جماعة مدنية تنتمي الى حزب البعث احد اعضائها صدام حسين. جرح على اثرها قاسم، وكذلك مرافقه، وقتل سائقه في الحال، ومات من مجموعة الاغتيال عبد الوهاب الغريري، وفر الباقين الى وكر، ربما لانتظار تحرك آخر لقلب نظام الحكم، لم يرد عنه شيء من قبل المتهمين. ومع هذا فان نجاة الزعيم، غيرت من الموقف، وفر الجناة بعدة اتجاهات داخل وخارج العراق، والقي القبض على غالبيتهم واحيلوا الى محكمة المهداوي، وبعد ان حكموا بالاعدام، عفى عنهم كعادته في تكرار الاعفاء.
بعد انتهاء حكم عبد الكريم في جمهوريته الاولى، بدأ حكم البعثيين الاول، وعلى الرغم من قصر الفترة الزمنية الا أن محاولات انقلابية عسكرية فاشلة قد جرت بالضد منهم، كانت الاولى بدفع من حركة القوميين العرب، اعلن المجلس الوطني لقيادة الثورة عن اكتشافها في 25 أيار 1963، واصفاً القائمين عليها بزمر معزولة من الحركيين والرجعيين والذيليين والانتهازيين، وكان العسكريون المشاركون فيها اللواء الركن عبد الحافظ العباسي، واللواء الركن سجاد المفتي، والعميد عبد الهادي الراوي، والعقيد جميل السعودي، والعقيد حمدي الحديثي، والمقدم جابر حسن حداد، والرائد الركن مزهر الزبيدي، والرائد رحيم سلمان العاني، وضباط آخرين، وخطة الانقلاب تقوم على دخول وحدات من المشاة الى بغداد بقيادة ضباط ناصريين، لاحتلال المراكز المهمة، بينها الاذاعة والتلفزيون، وتشكيل مفارز لمقاومة الدبابات، تتوزع على الاماكن التي تتواجد فيها دبابات للجيش قرب الاذاعة في الصالحية، مع التركيز على احتلال مقرات الحرس القومي في الكرخ والاعظمية من قبل مؤيدي الحركة وانصارها، بقيادة كوادرها السياسية، على ان يجري التنفيذ في الساعة الثالثة من بعد ظهر احد ايام الخميس، للاستفادة من حرارة الجو، ومن نهاية الدوام المبكرة، وقد فشلت الحركة بعد القاء القبض على الرائد رحيم سلمان العاني أحد المشاركين المهمين، الذي تبين انه قد فاتح زميله الرائد خير الله عسكر بامر الانقلاب، من باب الثقة اثناء جلسة لهم سوية في النادي العسكري، وهو الضابط الذي يتهمه القوميون أنه من افشى سر الحركة الى رئيس الاركان طاهر يحيى الذي قام بدوره في اخبار القيادة البعثية، فاتخذت اجراءات الاعتقال لاحباط الحركة.
ان محاولات الانقلاب العسكري على سلطة الدولة التنفيذية "الحكومة" التي بدأت اسلوبا للضباط في محاولة لتغيير وجه السلطة في ثلاثينات القرن الماضي، وشاعت سبيلا للوصول الى، والتحكم في السلطة، بعد نجاح قاسم 1958، لم تقتصر على الضباط، اذ وبعد انتشار خلايا الاحزاب "الشيوعيون والبعثيون" داخل بنية القوات المسلحة، انتضم فيها العديد من الجنود وضباط الصف، وتكونت منظمات للضباط واحيانا للمراتب، سرت الى نفوسهم حمى الانقلاب توافقا مع رؤى احزابهم او بدونها، مدفوعين بدوافع الثورية الانفعالية،

فكانت اولاها المحاولة التي سميت باسم صاحبها الشيوعي، نائب العريف حسن سريع المنسوب الى مدرسة الهندسة الآلية الكهربائية "قطع المعادن" يوم 3 تموز 1963، بعد ان حشد مجموعة جنود وضباط صف من تنظيمه، قاموا أولا بتحرير السجناء العسكريين، من بعض الوحدات في معسكر الرشيد، واغلقوا منافذ المعسكر، واعتقلوا بعض المسؤولين الحكوميين بينهم وزراء، وتوجهوا لاقتحام وكسر باب السجن العسكري الرئيسي "الرقم واحد" في المعسكر، حيث يقطن فيه بحدود (1200) ضابط، ينتمي غالبيتهم الى الحزب الشيوعي، كان من المؤمل اشتراكهم في الانقلاب، لكنهم فشلوا في تحقيق هذه الفقرة، وفشلت بسببها حركتهم، وحكم باعدام جميع المشاركين فيها(3).

بعد ان نجح عبد السلام في انقلابه العسكري على البعثيين، واستلامه السلطة كاملة في 18 تشرين، شرعوا هم اولا بالتخطيط للانقلاب عليه، وكانت اكثر المحاولات جدية تلك التي اتهمت فيها السلطة، حزب البعث بنية القيام بحركة انقلابية ليلة 4/5 أيلول 1964، وذلك باستغلال سفر الرئيس الى مصر، لحضور مؤتمر القمة العربية في الاسكندرية، وعلى اساس الاعلان هذا استبقت السلطة الحزب المذكور باجراءات احترازية قبل التنفيذ، وانتهت بزج المزيد من البعثيين العسكرين في الاعتقال.
لقد تعرض عبد السلام لعدة انقلابات عسكرية، من جهات حزبية، اذ وبالاضافة الى محاولات البعثيين كانت هناك محاولات من قبل القوميون، الذين قادوا في فترة حكمه، واخيه عبد الرحمن أكثر من انقلاب،

اغلبها بقيادة اللواء الطيار الركن عارف عبد الرزاق قائد القوة الجوية، ثم رئيس الوزراء كانت اولها في 16 أيلول عام 1965، انقلاب حسبته الصحافة الغربية بينها جريدة التايمس اللندنية الاغرب في التاريخ(The oddest coup in history) ، حيث الفشل السريع على الرغم من أن قائده يقوم بمهام رئيس الجمهورية نيابة عن الرئيس الذي يحضر مؤتمر قمة عربية في المغرب، وهو في الاصل رئيس الوزراء، ووزير الدفاع وقائد القوة الجوية عملياً،

ومعه العميد الركن صبحي عبد الحميد وزير الخارجية، والعميد الركن عبد الكريم فرحان وزير الارشاد، والعقيد الركن عدنان ايوب صبري سكرتير رئيس اركان الجيش، والعميد الركن محمد مجيد آمر كلية الاركان، والعميد نهاد الفخري مدير المخابرة،

والعقيد الركن هادي خماس مدير الاستخبارات العسكرية، والمقدم الركن عرفان عبد القادر وجدي آمر الكلية العسكرية، والمقدم الركن فاروق صبري، والرائد عبد الامير الربيعي، هذا ويحمل غالبية المتابعين والمؤرخين الفشل الى عارف عبد الرزاق، الذي لم يقبل حصول قتال بين الوحدات العسكرية، أو بين المدنيين في الشارع، قد يؤدي الى خسائر كبيرة، لذا كانت الخطة مرتبكة وغير واضحة، ومسألة الجزم في تنفيذها مفقود.

كذلك خطأه بمفاتحة ضباط محسوبين على عبدالسلام، مثل العميد سعيد صليبي الذي سارع بتهيئة قوات موالية له ولعارف اسهمت في احراج عارف شخصياً، وارغامه على مغادرة العراق بطائرة عسكرية الى القاهرة، ليحل لاجئاً سياسياً هناك.

لكنه عاد سرا الى العراق بعد تسنم عبد الرحمن عارف رئاسة الجمهورية، ليقوم بمحاولته الثانية في 30 حزيران 1966 بالضد منه أي عبد الرحمن هذه المرة (4).

ان مسلسل الانقلابات العسكرية لم يتوقف بعد عودة حزب البعث الى السلطة ثانية في 17- 30 تموز، وقد اعلن في 20 كانون الثاني 1970 عن اكتشاف محاولة انقلابية،

يتزعمها اللواء الركن عبد الغني الراوي، والعقيد صالح مهدي السامرائي، بدعم من شاه ايران، التي لجأ اليها الراوي بعد انقلاب 1968، بعملية اسميت "الغزال" تبين ان ضباط بعثيين، بينهم النقيب حامد الورد، كانوا ضمن تشكيلات المحاولة قد افشوا سرها الى مكتب العلاقات العامة "المخابرات" الذي ادار شأنها حتى الكشف عنها قبل التنفيذ، بقيادة الراوي، ومعه العقيد سلمان الدرگزلي، والعقيد صالح السامرائي، والعقيد الركن محمد عباس مظلوم، وجابر حسن حداد، ومفتن جار الله، وصفوك ريكان، والمقدم الركن كمال الراوي، ومدير الشرطة المتقاعد شكري محمود، والمقدم الطيار الركن علي عواد محيسن، وآخرين، وقد شكلت محكمة خاصة ، حكمت باعدامهم بعد اعتقالهم بقليل، علماً ان النقيب حامد الورد قد كُرم برتبة أعلى بعد افشال المؤامرة، واسندت له مهام مدير امن بغداد ثم مدير مقاومة الطائرات، حتى أعدم وهو برتبة لواء ركن في حادثة تطاول على صدام، قيل انه كان حاضراً فيها، ولم يبلغ عنها.

محاولات الانقلاب على الذات الحزبية
كانت الانقلابات العسكرية الشائعة في العراق تأتي من الجهة المقابلة للحكومة، حتى مجيء البعث ثانية ليقللها بدرجة كبيرة، لكنه لم يستطع القضاء عليها نهائياً، بسبب التمرد (الميل الى الانقلاب) الموجودة في الذات الحزبية، العسكرية ، أذ سرعان ما تحول صوب الرفاق من الجهة الواحدة،

فكانت محاولة اللواء ناظم كزار في 30 حزيران 1973 نموذجاً، بعد ان استغل موقعه الحزبي المتقدم والوظيفي العالي كمدير للامن العام، حاول اغتيال البكر وصدام وبعض اعضاء القيادة والحكومة فور عودة البكر من زيارة الى بلغاريا، وخلالها قام بتوزيع خلية قناصة تابعة له على اماكن مشرفة في المطار،

واستدرج في الوقت ذاته وزير الدفاع اللواء حماد شهاب، والفريق سعدون غيدان وزير الداخلية، والعقيد الركن عدنان شريف عضو المكتب العسكري الى أحد مقراته في الفضيلية لمشاهدة بعض التطورات الفنية، وقام باعتقالهم في الموقع، واستقر هو في المقر يتابع التلفزيون الذي من المؤمل ان ينقل حادثة الاغتيال، ليقوم هو بعرض المعتقلين كمتآمرين على الحزب والثورة، ويشكل محكمة، ويعدمهم، ثم يدفع الباقين من اعضاء القيادة، وتحت تأثير دوره في كشف المؤامرة والسيطرة على الموقف بتعيين قيادة قطرية جديدة، ومن ثم حكومة جديدة. الا ان تغييراً غير محسوب قد طرأ على عودة البكر الى بغداد في اليوم المحدد، يرجع الى قيام الرئيس البلغاري جيفكوف "حسب رواية الحزب" بتأخير عودته، لرداءة الاحوال الجوية، فقضى ليلته في ڤارنا على ان يعود في اليوم التالي، فتحول البث التلفزيوني الرسمي من المباشر بمنطقة المطار الى برامج اعتيادية، اعتقد گزار ان السبب يعود الى كشف المحاولة، وبالوقت نفسه وعندما تأخر البكر، وعاد المستقبلون الى دوائرهم وبيوتهم، سحب آمر مفرزة القنص مفرزته عائداً الى الفضيلية، مما دفع ناظم كزار باصطحاب أسراه، والتوجه صوب الحدود الايرانية من جهة زرباطية في الكوت، دون تخطيط مسبق لهذه الخطوة، التي جاءت ارتجالية بوضع نفسي كان فيه مضطرباً، دفعه الى قتل وزير الدفاع، وجرح وزير الداخلية، ومن ثم التحصن في مركز الشرطة الحدودي، مطالباً تصحيح حركة الحزب ومسار الثورة، فهاجمته قوات من الحزب والحرس الجمهوري وطيران الجيش، واعتقلته بامر من صدام على أن لا يتكلم، وفعلاً أُغلقَ فمه بشريط لاصق حتى وصوله الى بناية المجلس الوطني، التي يتخذها صدام مقرا له، الذي قام هو بالتحقيق معه، حتى قيل ان اصوات الطرفين كانت عالية، بعدها خرج صدام منفعلاً ليأمر حمايته، بأخذه، فوجدوه مقتولاً برصاص في رأسه وصدره، وروايات اخرى تضيف بقطع لسانه(5).
ان طريقة الاعتقال والتحقيق، والقتل الفوري لناظم كزار، جعلت البعض يضع لصدام دوراً في المحاولة، قائلاً انه من طالب البكر بالتأخر عن العودة لوجود خطر على حياته، لمعرفته المسبقة بتطوراتها، فصاغ سيناريو دفع ناظم گزار الى الهروب، وما نقل عن تدخل الرئيس البلغاري لتأخير العودة، كان من ضمن السيناريو الذي وضعه صدام بعناية، ليتخلص من گزار والوزراء المذكورين، ويسيطر على البكر باعتباره منقذاً له. لكن هذا القول لم تثبت صحته عملياً، لان گزار وما رشح عن مواقفه وآراءه، التي سبقت المحاولة تعطي مؤشرات عن انزعاج له من تكرتة الدولة، وبصدده يذكر السيد شوكت خزندار انه وعندما كان احد اعضاء مكتب منطقة الوسط للحزب الشيوعي، استلموا تقريراً من صديق مقرب للحزب وردَ فيه، ان احد اشقاء الكادر الحزبي فلاح الكردي من أهالي السليمانية، المتزوج من شقيقة ناظم كزار، كان قد أفشى كلاماً عن گزار قبل المحاولة، نصه "هذا ليس بحكم حزب البعث، انه حكم عشيرة وبالاخص حكم عائلة... يسموني أنا شيعي وشروگي، والله لن اجعل تكريتي يعيش حتى لو كان في آخر الدنيا، وارض تكريت لن تعيش فيها حتى الحشرات مدى الدهر" (6).

انتاج الانقلاب داخلياً
في حقبة حكم البعث، خاصة زمن صدام، تعسكرت الدولة، وتحولت الى مؤسسة امنية، وبدأت هي من ينتج المحاولات الانقلابية او الادعاء بحصولها، انقلابات يمكن عد بعضها وهمية لتحقيق اغراض سياسية متعددة مثل:
1. التخلص من معارضين، يشكل وجودهم خطراً، كما هي المؤامرة التي اعلن عنها محاولة انقلابية في كانون الثاني 1969 لشبكة تجسس تعمل لصالح اسرائيل، بامتدادات تنظيمية سرية مؤلفة من عبد الرحمن البزاز، واللواء الركن عبد العزيز العقيلي، وآخرين، فتشكلت على اثرها محكمة خاصة، اصدرت احكاماً سريعة على المتهمين المذكورين. وهذا اتهام مشكوك بصحته، لنزاهة وسمعة وتاريخ الرجلين، وكانت غايتها التخلص منهما باي ثمن.
ومن بعدها اعلن من على تلفزيون بغداد، عن مؤامرة اخرى، اشترك بها السيد مهدي الحكيم، غايتها قلب نظام الحكم، رُبطت ايضاً بخلية تجسس لصالح امريكا واسرائيل، شكلت على اثرها مجموعة عمليات خاصة، من جهاز المخابرات لملاحقة الحكيم، الرجل الذي كان فاعلاً في المعارضة بالضد من النظام حتى اغتالته في كانون الثاني 1988 بالسودان. كانت غايتها التخلص من السيد الحكيم الذي عرف بنشاطه المعارض ضد النظام.

2. التخلص من الرفاق، الذين يمكن أن يكونوا خصوم أو معرقلين، كما حصل لعضو القيادة القومية عبد الخالق السامرائي الذي الصقت به تهمة التآمر، لقلب نظام الحكم مع ناظم كزار، ولبعض اعضاء القيادة القطرية والكادر المتقدم للحزب "مجموعة محمد عايش" بينهم قادة عسكريين،

مثل اللواء الركن وليد محمود سيرت، قائد فيلق، وآخرين اللذين اتهموا بالاعداد لانقلاب مدعوم من سوريا حافظ الاسد، مع بداية استلام صدام للسلطة، باسلوب يفسر انقلاب منظم قام به هو على البكر. من صياغة وقائعه يتبن انه جاء للتخلص من جيل بعثيين قد يقف احدهم بالضد من اعتلاءه السلطة، وقد يقف آخرين عثرة في طريق استلام أخوته غير الاشقاء والقريبين من عائلته المراكز المهمة في السلطة.
3. تبرير التصفية الخاصة بمن ينتقد حكم الحزب ومن يتطاول على صدام وعائلته، كما حصل للفريق عمر الهزاع الذي اطلق في جلسة خاصة ببيته عام 1990 بضعة نكات عن صدام، تعبث في الاوراق القديمة لنسبه المجهول، واعدم بعد قص لسانه وتهديم بيته، وكذلك اللواء الطبيب راجي عباس التكريتي، الذي قيل انه قد رمي الى كلاب قصي حتى قضت عليه نهشاً.
4. الخشية من التجمعات العسكرية التي يجري فيها نقاش سياسي، وانتقاد للسلطة، أو التفكير بالعمل ضدها، كما حصل مع مجموعة ضباط "عشرين ضابطا" بينهم العميد الركن عبد الرحيم السوز، والعميد الركن حسن جاسم، والعميد الركن حسن خادم، والعميد الركن حسن الساعدي، والعميد مهدي صالح الدفاعي، والعميد الركن سعدون رسن، والمقدم الركن حسين زاهي حمزة، وآخرين. بعد ان سجل كلامهم احد الضباط كان حاضراً معهم الى دعوة عشاء، جمعتهم ضباط غالبيتهم معلمين في الأركان، وبعض المدارس العسكرية، حوكموا بتهمة التآمر واعدموا في الحال.

بعض معالم الهدم في البنية المهنية العسكرية
نجحت في العراق وخلال تاريخه الحديث محاولات انقلابية، أزاحت السلطة، وكونت سلطة جديدة، وغيرت معالم الدولة والمجتمع، وسجلت في مسيرته محاولات فاشلة، هي امتداد لتلك الناجحة من حيث النوايا والاهداف، مع بعض الاختلافات التي تتعلق باقتصار الفاشلة على مجموعة قليلة من الضباط، ومحدودية مرجعياتها السياسية، وضعف ارتباطها بالخارج، وسرعة أفولها، "مع بعض الاستثناءات". كانت بمجموعها اي الناجحة والفاشلة رقماً يعد كبيراً في مجتمع نامٍ مثل العراق، منه يمكن وصف الحالة والسعي لتحقيق فعل الانقلاب خاصة بين الاعوام (1958 – 1968) بالجشع الانقلابي غير المحكوم بالاعتبارات والدوافع الوطنية، ومنه يمكن التأشير الى انه فعل نجح او لم ينجح فقد ترك آثاراً تعد من بين العوامل التي اسهمت في هدم البناء المهني للقوات المسلحة العراقية قبل تنحيتها جانباً من سلطة الاحتلال عام (2003)، هدم جاء بعضه على المستوى العام حيث الخيانة العظمى للامانة، والتجاوز على الحصانة الوطنية، وجاء بعضه الآخر من السلوك الاجرائي اثناء عملية التنفيذ، اجتمعتا معاً، فانتجتا هدم لجدران البنية العسكرية في المجالات الآتية:
1. الاخلال بالقيم العسكرية. وذلك بتحدي الانقلابي ضوابط الخدمة المهنية، واهانته القصدية، مهام الدفاع عن الواجبات العسكرية، التي تفضي بالتكرار الى الاقلال من قيمة العسكرية داخل نفوس العسكريين والمواطنين في آن معاً.
2. تصدع الضبط العسكري. لان الضابط القادم لتنفيذ الانقلاب، مخالف للضوابط العسكرية، والاستسلام لاوامره من قبل القائمين على الحراسة، تحت تهديد السلاح مخالفة أيضاً، نتيجتها بكلتا الاتجاهين هدم للضبط العسكري.
3. الطعن في الاخلاق العسكرية. لان في الانقلاب حتمية التعامل غير الموزون من الضابط الادنى المكلف بتنفيذ اوامر الانقلاب أحياناً، مع الضابط الأعلى في المنصب، المطلوب تنحيته سبيلاً لانجاح خطة الانقلاب، وهنا يجري في الغالب تصادم لما يتعلق بالقدم العسكري بطريقة قوامها، خرق الاحترام القيمي، اذ قد يرفض الضابط الاعلى اوامر الازاحة التي تكون في العادة شفوية في ظروف توتر، يمكن ان تُصَعِد الرفض تحدياً، أو الخنوع تخاذلاً، وكلا الاتجاهين يدخلان الضابط الادنى في المزيد من التشدد، يصل الى الاهانة والتجريح، او المزيد من الانتعاش بفرض سلطته التي تفضي الى الشعور بالمهانة لدى خصمه الضابط الاقدم منه عسكرياً. وهذه مواقف تكررت في غالبية الانقلابات الناجحة والفاشلة، لا تقتصر بطولتها على الضباط، اذ يدخل ضباط الصف والجنود المنفذين على الخط باعتبارهم الاداة الميسورة للضابط لتحقيق التنفيذ، وكما يحصل للضابط الادنى في موقف المواجهة، والتصادم يمكن ان يدخل المراتب على الخط، ويشهروا السلاح بوجه المقصود، او يستخدموا اسلوب التهديد الذي يشعر المقابل بضآلة نفسية، تنتقل آثارها الى الغير عند التكلم عن تفاصيل حدوثها للمعارف والاصدقاء، وعن ذم القائمين بها، وانتقاد اساليبهم المخالفة، فتصبح بالمحصلة جرح نفسي اخلاقي، يستمر بالنزف في عقول الضباط فيخل بالتزاماتهم الوطنية والعسكرية، دون ان يقصدوا ذلك على مستوى الشعور.
4. الاخلال بالتراتب العسكري. ان النجاح في تحقيق الانقلاب الذي يؤسس لدى الضباط المنفذين مساعي لقطف الثمن، ترقيات ومناصب أعلى، اخل حدوثها في سلم التراتب العسكري والضوابط العسكرية، بعد ان اعطى الانقلاب أحيانا فرصة لضابط مغمور برتبة نقيب مثلاً، أن يترقى بيوم واحد بعد نجاح الانقلاب الى رتبة لواء، وهو وان حمل هذه الرتبة العالية بقيَّ محتوى تفكيره وطبيعة سلوكه المغامر، الشكاك على حاله، مضافاً له تضخم الأنى بمقدار يرى من خلاله أنه الأكفأ والأفهم والأقدر، كما ان الفشل يدفع السلطة الى التنكيل بالضباط المنفذين سجناً وتعذيباً بطريقة تحط من كرامتهم، وأقل اجراء يطال المشكوك باشتراكهم هو احالة على التقاعد، تبقي الضابط مكبلاً بنوع من الشعور بالحيف، يدفعه الى التحامل على السلطة والمؤسسة العسكرية في آن معاً.

الخاتمة
ان الانقلابات الناجحة منها والفاشلة، كارثة اجتماعية وعسكرية وسياسية، لا تتوقف آثارها المباشرة وغير المباشرة على البنية العسكرية للقوات المسلحة، وضوابطها العسكرية، بل وتتعداها الى جوانب أخرى في العلاقات المهنية بين الضباط والمراتب، وبين بعضهم البعض، علاقات صدعتها الحروب والانقلابات، لتمتد الى جوانب الاحتراف المهني العسكري التي تصدعت هي الاخرى، عندما فتح البعض من الضباط، عقولهم ليس للتطوير والبناء، وانما للتآمر والانقلاب، فكونوا اتجاهات هدم لأسيجة العسكر يصعب اصلاحها. والاكثر خطورة في مجالها امتدادها الى بنية المجتمع العام الذي أصبح جزءاً من الانقلاب، مؤثر ومتأثر في معادلة كانت نتيجتها خسارة المجتمع لعسكرهم، وخسارة العسكر لدعم وتأييد وحب مجتمعهم، يصعب تعويضه في وقت قريب، وان قدموا له الكثير من التضحيات.

المصادر
1. اللواء الركن حازم احمد العلي (1987) انتفاضة الموصل، القصة الكاملة للثورة، الدار العربية، بغداد.
2. اللواء الركن حازم احمد العلي(1987) مصدر سابق.
3. علي كريم سعيد (ب.ت) العراق البيرية المسلحة، حسن سريع وقطار الموت، 1963. دار الفرات للنشر والتوزيع.
4. شهادة اللواء الطيار الركن ممتاز السعدون، جريدة الناس العدد 224 الاثنين 9/4/2012.
5. بلال الويس، تفاصيل حركة ناظم كزار، المراقب العراقي العدد 393 الاثنين 10 تشرين الاول 2011.
6. شوكت خزندار، الحوار المتمدن، العدد 1636 – 8/8/2006.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1049 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع