الملك غازي ومرافقه فؤاد عارف.. حقائق مطوية
بعد مقتل بكر صدقي وتقديم حكمت سليمان استقالة وزارته، شعر الملك غازي أنه أصبح معزولا سياسيا، نتيجة تنامي دور بعض الشخصيات السياسية المناوئة له مثل نوري السعيد وطه الهاشمي، لاسيما بعد أن شعر بضعف وزارة جميل المدفعي ومحاولة الأخير التخلص منه عن طريق تأسيس (مجلس العرش) ، الأمر الذي جعله يفكر بإيجاد تكتل ملكي خاص به، يضم بعض المدنيين وفي مقدمتهم حكمت سليمان، وعسكريين من أتباع بكر صدقي والضباط الموالين له.
وقد أعرب الملك غازي لفؤاد عارف عن رغبته بلقاء حكمت سليمان الذي كان تحت المراقبة (الإقامة الجبرية) آنذاك، وكان من الصعب بان يتم لقائهما بشكل علني، إلا أن مرافقه فؤاد عارف أوضح للملك بأنه يستطيع إحضار حكمت سليمان إلى القصر الملكي، لان دار الأخير ملاصقة لدار خاله ماجد مصطفى في منطقة الصليخ، ولما كان فؤاد عارف يتردد على دار خاله بصورة اعتيادية، فان ذهابه إلى بيت حكمت سليمان وإحضاره للقاء الملك لن يثير الشكوك، وقد تم اللقاء عندما قام فؤاد عارف بإحضار حكمت سليمان إلى القصر الملكي بواسطة سيارة الخضار (المسواك) التابعة للقصر، واستمر اللقاء ساعة واحدة، ثم أرجعه إلى دار خاله ماجد مصطفى مرة أخرى، ويذكر فؤاد عارف أن ذلك اللقاء كان الوحيد بين الملك غازي وحكمت سليمان الذي تم عن طريقه، ولم تكن هناك لقاءات أخرى حسب علمه.
من جانبها فان (التحقيقات الجنائية) علمت باللقاء، إذ حضر رئيس الوزراء جميل المدفعي إلى القصر في اليوم التالي، ودخل غرفة المرافقين وطلب من فؤاد عارف الخروج معه، ليخبره أنه على علم باللقاء الذي تم بين الملك وحكمت سليمان الليلة الماضية بوساطته، وطلب جميل المدفعي من فؤاد عارف أن يخبره ما جرى في تلك الليلة، إلا أن فؤاد عارف رفض الطلب بشكل قاطع، إذ رفض الرد بالنفي أو الإثبات ، لان ذلك يعد حسب اعتقاده من أسرار الملك، وقد انفعل من كلام جميل المدفعي، وقال له: ((.... انتم آمرونا وبدل أن تعلمونا الأخلاق والأمانة أراكم تعلمونا التجسس والخيانة..... والله سيدي أنا لست جاسوسا.....)) ، كما طلب من جميل المدفعي أن يأمر بنقله إلى مكان آخر. وقد ترك ذلك الموقف انطباعا حسنا عن فؤاد عارف لدى رئيس الوزراء جميل المدفعي، كان له أثره في إنقاذ فؤاد عارف من بعض المشكلات التي واجهته، كما أن المدفعي اخبر الملك غازي بموقف فؤاد عارف.
تلقى الملك غازي دعوة من السفير البريطاني (موريس بيترسون Maurice Peterson) لحضور حفلة شاي في السفارة البريطانية، وجاءت تلك الدعوة في إطار محاولات تحسين العلاقات بين الملك غازي والسفارة البريطانية، وقد وافق الملك على تلك الدعوة، واصطحب معه فؤاد عارف الذي كان المرافق الخفر في ذلك اليوم، وقد استقبل الملك بحفاوة، وكان طابع المجاملة سائدا في ذلك الحفل، إلا أن تلك الأجواء لم تستمر طويلا، فقد لاحظ فؤاد عارف أن هناك امرأة كانت تحاول التقرب من الملك للانفراد به، وفي الوقت نفسه شاهد فؤاد عارف وجود مصور مختبئ بين الأشجار الكثيفة في السفارة البريطانية، وكانت تلك المرأة تشير للمصور لالتقاط صورة لها مع الملك غازي دون علمه، وعند ذاك ذهب فؤاد عارف إلى المصور وسأله فيما إذا كان استأذن من الملك قبل التقاط الصورة له مع المرأة، فجاء جواب المصور بالنفي، ما أدى إلى استياء فؤاد عارف من المصور وطلب منه إتلاف الفلم، وقد لفت ذلك الموقف انتباه الحاضرين، فبادر السفير البريطاني بدوره للتدخل تلافيا للموقف.
وقد اعتقد فؤاد عارف، أن الملك لم يكن راضيا عن تصرفه، فاعتذر له، إلا أن الملك غازي شكره لما قام به لصيانة سمعته.
استمر فؤاد عارف مرافقا للملك غازي لغاية الخامس من تموز عام 1938، إذ تم نقل جميع مرافقي الملك واستبدالهم بآخرين، وعندما نقل فؤاد عارف من منصب مرافق الملك غازي نقل معه كل من المرافق الأقدم للملك المقدم (رشيد علي)، والمرافق الرئيس الأول عبد القادر ياسين التكريتي، وجاء بدلا عنهم كل من الزعيم (العميد) (عبد الوهاب عبد اللطيف)، والرئيس الأول (سامي عبد القادر المفتي، والملازم الأول جلال ذنون الأسعدي) ، وبشان نقل فؤاد عارف وزملائه فان ذلك لم يكن نقلا اعتياديا أو تحقيقاً لرغبة الملك، إذ كان الملك يرغب في نقل فؤاد عارف إلى منصب آمر إحدى سرايا الحرس الملكي لكونه من الضباط المخلصين، في وقت كان الملك يشعر بالخوف على حياته لاسيما بعد مقتل خادمه وأخيه في الرضاعة (وصل). ويبدو أن نقل فؤاد عارف وبقية المرافقين جاء تحقيقا لرغبة السفير البريطاني الذي كان يرى أن من الضروري إخراج الملك من حلقة الضباط المحيطين به، والذين جعلوا السيطرة عليه صعبة، فضلا عن تحقيق رغبة رئيس الوزراء جميل المدفعي، الذي طلب من الملك أن يكون فؤاد عارف مرافقا له، إلا أن الأخير رفض طلبه، وكان المدفعي قد أرسل في طلب فؤاد عارف في مقره في وزارة الدفاع وقال له: ((.... أرجوك لا تكن همزة وصل شر بين الحكومة وبين الملك..... نحن لا نريدك أن تبقى قرب الملك صراحة. فاختر لنفسك مكانا بعيدا....)) ، فطلب نقله إلى السليمانية، ونسب آمراً لإحدى سرايا الفوج الأول التابع للواء الثالث في السادس من تموز عام 1938.
رفض فؤاد عارف خلال المدة التي قضاها مرافقا للملك غازي، أن يستلم أية هدية أو هبة من التي كان يوزعها البلاط الملكي على الأشخاص والمرافقين,مثل قطع الأراضي والسيارات، إذ كان مقتنعا بأنه يقوم بواجبه تجاه زميله وصديقه غازي قبل أن يكون ملكا عليه، وكان لنصيحة بكر صدقي له حين أصبح مرافقا للملك أثر في نفسه.
احتفظ فؤاد عارف بذكريات جميلة عن الملك غازي، فحين تزوج في أيلول عام 1937، أراد الملك غازي تقديم هدية له بهذه المناسبة، فسأله عن نوع الهدية التي يرغب فيها ، لاسيما وانه رفض استلام قطعة الأرض والسيارة سابقا، فطلب فؤاد عارف من الملك أن يهديه صورته الشخصية، فلبى الملك رغبته، وكتب بخط يده على الصورة ((إلى مرافقي فؤاد عارف))،كما أهداه أيضا ساعته الشخصية ، وتعهد فؤاد عارف للملك غازي بأنه سيهدي هدية الملك إلى ابنه البكر في يوم زفافه.
عن: رسالة (فؤاد عارف ودوره العسكري والسياسي في العراق حتى عام 1975) - المدى /محمد سلمان منور
771 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع