عندما وصل ناظم باشا الى بغداد سنة ١٩١٠
لم تكن سياسة الاتحاديين المستندة على مظاهر المدنية الاوربية، وافكار الغرب تلائم العراقيين الذين رأوا ان تلك المظاهر والمفاهيم الغربية تتعارض مع الاعتبارات والقيم الدينية التي عاشها المجتمع العراقي لمئات السنين ولا سيما ان رجال الاتحاد والترقي لم يكونوا يملكون فهما واعيا لوضع المجتمع العراقي، وطبيعة العراقيين ونظرتهم الى الاوضاع الجديدة التي تولدت بعد خلع السلطان عبد الحميد.
فلا غرابة ان يواجه مندوب الاتحاديين الذي حضر الى بغداد ليحث الناس على الاتحاد والانضمام الى جمعية الاتحاد والترقي بثورة عامة بغداد الذين خرجوا مطالبين بالعودة الى تطبيق الشريعة الاسلامية. وكانت جمعية عرفت باسم المشورة تأسست في بغداد على اثر قيام انقلاب عام ١٩٠٨ في استانبول « المشورة وتراسها عبد الرحمن النقيب. وضمت نخبة من الشخصيات البغدادية قد اخذت على عاتقها مهمة معارضة الاتحاديين وسياستهم، وهي التي قادت الهياج الشعبي في تشرين الثاني ١٩٠٨ ولم تستطع السلطات الحكومية السيطرة عليه الابعد عناء كبير، مما يدل على مدى تاثير تلك الجمعيةعلى الاوساط الشعبية في بغداد.
ومما يدل على مدى قوة الجمعية ونشاطها ماجاء في تقرير القنصل الامريكي في بغداد الذي رفعه الى وزارة الخارجية الامريكية وتناول فيه الاوضاع الداخلية في بغداد، وشعور السكان تجاه تيار خفي وقوي من الشعور الرجعي،وان هناك شعور عام وقلق اخذ ينتشر بين سكان بغداد من احتمال حدوث شغب اثناء الازمة التي جرت في استانبول والتي اسفرت عن خلع السلطان عبد الحميد الثاني، ولكن سيطرة السلطات المحلية باقتدار، وتنصيب السلطان الجديد انهيا شعور عدم الارتياح بين السكان احتمال ظهور ذلك الشعور الرجعي في المستقبل.
وجهت الدولة العثمانية ولاية بغداد الى الفريق حسين ناظم باشا على اثر عزل الوالي محمد شوكت باشا في ايار عام ١٩١٠. وبعد وصوله بغداد يوم الخميس ٢٥ ربيع الاخر عام ١٣٢٨ هـ الموافق ٦/٥/ ١٩١٠ حضر ناظم باشا صلاة الجمعة في اليوم التالي في جامع الشيخ عبد القادر الكيلاني.
وبعد انتهاء الصلاة قام بتوديع الوالي السابق الذي توجه قاصدا استانبول مع اركان جيشه وتلي (الفرمان)الخاص بتولية الفريق ناظم باشا الولاية.
ومن المهم ان نشير الى امر التعيين ناظم باشا قد تضمن تخصيص مبلغ مقداره اربعين الف ليرة سنويا لاجراء الاصلاحات اللازمة في الولايات الثلاثة بغداد والموصل والبصرة. وتضمن ايضا تكليف الوالي بفتح مكتب مدرسة للجندرمة، واخر للشرطة « كجك ضابطان » وثالث للضباط الصغار ومن اجل ضمان تنفيذ الامر السلطاني احضر الوالي معه ٢٤ ضابطا بينهم حسن رضا بك بن نامق باشا والي بغداد الاسبق و ٣٢ جنديا برتبة رئيس عرفاء وعشرة من الشرطة ليتولوا التعليم والتدريب في مكتبي الضباط والشرطة. كما اصطحب الوالي معه ثمانية من الاطباء العسكريين واربعة مدافع مع الاعتدة اللازمة والف بندقية من « ماوزر » رشاشة وستة مدافع جبلية سريعة.
جرى استقبال الوالي الجديد لدى وصوله باطلاق المدافع ١٩ طلقة وزينت المدينة ونصبت السرادق حيث تم توزيع الحلوى على الاهالي. وتشيرالمصادر ان بلدية بغداد قدمت لحكومة الولاية تقريرا بمبلغ سبعة الاف قرش للمصادقة على صرف المبلغ المذكور على مراسيم استقبال الوالي. وفي يوم الاحد ٢٨ ربيع الاخر عام ١٣٢٨ ه الموافق ١٩ / ٥/ ١٩١٠جرت في ساحة القشلة ببغداد مراسيم قراءة الامر السلطاني (الفرمان) بتعيين الفريق الاول ناظم باشا واليا لولاية بغداد وقائدا للفيلق العثماني السادس. وتولى قراءته السيد رشيد ثم تلا « مسود الفتوى » مراد بك المكتوبي واعقبه الدعاء. وبعد ان عزفت الموسيقى عاد الوالي الى مقر اقامته.
نص الامر السلطاني على جعل ولاية بغداد بعهدته (وبناء على رغبتنا في ترقي عمران الولاية المذكورة وتزييد ثروتها، وتوسيع تجاربها، وتنسيق واصلاح فيلقنا السادس، واقتضت ارادتنا ربط الوظيفتين احدهما بالاخرى، واحالتها لذات مجرب الاطوار. مشهود له بالدراية والحمية وتضمن الامر السلطاني توجيه الوالي بمهمة فحص احوال اركان وامراء وضباط الفيلق،وماموري الولاية. ومن لم تجد به الكفاءة اقتدارا واخلاقا وتراه غير قابل للاستخدام تكف يده عن العمل فورا، وتنتخب سواه وتودع اليه الوظيفية وتخبر دائرته المنسوب اليها لاجراء معاملته بلا تاخير.واشار النص الى اناطة قيادة الفيلق السادس بالوالي الجديد وابقاءه ايضا عضوية الشورى العسكري » اما ولايتا الموصل والبصرةالسادس فلكونهما داخلتين ضمن دائرة الفيلق ولو ان كل والٍ من ولاتهما مسؤول عن ولايته بامور الادارة والانضباط فعليهما ان يتحدآ معكم بالرأي في الامن العمومي والضبط بالمخابرة.ولاشك ان في ذلك فوائد ومحسنات (كذا ولذا فقد جرى التبليغ لهما من الباب العالي لايفاء هذه المعاملة حقها.
ان إناطة المسؤولية الامنية في ولايتي الموصل والبصرة بوالي بغداد تمثل، حسبما نعتقد، رغبة السلطات العثمانية في تشديد قبضتها على الولايات العراقية ولا سيما ان ولايات عديدة خرجت عن سلطتها. ومع تصاعد اهمية العراق من الناحية الدفاعية في مرحلة شهدت اشتداد تنافس القوى الكبرى للاستحواذ على ممتلكات الدولة العثمانية، وبروز دور النفط، وهو دور لايقل اهمية عن الاعتبارات الستراتيجة الاخرى التي كانت تشغل اذهان المسؤولين في الدول الاستعمارية ولاسيما بريطانيا فقد درس خبراء النفط البريطانيون امكانات العراق النفطية منذ السنوات الاولى من القرن العشرين.
ويطلب الامر السلطاني من الوالي ان يجلب للفيلق الرابع الافواج الاربعة التابعة الموجودة الان في الموصل وتبقيها لحين اكمال الانتظام في الفيلق السادس وان يقوم بسحب الجنود الذين تم تخصيصهم للالتحاق بالفيلق الرابع ممن يمكن امتزاجه مع هواء العراق المقدار الكافي للفيلق الهمايوني ».
اما فيما يتعلق بالقوة البحرية والنهرية فقد تضمن الامر السلطاني وجوب شراء اربع مدرعات بشرط تسليمها في البصرة باسرع ما يمكن لاستخدامها في شط العرب، ولدى الايجاب (الضرورة) في نهر دجلة والفرات لاستعمالها لسوق العساكر وغيره من الامور. وبان تجري المذاكرة معك عن لوازم الفيلق وكسوة العساكر والنواقص الحربية، ويستحضر ما يقتضي لاكمال النواقص حسب الترقيات الفنية الجديدة (الالات الحديثة) وترسلها بوجه السرعة.
ولغرض تامين الاموال اللازمة لسد تكاليف الادارة المدنية والعسكرية بارسال ما فقد اشار الامر السلطاني الى صدور التعليمات الى نظارة المالية يسد النقص، وما يقتضي صرفه للامور المهمة شهريا بواسطة البانق (البنك) تخصيص مبلغ لايقل 40000 الف ليرة وكذلك توجية نظارة النافعة (الاشغال) لتسوية الطرق والمعابر، وانشائها داخل الالوية وارسال اوراقها على الاصول من مخصصات النافعة. واكد الامر السلطاني في الختام على اهمية تطبيق مواد القانون الاساسي (الدستور)والحرص على نشر مبادئ العدالة والمساوة والحريةوالحكم مقتضاها « الفرمان السلطاني » كان من الطبيعي ان يظهر اثر النصوص الواردة في« الفرمان السلطاني »في دفع الوالي الجديد الى تبني سياسة داخلية تستجيب لمتطلبات التحديث الملحة انذاك.
المدى /د. نضر علي الشريف
عن بحث (ادارة الوالي ناظم باشا لولاية بغداد)
787 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع