كيف واجهت ثورة ١٩٥٨ مشكلة السكن ؟ مدينة الثورة وقناة الجيش وحي الاسكان .. هكذا كانت البداية
حاولت حكومة ثورة 14 تموز 1958 أن تسعى وبأقصى سرعة ممكنة لغرض أحداث النهوض الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع العراقي من خلال تحسين الاقتصاد وتوفير فرص العمل وسن قوانين الضمان الاجتماعي، وإنشاء مجلس الشؤون الاجتماعية، وتشريع قانون الإصلاح الزراعي الذي احدث هوة قوية في المجتمع لانه خطوة تقدمية كان يسعى إليها الفلاحون منذ فترة طويلة ليتمكنوا من امتلاك أرض خاصة بهم تعود عليهم بالنفع والفائدة .
من هنا بدأت الحاجة تظهر لحل أزمة كانت تؤثر في حياة المواطنين وتدفعهم إلى العيش في وضع مزري إلا وهي أزمة السكن حيث كانت هناك أزمة حقيقية تظهر أثارها واضحة في نشوء الأكواخ والصرائف كنطاق حول المدن وبالأخص حول مدينة بغداد كما ذكرنا .
لذا كانت هناك حاجة ماسة إلى مشاريع سريعة ومثمرة على المدى الطويل لحل هذه الأزمة لان تخلف قطاع التشييد والبناء عن متطلبات عملية التنمية القومية السريعة يؤدي إلى عدم نجاح تنفيذ خطط وعمليات التنمية ، فمع ازدياد حصيلة الدولة من الموارد النفطية والتي أدت إلى زيادة الدخل القومي ومن ثم ارتفاع مستوى المعيشة بوجه عام ودور الدولة في تسليف المواطنين مبالغ كافية لتشييد الدور السكنية كل ذلك أدى إلى توسع كبير في حقل البناء والتشييد ، ولم يقتصر دور الدولة على عملية التسليف بل تمت عملية توزيع أراض كثيرة من الأراضي المملوكة للدولة ( أميرية ) في بغداد والمحافظات على الموظفين والعسكريين والعمال مقابل أسعار زهيدة لا تزيد عن ( 100 ) فلس للمتر المربع الواحد ، كما قامت الدولة بمشاريع سكنية تملك للموظفين المدنيين والعسكريين على أقساط سنوية وشهرية لفترة طويلة تزيد عن خمسة عشر عاماً مثل مشروع إسكان غربي بغداد الذي تضمن إنشاء ( 1154 دار ) مخصصه لأسكان صغار منتسبي الجيش من موظفين ونواب ضباط وكتاب على اختلاف درجاتهم.
كما تم تنفيذ مشروع شرقي بغداد لاسكان الضباط بكلفة ( ـ , 664 , 1 ) دينار مع تبليط الطرق ومد المجاري اللازمة وإنشاء المرافق والمباني العامة في المشروع (1)، وتضمنت جداول الخطة الاقتصادية المؤقتة تخصيص مبلغ عشرين مليون دينار تصرف خلال ثلاث سنوات لإنشاء ( 2500 ) دار لأسكان منتسبي جمعية بناء المساكن التعاونية المحدودة من العسكريين والموظفين المدنيين من منتسبي الجيش العراقي في مدينة الضباط شرقي بغداد ومدينة القاسم غربي بغداد ، ووزعت هذه الدور على وجبات للمستفيدين منها.
وفي سبيل توفير السكن المناسب لعمال المصانع الحكومية قامت الدولة بإنشاء ( 800 دار ) لأسكان عمال معمل السكر في الموصل وخصص له مبلغ ( 000 , 500 ) ألف دينار لإنشاء هذه الدور على أنواع وتصاميم ومساحات مختلفة مع مرافقها العامة. كما تم توفير السكن المناسب لصغار الموظفين في اقضيه ونواحي لواء ديإلى من خلال تشييد إحدى عشرة دار في مركز كل قضاء ومركز كل ناحية. وتم إنشاء مشروع إسكان أربيل من خلال بناء ( 152 ) دار على ستة أنواع من التصاميم تتراوح مساحتها بين ( 108 و 135 م2 ) على أن تشتمل على غرفتين أو ثلاثة غرف ومد الطرق داخل المشروع، وفي البصرة تم إنشاء مشروع مماثل مع جميع المباني العامة الضرورية كالمدارس الابتدائية . وملجاء للعب الأطفال وقاعة اجتماع وسينما ، كما يتضمن تشييد روضتي أطفال وثلاثة أسواق.
وكانت الدولة تسعى جاهدة أن تكون هذه المشاريع السكنية تحتوي على كافة متطلبات الحياة المدنية المهمة من خدمات اجتماعية وثقافية وصحية ، لكي تساهم هذه المجمعات السكنية في حل أزمة السكن .
وفيما يخص العاصمة بغداد فقد حاولت الحكومة بطريقة ناجحة حل مشكلة سكان الصرائف و المهاجرين إلى بغداد ولا سيما من الجنوب ، حيث تم نقل سكان الصرائف إلى شرقي بغداد و أقيمت لهم وحدات سكنية في مطلع الستينات وتم إنشاء ( مدينة الثورة ) وتم تخصيص مبلغ ( ـ , 900 ) ألف دينار لإنشاء ( 911 ) دار ذات غرفتين مع مرافقهما الضرورية بمساحة ( 108 م2 ) لكل دار مع مرافق المشروع العامة كتعبيد الطرق ومد مجاري مياه الأمطار والمياه القذرة، وتم توزيع باقي الأراضي على العوائل التي بلغ عددها ( 120 ) ألف عائلة ، ووضعت الخطط لبناء المدارس في هذه المدينة ، كما مدت شبكة المواصلات إلى هذه المدينة.
ولعل مشروع إنشاء أو فتح قناة الجيش كان عملاً رائداً في تلك الفترة ، حيث أن هذه القناة التي توصل نهر دجلة بنهر ديالى خلف السدة الشرقية كان الهدف منها هو أن يشعر المواطنون الساكنون في المناطق الجديدة بأنهم ليسوا بعيدين عن النهر ولترغيبهم في تشييد تلك المناطق بالسرعة الممكنة ، كما إن الحدائق التي بنيت على جانبيها لغرض الترفيه ، وتبداء هذه القناة من موقع يسمى ( جولداري ) على نهر دجلة وتتجه إلى الجنوب الغربي حتى نهر ديإلى وتمر في طريقها بمنطقة الصليخ وقرب المجموعات السكنية للمصرف العقاري فدرب المنازل ومدينة جميلة بوحيرد فشمالي مدينة الضباط فبغداد الجديدة فمدينة الأمين فنهر ديإلى ، ويبلغ طول هذه القناة ثلاثة وعشرون كيلو متراً ، كما تم تشييد عدد من الجسور على هذه القناة لأنها تجتاز منطقة واسعة خلف السدة الشرقية وتجتاز عدداً من الطرق الرئيسة التي تتفرع من بغداد لتربطها بمشاريع الإسكان والضواحي المنتشرة في المنطقة ومن ثم الأجزاء الشمالية لتسهيل المرور عليها.
ومن المشاريع الرائدة التي قامت بها الحكومة لغرض رفع مستوى الريف ومحاولة للقضاء على الهجرة من الريف إلى المدينة إلا وهو مشروع القرية النموذجية . في اللطيفية حيث وافق مجلس الوزراء في 21 شباط 1959 على تخصيص مبلغ 000 ,150 , 1 ألف دينار لإنشاء قرية عصرية نموذجية زراعية قرب بغداد تتوفر فيها أسباب الحياة الريفية المتحضرة لاسكان قسم من الفلاحين والعمال وفي 12 تموز 1959 أنجز بناء القرية وافتتحها رئيس مجلس الوزراء في منطقة مشروع اللطيفية التي تم توزيع أراضيها على الفلاحين من مديرية الإصلاح الزراعي ، وكانت تشمل على (100) دار ريفية عصرية بنيت على صفوف متوازية تخترقها شوارع معبدة و ألحقت بها المؤسسات والمرافق والحدائق العامة ، وزودت الدور بالماء والكهرباء كما أنشئت بنايات للمدرسة والمركز الاجتماعي ومستوصف ودائرة بريد وسوق ومقهى وبناية لمجلس إدارة القريـة ومسجد وحمـام شعبي ، وقـد سلمت للفلاحين في 9 تشرين الثاني 1959).
وكانت هذه القرية بمشروعها كاملاً هي الحل الذي ارتأته الدولة لحل مشكلة الهجرة من الريف حيث أن الفلاح إذ امتلك أرضاً أو مسكناً وقدمت إليه المساعدات التي تمكنه من استثمار أرضه فأنه عند ذلك لا يفكر في ترك أرضه.
د . غصون مزهر المحمداوي عن رسالة (التطورات الاقتصادية والاجتماعية في العراق للفترة 1958-1968 ")
726 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع