رجل مـن زمـن الثائرين / مذكرات العقيد الركن هادي خماس مدير الأستخبارات العسكرية الأسبق/الحلقة الثامنة
مذكرات العقيد الركن هادي خماس مديرالأستخبارات العسكرية الأسبق
التحركات المضادة
زارني في مكتبي صباح يوم 14 تشرين ثاني 1963 العميد رشيد مصلح والعقيد سعيد صليبي مديرية الحركات، وشرحا لي الموقف بكل تفاصيله، وطلبا من المديرية المساعدة بإنقاذ البلاد من الفوضى ومن الأزمة التي أخذت تتطور. وقالا إنهما اتفقا مع حردان التكريتي قائد القوة الجوية ومع آمري كتائب الدبابات في بغداد في طلب المساعدة من الضباط القوميين للقيام بعمل مشترك والتخلص من هذه الفوضى ومسببيها. واتصل سعيد هاتفياً بحردان وأخبره بما حدث. فطلب من حردان أن يكلم مدير الحركات وقال:
"أخي صبحي.. البلد في خطر ولا بد من تضافر جهودنا وجهودكم لإنقاذه، واني اتفق مع كل ما قاله لك رشيد وسعيد، فأرجو أن تعاوننا بصفتك القومية وبصفتك مديراً للحركات".
في هذا الحديث تأكد لي أن الجماعة يطلبون العون من الضباط القوميين في الجيش، حيث كانوا يعولون على اشتراكهم في أية عملية تهدف إلى التخلص من الحرس القومي ومن الجناح المساند لعلي صالح السعدي الذي كان لا يزال له نفوذ كبير في صفوف البعثيين في الجيش والحزب.
بعد هذا النقاش مع رشيد وسعيد ذهبا إلى مكتب رئيس أركان الجيش، ويبدو أنهما أقنعاه بالمشاركة، لأنه هو نفسه كان مشاركاً في أحداث يوم 11/11، فطلب مدير الحركات إلى مكتبه وقال له بحضورهما: لا بد من إنقاذ البلاد من الفوضى وتصحيح الانحراف.
وكلم مدير الحركات رئيس الوزراء في الأمر فوافق على تدخل الجيش بالتعاون مع رشيد وسعيد ووضع خطة لإعادة السيطرة على بغداد، بعد أن تحول الصراع إلى صراع بين الحزب والسلطة الشرعية للدولة، فأصبح من السهولة زج الجيش دفاعاً عن الشرعية. ولذلك اتصل رئيس أركان الجيش برئيس الوزراء لوضع خطة لزج الجيش وإعادة النظام، والقضاء على الفوضى.
خرج مدير الحركات مع رشيد وسعيد من مكتب رئيس أركان الجيش لمعرفة الوحدات التي يمكن الاعتماد عليها وأسماء الضباط البعثيين الموالين فيها، وفي ضوء معلوماتهم ومعلومات مديرية الحركات وضعت خطة تعتمد على الوحدات التالية:
1. كتيبة الدبابات الأولى وكان آمرها النقيب زكريا السامرائي وكانت موزعة كما يلي:
سرية في مرسلات الإذاعة في أبي غريب يقودها قصي صبري.
سرية في دار الإذاعة في الصالحية والقصر الجمهوري.
سرية في معسكر الرشيد. ومن هذه السرية قاد حسن النقيب رعيلاً إلى مقر القوة الجوية حيث أسس مقره. وقاد محمد يوسف طه رعيلاً إلى الاعظمية وهاجم مقر الحرس القومي فيها.
2. كتيبة الدبابات الثالثة وكان آمرها النقيب احمد الجبوري ولقد نزلت منها سرية إلى جانب الرصافة توزعت في شارع غازي وشارع الشيخ عمر والسفارات المهمة ووضعت بأمرة حسن النقيب الذي كان مسؤولاً عن جانب الرصافة.
3. مدرسة الدروع وكان آمرها الرائد حاتم حسن الياسين حيث أرسل 22 دبابة توزعت في جانب الكرخ وأصبحت بآمرة العقيد محمود عريم الذي فتح مقره في الإذاعة.
4. الفوج الآلي الثاني الذي كان آمره المقدم داود عبد المجيد، وكان واجبه أن يرسل سرية إلى ملعب الإدارة المحلية في الكرخ وأخرى إلى الإذاعة وثالثة إلى منطقة الجعيفر وأن يكون بأمرة محمود عريم.
5. الانضباط العسكري.
6. سرية من كتيبة الدبابات الرابعة.
7. فوجين مشاة من الفرقتين الأولى والثانية تنقل بالطائرات من الموصل وكركوك إلى بغداد صباح يوم الحركة، وعلى حردان على إرسال طائرات النقل صباح يوم الحركة لنقلها إلى بغداد.
8. الكلية العسكرية وبقيت احتياطاً عاماً ولم تشترك في الحركة لانتفاء الحاجة إليها.
موقف عبد السلام عارف
رغم كل الاتصالات التي جرت والقرار بإدخال الجيش لإنهاء الأزمة، كنا نجهل ما يدور في فكر الرئيس عبد السلام عارف رئيس الجمهورية وهو قابع في القصر الجمهوري لم يغادر ولم يحاول الاتصال بأي ضابط في وزارة الدفاع. حتى رئيس أركان الجيش كان يجهل موقفه. وبعد ظهر يوم 16/11 قال الفريق طاهر بصريح العبارة، أن موقف رئيس الوزراء أصبح واضحاً، فهو شديد التحمس لحسم الموقف وإيقاف قيادة بغداد والحرس القومي عند حدهما، وإعادة الشرعية للسلطة الرسمية، وإن أدى ذلك إلى استخدام القوة، وعلينا الآن أن نعرف موقف رئيس الجمهورية، وسأذهب إليه الآن لأعرف ذلك. ثم طلب من مديرية الحركات وضع خطة تحرك قطعات الجيش نحو أهدافها في بغداد وواجباتها للسيطرة على الموقف. وقد وضعت أنا الخطة التي سُلّمت في الوقت المناسب إلى رئيس الجمهورية الذي كان ينوي السفر خلسة إلى كركوك ويدبر من هناك قوة يزحف بها نحو بغداد لاستعادة السيطرة عليها وحسم الموقف. ولما عرف موافقة آمري كتائب الدبابات الأولى والثالثة بالمشاركة في خطة حسم الموقف، وأطلع على الخطة، أطمأن وسيتولى بنفسه إعداد البيان وأذاعته، واحتفظ بالخطة لديه لدراستها. ويبدو أن عبد السلام كان يعتمد على بعض عناصر الجيش في الشمال وأكثرها غير بعثية ففكر بالذهاب إليهم.
أصبح الآن رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس أركان الجيش على رأس الحركة لاستعادة الشرعية.
ولم يخبر أي منهم صالح مهدي عماش وزير الدفاع لأنه كان يميل إلى كتلة علي صالح أولاً، ولأنه يريد التوفيق والموازنة بين الجيش والحرس القومي ثانياً. ولقد طلب مساء يوم 16/11 من رئيس أركان الجيش إذاعة بيان من دار الإذاعة والتلفزيون يؤكد فيه وحدة الجيش والحرس القومي وأعد الفريق طاهر البيان المذكور. وعندما كان يقرؤه عليّ دخل علي عريم وسمع بعض عباراته فسحب البيان ومزقه وأخذ يدعكه بيديه وهو يصيح كيف تلقي مثل هذا البيان وأنك ستتزعم حركة عسكرية ضد الحرس القومي؟ وخرج والبيان بيده وهو يسب ويشتم في الممر المؤدي من مكتب رئيس أركان الجيش حتى مكتبه الملاصق لمكتب وزير الدفاع.
توزيع المسؤوليات
كانت الخطة العسكرية لمعالجة الأزمة كما يأتي:
1. يقوم المقدم الركن صبحي عبد الحميد بواجبات معاون رئيس أركان الجيش إضافة إلى منصبه.
2. يكون العقيد الركن محمود عريم مسؤولاً عن القطعات العسكرية في جانب الكرخ ويفتح مقره في دار الإذاعة.
3. يكون المقدم الركن حسن النقيب مسؤولاً عن جانب الرصافة.
4. يكون المقدم الركن محمد يوسف طه مسؤولاً عن قطاع الاعظمية ويحتل مقر الحرس القومي فيها.
5. يكون العقيد الركن محمد مجيد مسؤولاً عن السيطرة على معسكر الرشيد.
6. يكون المقدم الركن عرفان عبد القادر وجدي مسؤولاً عن معسكر الرستمية وكلية الأركان والكلية العسكرية.
7. يرافقني العميد رشيد مصلح إلى مرسلات الإذاعة في أبي غريب.
8. يرافقني المقدم الركن فاروق صبري إلى مرسلات أبي غريب أو ينتظرني فيها ويرافقني المقدم الركن هادي خماس.
المشير الركن عبد السلام عارف - القائد العام للقوات المسلحة
دور الضباط القوميين
ويبدو من الأمر المرسل أن الأسماء التي اختارها عبد السلام لقيادة الحركة والسيطرة على المعسكرات والوحدات والمراكز المهمة في العاصمة كلها قومية الاتجاه وبضمنها ستة عناصر مهمة من تنظيمنا السابق وهم صبحي وهادي خماس ومحمد مجيد ومحمد يوسف وعرفان وفاروق. ولم تكن لعبد السلام كتلة يعتمد عليها في الجيش لأنه كان قبل 14 رمضان يعيش بشبه عزلة ولا يتصل به من الفئات القومية سوى حزب البعث، لذلك عندما تسلم رئاسة الجمهورية ووجد نفسه رئيساً بدون سلطة، وأمور الدولة يسيرها الحزب دون أخذ رأيه أو استشارته، ثار غاضباً وأخذ يتحين الفرص لإثبات وجوده وانتزاع السلطة من الحزب، فبات يتقرب من الضباط غير الحزبيين في زياراته لوحدات الشمال أو التقائه بالضباط في قصره أو في الحفلات والمناسبات.
كانت الخطة التي وضعت تؤكد لرئيس الجمهورية نجاحها وذلك لاشتراك مجموعة كبيرة من الضباط القوميين لما لها من ثقل ووزن في الجيش. وقد تم الاتصال بعد الكريم فرحان قائد الفرقة الأولى لتأييد الحركة، فأرسل فوجاً صباح 18 تشرين الثاني بالطائرات، و اتفق خالد حسن فريد آمر اللواء السادس والعقيد الركن محمد مجيد في السيطرة على معسكر الرشيد وكُلّف المقدم الركن علي حسين جاسم بالسيطرة على الحبانية.
تولى سعيد صليبي وحردان عبد المجيد ورشيد مصلح لتبليغ الضباط البعثيين الناقمين على تصرفات الحرس القومي بالخطة والواجبات، وطلب من المقدم داود عبد المجيد آمر الفوج الآلي يوم 18 تشرين الثاني بالقيام بواجبه بالسيطرة على مقرات الحرس القومي في بغداد يعاونه المقدم محمد يوسف والمقدم الركن حسن النقيب.
وقد كُلّف المقدم الركن هادي خماس مدير الشعبة الثالثة في الحركات الذهاب ليلة 18/17 تشرين الثاني إلى القصر الجمهوري لمرافقة عبد السلام عارف لاحتلال مرسلات أبي غريب. وفعلاً ذهب هادي خماس وأذاع كافة البيانات التي وضعها، عدا بيان رئيس الجمهورية الذي أذاعه الرئيس بصوته، وأعاده المقدم الركن هادي خماس بصوته عدة مرات. وقد بلّغت الضباط حسب الورقة التي زودني بها الرئيس بواجباتهم عدا المقدم الركن فاروق صبري الذي سافر إلى يوغسلافيا كملحق عسكري كما سأشرحه في (تنفيذ الخطة).
صلاحيات كبيرة
وصل المقدم الركن هادي خماس إلى القصر الجمهوري في الساعة التاسعة من مساء 17/18 تشرين الثاني وسلم البيانات التي أعداها سوياً إلى عبد السلام عارف فقرأها ووافق عليها عدا البيان الأول، فقد أعده بنفسه وسلّمه إلى هادي خماس وطلب إليه قراءته وإبداء ملحوظاته. وكانت في البيان فقرتان، الإولى تنص على إعلان رئاسة الجمهورية ورئاسة الوزارة، فاعترض هادي خماس على هذه الفقرة. وبعد نقاش منطقي اقتنع الرئيس بوجهة نظر هادي خماس وشطبها. وأما الفقرة الثانية فهي تنص على أن تكون صلاحية مجلس قيادة الثورة محصورة بالرئيس وتُجدّد تلقائياً كل سنة.
ورغم الاعتراض عليها، فإنه لم يوافق على شطبها. وعند منتصف الليل حضر حردان التكريتي وأقنع عبد السلام على تعيينه نائباً للقائد العام للقوات المسلحة، فوافق عبد السلام على ذلك. وكانت نصيحة هادي خماس لعبد السلام بشطب فقرة إعلان الجمهورية الرئاسة ذات قيمة كبيرة له، لأنه جنبه بذلك الاصطدام بحزب البعث وأركانه القائمين بحركة التصحيح في اليوم الأول من الثورة. ووصل رشيد مصلح إلى القصر في الصباح الباكر ليصحب عبد السلام إلى المرسلات.
وعلى أية حال منح عبد السلام عارف نفسه، في البيان الأول، صلاحيات المجلس الوطني لقيادة الثورة جميعها، وبذلك أصبح يملك كل الصلاحيات حتى في حالة تشكيل مجلس وطني، فقد جاء في المادة (25) من البيان ما يلي:
منْح رئيس الجمهورية المشير عبد السلام عارف صلاحيات استثنائية تتضمن الصلاحيات المخول بها المجلس الوطني لقيادة الثورة بموجب القانون رقم (9) لسنة 1963 وتعديلاته لمدة عام يُجدد تلقائياً كلما تطلب الأمر ذلك وتقديرا منه.
وبذلك أثار غضب الضباط المشاركين في الحركة وخاصة ضباط الكتل القومية وذلك لانفراده في الحكم. كما عين نفسه رئيساً لمجلس قيادة الثورة. وقائداً عاماً للقوات المسلحة هذا المنصب الذي الغي ليلة 9/8 شباط 1963.
التنفيذ
في الساعة الرابعة من صباح يوم 18 ت2 دخل كل من العقيد سعيد صليبي والرائد علي عريم إلى مكتب وزير الدفاع الفريق صالح مهدي عماش وأبلغاه بأنه معتقل في مكتبه.
ثم اعتقلوا مرافقه الملازم سامي سلطان ووضعاه في غرفة مدير الحركات العسكرية بحراسة من الانضباط العسكري. وفي الوقت نفسه انطلق الضباط الذين عينهم عبد السلام لقيادة القطعات وتنفيذ الواجبات إلى المحلات التي نسبوا اليها. عدا محمود عريم فقد دخل مبنى الإذاعة في الساعة الخامسة والنصف. في الساعة الخامسة من يوم 18 ت2 اتصل هادي خماس هاتفياً بالمقدم داود عبد المجيد آمر الفوج الآلي الثاني، وكان مقره في معسكر الوشاش، وأمرته بإرسال سرية مشاة إلى ملعب الإدارة المحلية في الكرخ وأخرى إلى دار الإذاعة على أن تتلقى الأوامر من العقيد محمود عريم ، فاعترض في بداية الأمر مدعياً بأن معاون رئيس أركان الجيش العقيد الركن خالد مكي الهاشمي قد اتصل به صباح يوم 17 ت2 وبلغه بعدم تنفيذ أي أمر يصدر له من مديرية الحركات العسكرية أو من أية جهة أخرى، وأن يتلقى الأوامر منه مباشرة. فقلت له عليك تنفيذ الأوامر الرسمية التي تصدر اليك من المراجع المختصة وأنا آمرك بصفتي مدير الحركات العسكرية وستكون مسؤولاً في حالة عصيانك تنفيذ الأوامر الرسمية. فقال لي أمرك مطاع سيدي.
وفعلاً نفذ الأوامر بدقة وقاد بنفسه السرية المتوجهة إلى ملعب الإدارة المحلية حيث كانت المقاومة شديدة من قبل الحرس القومي المتجمع فيها. وأصيب داوود في رأسه، وضمد نفسه وأبى الاخلاء. وفي الوقت نفسه انطلقت الوحدات من معسكر الرشيد إلى أهدافها، واحتلتها في تمام الساعة السابعة. وبقيت بؤر للمقاومة في دائرة البريد والبرق في السنك وفي البناية الكائنة أمام بناية وزارة الدفاع وفي ملعب الإدارة المحلية في الكرخ، انتهت جميعها عند الساعة الحادية عشرة في صباح يوم 18 تشرين.
البيان الاول
تأخر الرئيس عبد السلام بالذهاب إلى أبي غريب حيث رفض المقدم فهد جواد الميرة آمر كتيبة الدبابات الرابعة التعاون معه مع العلم أنه كان من المنفذين في يوم 11/11، فاضطر إلى اعتقاله الضباط المؤيدون لعلي صالح السعدي في الكتيبة، ثم ذهب إلى أبي غريب حيث كان ينتظره آمر رعيل الدبابات المكلف بحراسة المرسلات الملازم قصي صبري شقيق فاروق صبري والملازم عدنان خير الله وهما من الضباط البعثيين العقائديين ولكنهما كانا ضد علي صالح السعدي ووافقا الاشتراك في الحركة التصحيحية كما كان ضباط البعث يسمونها.
أذاع عبد السلام بنفسه البيان الأول في الساعة السابعة ثم أعقبه المقدم الركن هادي خماس بإعادة إذاعة البيان وباقي البيانات التي تتعلق بغلق المطارات ومنع التجوال وحماية الأجانب... الخ.
لقد استسلم معظم أفراد الحرس القومي دون مقاومة تذكر، وسلم القسم الاعظم ولم تقع خسائر تذكر عدا هجوم بعض أبناء الفلوجة على مراكز الحزب فيها وقتلوا بعض أفراد الحرس فيه. وكان عملاً مؤسفاً دفعهم اليه حقدهم وتهورهم انتقاماً من الحرس الذين عاملوهم بقسوة سابقاً.
ولقد قصف حردان ملعب الإدارة المحلية في الكرخ والمبنى الكائن أمام وزارة الدفاع، فاتصلنا به هاتفياً وطلبنا منه إيقاف القصف الجوي الذي لا داعي له لأن الأمور حُسمت، وهذه مقاومة بسيطة ستنتهي، ولا بد من إنهائها بأقل خسارة ممكنة.
في صبيحة 18 تشرين حضر العميد رشيد مصلح إلى القصر الجمهوري ومعه قائمة بأسماء الضباط البعثيين الذين يخشى بقاؤهم طلقاء فتم حجزهم تحت حراسة مشددة. وقد رفض آمر الكتيبة الرابعة المقدم فهد جواد الجدة الاشتراك في تنفيذ الخطة. ثم تحركت أنا والرئيس عبد السلام محمد عارف والعميد رشيد مصلح ومرافق السيد الرئيس بناقلة أشخاص مدرعة وجهتنا مرسلات أبي غريب لإذاعة بيانات الثورة، وكان المسؤول عن المرسلات الملازم قصي صبري شقيق المقدم الركن فاروق صبري وهو ضابط بعثي يكره علي صالح السعدي ووافق على المساهمة والاشتراك بالحركة يعاونه كل من الملازم عدنان خير الله والملازم أياد ناجي. لقد دخلنا إستوديو أبي غريب وقدمت الرئيس عبد السلام محمد عارف واصفاً إياه بأبي الثورات ليذيع البيان الأول للثورة وهذا نص البيان:
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الشعب العراقي العظيم. أيها المواطنون
إن ما قام به البعثيون الشعوبيون وسفاحو الحرس القومي من اعتداء على الحريات ومخالفة للقانون وإضرار عام للدولة والشعب والأمة وآخرها التمرد المسلح ليوم 13/11/1963 أصبح أمراً لا يطاق ويندى له الجبين بل وأصبحت الحالة تنذر بالخطر الجسيم على مستقبل هذا الشعب. الذي هو جزء من الأمة العربية فتحملنا ما تحملنا وصبرنا على المكروه وتجنباً لإراقة الدماء وحفظاً لوحدة هذا الشعب النبيل تيمناً لقوله تعالى "أدفع بالتي هي أحسن" ولكننا كلما زدنا صبراً وأيماناً ازداد هؤلاء العابثون الشعوبيون وأقزام الحرس اللاقومي تعنتاً واستكباراً وظنوا أن حصونهم مانعتهم فبلغ السيل الزبى بل تعدى تجاوزه فنادى الشعب جيشه وقواته المسلحة فلبى نداءه وتلاحمت القوى الخيرة لإنقاذ هذا الشعب العزيز من عبث العابثين وخيانة الخائنين من الشعوبيين والانتهازيين وعليه فقد قرر المجلس الوطني لقيادة الثورة بعد الاتكال على الله ما يلي:
1. تلبية لإنقاذ الشعب وتنفيذاً لطلبات الجيش والقوات المسلحة الوطنية انتخاب رئيس الجمهورية المشير الركن عبد السلام محمد عارف رئيساً للمجلس الوطني لقيادة الثورة وتعيينه قائداً عاماً للقوات المسلحة الوطنية وممارسة كافة الصلاحيات المخولة له.
2. تعيين زعيم الجو الركن حردان التكريتي بمنصب نائب القائد العام للقوات المسلحة إضافة إلى منصبه.
3. منح رئيس الجمهورية صلاحيات استثنائية تتضمن جميع الصلاحيات المخولة للمجلس الوطني لقيادة الثورة لمدة عام تتجدد تلقائياً كلما تطلب الأمر ذلك وبتقدير منه.
4. حل الحرس القومي قيادات ومقرات وأفراد وإلغاء كافة القوانين والأنظمة والتعليمات والأوامر الصادرة بخصوصه.
5. حل المجلس الوطني لقيادة الثورة المشكل صبيحة يوم 8/2/1963 وتكوينه على الوجه التالي:
أ. رئيس الجمهورية رئيساً.
ب. الأعضاء:
1. القائد العام للقوات المسلحة.
2. نائب رئيس الجمهورية.
3. رئيس الوزراء.
4. نائب القائد العام للقوات المسلحة.
5. رئيس أركان الجيش.
6. معاون رئيس أركان الجيش.
7. قادة الفرق.
8. قائد القوة الجوية.
9. الحاكم العسكري العام.
10. الضباط الذين يقرر المجلس انتدابهم.
ت. يعين المجلس سكرتيراً ويجوز أن يكون من أعضاء المجلس أو من خارجه ويحق للرئيس تخويله التوقيع على البيانات والأوامر الصادرة من المجلس بعد اطلاع الرئيس.
ث. المجلس الاستشاري: يشكّل المجلس الوطني مجلساً استشاريا يختار أعضاءه من الوطنيين ذوي السمعة والخبرة والاختصاص.
6.اتخاذ الإجراءات القانونية والثورية لسجن المتمردين والمسببين للتمرد يوم 13/11/1963.
المشير الركن
عبد السلام محمد عارف
رئيس المجلس الوطني لقيادة الثورة
بيان فاصل لحركة بيضاء:
وبعد إذاعة البيان الأول الذي ألقاه السيد الرئيس أذعت البيان نفسه ثانية وبصوتي.. وبدأت إذاعة البيانات الأخرى والتأييدات الواسعة وأهم ما أذعته من بيانات وهي غير حقيقية من أجل الخدعة هو بيان باسم نائب قائد الحرس القومي نجاد الصافي والتي طالبت باسمه كافة أفراد الحرس القومي أن يسلموا أسلحتهم إلى اقرب سلطة عسكرية وقد تم تنفيذ ذلك كما علمت بنطاق واسع وبشكل مدهش. والبيان المهم الثاني الذي أذعته هو نداء إلى القوات المتجحفلة في خان بني سعد والقوات المتجحفلة في غرب الفرات وهما غير موجودتين بتنفيذ خطة سلام..
ونجحت الثورة وكانت حركة بيضاء حيث لم تقع فيها خسائر تذكر عدا هجوم بعض أبناء الفلوجة على مركز الحزب في المدينة وقتل بعض أفراد الحرس فيه وكان عملهم هذا يدعو إلى الأسف والذي دفعهم إلى ذلك حقدهم وتهورهم انتقاماً من الحرس الذين عاملوهم بقسوة سابقاً.
أما وزير الدفاع الفريق الركن صالح مهدي عماش فقد تم تسفيره مساء يوم 19/ت2/1963 مبعداً إلى القاهرة التي هو اختارها مقر اقامة له في منفاه.
أما العقيد الركن خالد مكي الهاشمي معاون رئيس الأركان فقد أحيل على التقاعد ثم سافر هو وعائلته إلى طرابلس وعاش هناك.
أما الضباط البعثيون الذين اعتقلوا ليلة 17/18 ت2 1963 أو في صبيحة 18 ت2 ولم يتجاوز عددهم ألـ 30 والمحسوبين على جناح علي صالح السعدي فقد أطلق سراحهم يوم 20/11 ونقلوا إلى وحدات خارج بغداد.
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة..
http://www.algardenia.com/ayamwathekreat/15488-2015-03-14-10-25-19.html
676 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع