عادات وتقاليد العيد في الاهوار
الأعياد مناسبات سعيدة ينتظرها بشوق وشغف جميع أبناء الاهوار في المحافظات الجنوبية ، وتأخذ التحضيرات لها جل اهتمام الأهالي منذ إطلالة شهر ذي الحجة بالنسبة لعيد الأضحى ، وإطلالة شهر رمضان بالنسبة لعيد الفطر..وبقيت اغلب هذه العادات والتقاليد متوارثة ولم تطرأ عليها إلا تغييرات طفيفة بحكم التطورات والتعقيدات التي رافقت الحياة.
يقول صبار محيسن الغنامي من سكنة اهوار قضاء الكحلاء الواقع شرق مدينة العمارة مركز محافظة ميسان إن العوائل تبدأ بتوفير مبالغ تخصص لشراء الملابس الجديدة والأغراض التي يحتاجها المنزل الريفي من فرش وأواني ومستلزمات الضيافة التي يكون العيد المناسبة السعيدة المباركة لتغييرها بالجديد.
ويضيف "ومع إطلالة صباحية العيد ترى العوائل تبدأ يومها منذ ساعة مبكرة فتقوم الأمهات بترتيب المنزل لاستقبال الأقارب والأحباب ويرتدي الأطفال ملابسهم الجديدة وكذلك باقي أفراد الأسرة فضلا عن قيام رب الأسرة بنحر ذبيحة يكون ثواب اكلها أو توزيع لحمها على الناس للموتى الذين يتم استذكارهم في أول أيام العيد وهو تقليد شائع في اغلب المدن والقرى العراقية..ثم يتجمع أبناء القبيلة للتوجه إلى مضيف شيخهم من اجل تقديم التهنئة له ولباقي وجوه العشيرة."
وعن ابرز المظاهر التي تميز العيد في اهوار العمارة الغربية ، يقول المواطن رحيم صبار العطواني إن "الأهالي يتزاورون و يتبادلون التهاني والأماني ، والمميز في عيد الاهوار هو تخصيص وتهيئة أماكن لألعاب الأطفال المصنوعة من القصب والبردي على شكل دواليب الهواء والمراجيح،وكذلك توافر حيوانات كالخيول والحمير يركبها الأطفال إضافة الى ممارستهم العابا شعبية كالهولة وهي لعبة شعبية تشبه لعبة الهوكي المعروفة."
ويستذكر العطواني تقليدا جميلا من تقاليد العيد وهو (العراضة) حيث يتجمع أفراد العشيرة في مجموعات مرددين الأهازيج والأناشيد الشعبية في مضيف شيخهم وهم يطلقون العيارات النارية في الهواء تعبيرا عن فرحتهم بالعيد.
وفي الليل ، يستطرد العطواني ، يتوجه الرجال بزوارقهم إلى مضيف شيخ العشيرة حيث يستمعون الى الحكايات الشعبية المأثورة والتي تحضهم على التعاون والتراحم والإخلاص والمودة .
وعادة ما يكون العيد مناسبة جيدة من الناحية النفسية لإنهاء الخلافات العشائرية وغسل النفوس من الضغائن ، كما يقول السيد جميل جبار التميمي(معلم متقاعد) ، والذي يضيف أن الوجوه العشائرية والشخصيات البارزة في المجتمع تعمل على حل المشاكل التي تحدث خلال الأيام التي تسبق الأعياد حيث يتصالح الخصوم وتعود روح الإخوة والتسامي عن الأحقاد وتبدأ صفحة جديدة يكون أولها مباركة العيد.
وكذلك يكون العيد فرصة طيبة لإتمام حفلات الخطوبة والزواج لتكون الفرحة مضاعفة ومذكورة ، وتؤرخ الكثير من الحوادث المهمة لأبناء الأهوار لاقتران حدوثها في العيد حيث تبقى متداولة في ذاكرتهم.
وزيارة المزارات ومراقد الأولياء والصالحين من العادات التي لا تزال تحرص عليها العوائل الريفية ، كما تقول السيدة ام جبار ، وخاصة في اليومين الثاني والثالث من العيد حيث تتوجه العائلة إلى المزارات القريبة والمنتشرة في أرجاء المحافظة كمقام الإمام علي الشرقي وعلي الغربي الواقعين شمال مدينة العمارة ، ومقام عبد الله بن علي بن ابي طالب في قضاء قلعة صالح ، ومقامي السيد ماجد بن الإمام الكاظم والسيد منيهل الشرع في قضائي المجر الكبير والميمونة ،إضافة إلى مقام السيد صروط الاسماعيلي في منطقة الوادية القريبة من اهوار المجر الكبير.
ويتوجه قسم آخر من عوائل الاهوار في العيد إلى زيارة العتبات المقدسة في محافظتي النجف الاشرف وكربلاء.
وتضيف ام جبار إن العوائل في المدن أيضا تتوجه إلى أقاربها في الاهوار للتهنئة والاستجمام والتمتع بالطبيعة الجميلة التي تتميز بها.
وليس بعيدا عن اهوار العمارة ، تطل مناسبة العيد أيضا على أهالي اهوار الناصرية (285 كم جنوب بغداد) ، حيث تمثل طقوسها جانبا من تقاليد لا تختلف في طبيعتها البسيطة عن تقاليد سكان الاهوار في مناطق أخرى من الجنوب.
يقول الباحث حسن علي ، صاحب مؤلف عن حياة سكان الاهوار في ذي قار " لسكان الاهوار في العيد في الناصرية تقاليد موروثة منها ما يحمل طابعا دينيا يتمثل بتوجه الأهالي إلى زيارة العتبات المقدسة في النجف الاشرف للتبرك بمقامات الأولياء الصالحين ، فضلا عن زيارة موتاهم ."
وأضاف " يعد هذا تقليدا ثابتا في بيئة الجنوب ، ومفارقة تختلط فيها مظاهر الفرح بالحزن عندما يستذكرون الموتى بالبكاء والعويل في هذه المناسبة."
وأضاف " ومن التقاليد ما يعكس بيئة الجنوب بشكل عام في طابعها الاجتماعي البسيط مثل تبادل الزيارات ، وإقامة الولائم على شرف الاقربين من العوائل ، وشراء الملابس الجديدة للأطفال ، وترى الأطفال يرتدون الملابس الأنيقة ويتجولون على المشاحيف (قوارب) بين البيوت والقرى وبين أقربائهم يهنئونهم بهذه الأعياد ويجمعون المبالغ النقدية " عيدية ".
وأوضح في هذا السياق " إن تجفيف الاهوار في التسعينيات من القرن الماضي جعل الناس يهجرون مواطنهم إلى أطراف المدن ليعيشوا نمطا من الحياة المتأثرة بحياة المدينة ."
وقال " يتبين هذا التأثير حتى في المأكولات التي تحولت من السمك الذي يشتهر بتقديمه أهالي الاهوار في المناسبات السعيدة للضيوف إلى أصناف المأكولات ومستلزمات المائدة التي تميز أهل المدينة ."
ويقول عبد الباري سلمان ( 27 سنة ) وهو من أهالي هور الجبايش ( 100كم جنوب الناصرية ) انه الآن يعيش مع زوجته في منطقة الحامية في مدينة الناصرية ، وانه قبل العيد بيوم واحد سوف يذهب إلى أهله في الهور ليقضي العيد هناك.
وقال " في كل عيد أقوم أولا بزيارة أهلي وأهل زوجتي ثم أتوجه مع أولاد عمومتي وأصدقائي إلى مضيف شيخ العشيرة لتقديم التهاني ورؤية الكثير من أبناء العشيرة الذين يجتمعون في مضيف الشيخ كل عيد ."
أما الشيخ أبو سالم ( 76 سنة ) ، عضو مجلس أبناء الاهوار في المحافظة ، فيقول يتميز أبناء الاهوار في قضاء أيام العيد وهم يتنقلون بين مساحات المياه وممرات القصب والبردي حيث تشهد الاهوار في هذه الأيام كثرة مرور الزوارق وهي تحمل الأطفال والنساء والرجال من اجل تبادل التهاني والزيارات العائلية ."
وقال " في ليالي العيد ترى الاضوية تتلألأ في مساحات المياه ويتخطف ضوءها من على الزوارق المتنقلة في المياه الهادئة ."
وأضاف " مظاهر العيد بسيطة لكنها كبيرة في نفوس أهالي الهور خاصة بعد أن عاد معظمهم إلى الاهوار مع عودة المياه وبدئهم حياة جديدة ملؤها الأمل بزيادة الخير بينهم ."
وفي اهوار البصرة ، حيث المساحات المائية تشكل عمق الصورة وإطارها تمثل الأعياد في حياة السكان مناسبات متميزة ومواسم حقيقية للفرح وخروجا عن مألوف حياتهم المثقل بالعناء والجهد المتواصلين سواء لمن يمتهن الزراعة منهم أو يمتهن الصيد ، فالأعياد في هذه الأماكن رغم بساطتها وعفويتها تبدو مظاهرها أكثر احتفالية وبهاء عن أعياد المدينة.
يقول الحاج عريبي رسن ، من سكنة هور المدينة ( 100كم شمال البصرة ) "نحن ننتظر أيام الأعياد بفارغ الصبر فهي مناسبات لنهاية عبادات كما هي مناسبات لحل خلافاتنا الكثيرة التي تحدث بسبب نزاعات على مناطق الصيد أو مناطق الزراعة أو أي خلافات أخرى ."
وأضاف " يكون العيد هو محطة مراجعة وغسلا للأحقاد التي تستمر شهورا سواء بين سلف (قرية) وآخر أو بين أبناء السلف والعشيرة الواحدة ."
وتابع الحاج عريبي" في صباح العيد نتوجه جميعا إلى مضيف الشيخ أو كبير العشيرة ونتبادل التهاني والقبل ونغتفر لبعضنا البعض دون عتب أو كثير من الكلام ."
وقال " من بعدها نخرج جميعا إلى ( العراضة ) وهي التقاء الرجال في شكل مجموعة ، وتبدأ الهوسات ( هتافات ) يتناوبها رجال عرفوا بموهبتهم في هذا المجال ويروح الرصاص يزغرد في الأفق ويشاركنا الأطفال في فرحتنا هذه ويكونون هم اسعد الجميع ."
واستطرد " بعدها يكون الغذاء في مضيف الشيخ وهذا لا يختلف في العيدين كثيرا وبعد أن ننهي الغداء نذهب جميعا في طراداتنا ( زوارق ) لمعارفنا وأصدقائنا في الأسلاف المجاورة."
وقالت زوجة الحاج عريبي مكية جري " نحن النسوة نتهيأ للعيد قبل ثلاثة أيام ففي يوم ( ام الحلس ) - اليوم الثالث قبل العيد - نبدأ بتحضير ملابس أولادنا ونأمرهم بالذهاب إلى المزين ( الحلاق ) في القرية أو القرى المجاورة."
وأضافت "هناك من يستطيع شراء ملابس جديدة ولكن من لا يستطيع يبدأ بغسل ملابس أطفاله القديمة وترتيبها وكيها تحت الفراش وشراء الزبيب و أصابع العروس، وهي حلوى على شكل أصابع أو سكاكر يعطيها الفلاحون للصغار في العيد."
وأوضحت" وفي يوم أم الوسخ ( اليوم الذي يأتي ما قبل العيد مباشرة ) نقوم بعملية استحمام نوعية حيث نقوم بغسل أطفالنا بعناية كبيرة ونجلي أجسادهم جليا ."
وتابعت الحاجة مكية " وفي أعياد الريف تقام الكثير من الأعراس ، فنحن نتبارك في مثل هذه الأيام وخصوصا العيد الكبير ( الأضحى ) لان بعده مباشرة سيأتي شهرا عاشور وصفر وهما شهران لا يجوز فيهما الزواج عندنا فيبادر شبابنا للزواج هذه الأيام."
وقالت وهي تبتسم ابتسامة ذات مغزى " لكي يكون العيد عيدين."
ومع ابتسامة زوجة الحاج عريبي ، تبقى البساطة والطيبة سمة مميزة لدى أبناء الاهوار في الجنوب تعكسها مظاهر الحياة التي يعيشونها ، وهم دوما وفي كل الظروف يحملون إلى بعضهم البعض أماني الخير والمحبة والسلام .. في هذا العيد وفي كل عيد.
المصدر:اصوات العراق
672 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع