رجل مـن زمـن الثائرين / مذكرات العقيد الركن هادي خماس مدير الأستخبارات العسكرية الأسبق/الحلقة السابعة

 

المؤلف والى يمينه الحاكم العسكري العام رشيد مصلح في أستقبال المشير عبدالحكيم عامر في مطار بغداد / 1964

          

رجل مـن زمـن الثائرين مذكرات العقيد الركن هادي خماس مديرالأستخبارات العسكرية الأسبق -الحلقة السادسة

                            

                           

مذكرات العقيد الركن هادي خماس مديرالأستخبارات العسكرية الأسبق

      

      


الحرس القومي لا يمتثل
واستمر قائد الحرس القومي لا يمتثل لأي أمر صادر اليه بفعل ما يهوى دون وازع أو رادع فشكل مكتب تحقيق خاصا عرف بمكتب عمار علوش ، وكان لهذا المكتب الحق في إصدار أوامر الاعتقال والتعذيب وإطلاق السراح، وقد انتشرت الرشاوى والأتاوات والهدايا انتشار النار في الهشيم الذي أجبر مقر الحاكم العسكري بشخص الزعيم رشيد مصلح أن يبرق إلى وزير الدفاع في 11/10/1963 برقية تحت رقم 1272 هذا نصها:
نص البرقية من الحاكم العسكري العام
إلى السيد وزير الدفاع
إلى السيد مدير الاستخبارات العسكرية
لقد كثرت الشكايات من جراء التصرفات اللا قانونية من قبل مكتب التحقيق الخاص الذي اخذ على عاتقه الانفراد بالتحقيق والاعتقال لذا نرى إعفاء هذا المكتب وتشكيل هيئة تحقيق أمن الجمهورية ليكون ارتباطها بالاستخبارات العسكرية

                                                         

الزعيم رشيد مصلح
الحاكم العسكري العام
لقد رفض مدير المكتب عمار علوش هذا الأمر ولم يمتثل له بحجة أن المكتب مرتبط ارتباطاً كلياً بالحزب وقيادته هي المرجع الوحيد لإصدار مثل هذه الأوامر.
لقد كثرت الشكاوى كما كثرت الأوامر والتعليمات سواء من وزير الدفاع أو الحاكم العسكري العام التي تصدر تباعاً والتي لم تستطع الحد من سيطرة المكتب الخاص المرتبط بقيادة الحرس القومي مباشرة.. فكتب وزير الدفاع كتابا تحت رقم 168 في 4/6/1963 معنوناً إلى الحرس القومي
نص الكتاب..
إن الحرس القومي يقوم بأعمال من شأنها تعكير صفو الأمن وراحة المواطنين وإذا استمرت هذه الأعمال فان القيادة العامة للقوات المسلحة تجد نفسها مضطرة لحل الحرس القومي.
صورة منه إلى مديرية الاستخبارات العسكرية

                       
                                                                         الفريق الركن

صالح مهدي عماش
ورغم كل هذه المحاولات تجاوز الحرس القومي كل الحدود وشعر المسؤولون خطورة الأوضاع إزاء تصرفات الحرس وما يقال عنه ، واتسعت شقة الخلاف بين مناحي الحزب وساد الإرهاب وطال كل شيء ما أدى إلى عزلة الحزب عن الشعب ، وأدركت قيادة الحزب حراجة موقفها وبدأت تحاول يائسة أن تضيق الشقة في الخلاف الذي أحدثه تصرف الحرس القومي، فبدأ الصراع بين رفاق الأمس أعداء اليوم، ولم يكن الصراع صراعاً عقائدياً أو حزبياً بل على وجه الدقة كان صراعاً على السلطة. تصرفات قيادة الحرس القومي هذه افقدت حزب البعث شعبية على الساحة العراقية، وأصبح الشعب العراقي من هذه التصرفات مهيأً لقبول أي حركة تقوم بإنقاذه من الفوضى وفقدان الأمان اللذين يعيشهما.. وهذه الفوضى.. والصراع بين قيادة الحزب على السلطة كان الطريق إلى قيام حركة 18 ت1 1963 ونجاحها.

     


حركة 18 تشرين الاول
لم تحط حركة 18 ت2 1963 مثل غيرها من التغييرات والحركات والانتفاضات التي قادها الجيش العراقي بالإحاطة الكاملة عن حقائقها. البعض اعتبرها حركة تصحيحية ضرورية لإنهاء الفوضى التي اغرق نظام 8 شباط البلاد فيها، وآخرون ممن كان جزءا من صراع سلطة شباط اعتبروها ردة ، وانضم إليهم بعض من أسهم في التخطيط والتحريض على الحركة وتنفيذها لاسيما بعد 17 تموز 1968.
وقبل التقييم والحكم على هذه الحركة لابد من التعرف على ما جرى قبل وأثناء تنفيذ الحركة، وما هي المقدمات ومن هي القوى والعناصر التي خططت ونفذت الحركة. وإذا كان الشاهد الرئيس على ما جرى هو الأستاذ صبحي عبد الحميد يرافقه صديقه الصدوق المقدم الركن هادي خماس والذي كان رئيساً في شعبة الحركات التي كان مديرها العقيد الركن صبحي عبد الحميد.. فحقاً سيكون القارئ والباحث أمام حقائق دون تزيين أو تجاهل.. حيث كان للضباط القوميين دور كبير لقيادة التغيير وللبعثيين دور أكبر في التنفيذ.
ولّد تشكيل المجلس الوطني لقيادة الثورة بعد ثورة 14 رمضان تذمراً واسعاً ومؤثراً لدى قسم كبير من الضباط البعثيين الذين ساهموا فعلاً في تنفيذ الثورة، وكان بعضهم يعتقد أنه أجدر للانضمام إلى المجلس الوطني من بعض أعضائه، وكان النقد موجها بصورة خاصة ضد العقيد الركن خالد مكي الهاشمي، وإلى الرائد أنور الحديثي والنقيب منذر الونداوي بدعوى أن رتبهم العسكرية صغيرة، وكان الرائد الركن محمد حسين المهداوي على رأس المتذمرين .

               

                           العقيد سعيد صليبي

والمتذمرون كثيرون : العميد رشيد مصلح الحاكم العسكري، والعقيد سعيد صليبي وغيرهم، وكان لهؤلاء تأثير على بعض ضباط الحزب من رتبة نقيب فما دون . كما منحت الرتب العسكرية جزافا لبعض المدنيين ما أثار حسداً وضغينة بين الضباط.
وكان هذا الحسد والتذمر عاملين مهمين في تصدع الحزب داخل الجيش ، وكان صراع آخر في الجناح المدني وفي أعلى مستوياته يدور بين قطبي الحزب علي صالح السعدي أمين سر القطر وحازم جواد الذي كان يعتقد أنه أجدر من علي صالح ، وكان يؤيد حازم طالب شبيب، بينما كان محسن الشيخ راضي وهاني الفكيكي وحمدي عبد المجيد يؤيدون علي صالح السعدي، فانقسم الحزب إلى جناحين وأخذ كل جناح يبحث عن الأنصار في صفوف الحزب، وكان طابع هذا الانقسام شخصياً وليس فكرياً، وسمي جناح السعدي باليساري وجناح حازم باليميني ، وكانت الاتهامات متبادلة بين الجناحين على التصرفات الشخصية وعلى الممارسات الحزبية الخاطئة. وقد انتصر جناح حازم في أيار 1963 بتنحي السعدي من منصب وزير الداخلية وعين بدلاً عنه حازم جواد وتسلم هو منصب وزير الإرشاد ، وسيطر على أجهزة الاعلام. وتوجه الجناحان إلى الجيش وهما يزمعان كسب الأنصار والمؤيدين منه، وكان كل منهما يسعى إلى كسب وزير الدفاع صالح عماش القطب المهم الآخر في الحزب.


محاولات استقطاب
كان صالح حائراً بين الجناحين، وشعر بأنه عنصر أساسي يسعى الطرفان إلى كسبه ، فأراد أن يزيد في رصيده بالإيحاء إليهما بأن القوى القومية في الجيش تسانده وتدعمه، فأخذنا معه بدون مناسبة إلى دعوتين أقيمتا له، الأولى أقامها علي صالح السعدي ومدير الشرطة العام احمد أمين في إحد بساتين الكاظمية، والأخرى في بيت حازم أو طالب. وقد حدست الغرض من أخذنا معه بعد أن بين لي الرائد علي عريم سكرتير وزارة الدفاع سعي الطرفين لكسب صالح مهدي عماش. ولقد مال صالح في بداية الأمر إلى جناح حازم ولكنه لما عرف أن منافسه القوي على منصب وزارة الدفاع المقدم الركن عبد الستار منذ البداية يطمح أن يتولى منصب وزير الدفاع، ولكن الحزب فضل صالح عليه لقدمه في الحزب ولأنه قبل الثورة كان مسؤولاً عن المكتب العسكري، ولأنه عضو في القيادتين القطرية والقومية. وكان لعبد الستار تأثير على بعض الضباط البعثيين الذين انضموا إلى الحزب بعد انضمامه إليه في سنة 1961، مما كسب حازم قوة. كما مال إليهم ضباط آخرون تعاونوا مع الحزب قبل الثورة وبعدها، كرشيد مصلح الحاكم العسكري العام، وسعيد صليبي آمر الانضباط العسكري وعدة بعثيين ، بالرغم من أنهم لم يفقهوا أسس الحزب وأهدافه، وكانا يعتقدان أنه الأقدر على إزاحة عبد الكريم قاسم. وكان لهذين الضابطين تأثير على عدد لا يستهان به من ضباط البعث الذين كان ارتباطهم الحزبي ضعيفاً. وهكذا انقُذت وحدة الحزب.

انتخاب قيادة جديدة للحزب
كانت تصرفات الحرس القومي المحسوب على جماعة علي صالح والمؤيد القوي له، صيداً ثميناً لجماعة حازم، فأخذوا ينتقدونها سراً وعلانية، فكسبوا بذلك عدداً من الحزبيين العقلاء وخاصة المثقفين منهم الذين كانوا بدورهم غير راضين عن هذه التصرفات.
وقد أعدت جماعة حازم جواد بالاتفاق مع بعض الضباط الموالين لها خطة لاعتقال مجموعة علي صالح السعدي أثناء الاجتماع وتسفيرهم خارج العراق، وانتخاب قيادة قطرية جديدة يكون أغلبها من جماعة حازم. وهكذا أحاطت سرية من الانضباط العسكري مبنى المجلس الوطني الذي انعقد فيه المؤتمر، ودخلت مجموعة من الضباط قاعة الاجتماع وأحاطت بالمجتمعين وجردتهم من أسلحتهم، وكان على رأس المجموعة الرائد محمد حسين المهداوي الذي جاء من دمشق خصيصاً لهذه الغاية. وكان معه، العقيد سعيد صليبي والمقدم فهد جواد الميرة والرائد علي عريم والرائد جميل صبري والرائد صلاح الطبقجلي. وقف محمد حسين المهداوي خطيباً وعدد أخطاء مجموعة علي صالح السعدي، وتصرفات الحرس القومي، وهاجم صالح مهدي عماش. ثم تلا ذلك انتخاب قيادة قطرية جديدة تألفت من:

          

احمد حسن البكر – طاهر يحيي – حازم جواد – طالب شبيب – عبد الستار – عبد اللطيف – صالح مهدي عماش – محمد حسني المهداوي – كريم شنتاف – طارق عزيز – عدنان القصاب – فؤاد شاكر مصطفى – فايق البزاز – علي عريم – عبد الستار الدوري – منذر الونداوي – حسن الحاج وادي.
واتخذت هذه القيادة قراراً بإبعاد:

                            

علي صالح السعدي – هاني الفكيكي – محسن الشيخ راضي – حمدي عبد المجيد ، أبو طالب الهاشمي إلى خارج العراق.
لم يعترض أنصار علي صالح السعدي في القيادة الجديدة على الإبعاد خوفاً من أن يشملهم هم أيضاً، وكان أشدهم هدوءاً منذر الونداوي الذي وافق على القرارات ولكنه كان يدبر في نفسه أمراً لإجهاض هذه القرارات وإعادة الشرعية إلى الحزب حسب رأيه بالقوة كما انتزعها المتآمرون على الحزب كما كان يعتقد بالقوة أيضاً. وأعدت للمبعدين طائرة خاصة نقلتهم في الليلة نفسها إلى أسبانيا. وقررت القيادة الجديدة حل الوزارة السابقة وتشكيل وزارة جديدة برئاسة احمد حسن البكر تضم عناصر بعثية معتدلة، وبعض العناصر القومية الوحدوية. وبدأ رئيس الجمهورية الذي أبدى فرحه الشديد بهذا النصر ورئيس الوزراء يستعرضان الأسماء لتشكيل الوزارة إلا أن الأحداث تسارعت كما سيتضح ، وجمدت فكرة التشكيل الوزاري الجديد لحين انجلاء الأمور.


بداية 18 تشرين
في مساء اليوم نفسه 11/11/1963 وقبيل الاجتماع المذكور استدعاني الفريق طاهر يحيى مدير الحركات إلى مكتبه وطلب مني البقاء في مكتبي في تلك الليلة. ولما سألته عن السبب، قال: "إن قيادة الحزب ستعقد مؤتمراً هاماً هذه الليلة وسيكون جميع المسؤولين والكادر الحزبي المتقدم فيه، ولضمان أمن البلد لابد من أن يبقى بعض المسؤولين في مكاتبهم لاتخاذ تحوطات الأمان إذا ما حدث حادث ما، وأنت مدير الحركات العسكرية وتستطيع أن تحرك القطعات العسكرية لمعالجة المواقف في غيابي وغياب وزير الدفاع".
ولم يخطر ببالي أي شك أو شبهة في كلامه، واعتبرت الأمر زيادة في الحذر لا مبرر لها، ولم يتسرب لي أي خبر عما سيجري في هذا المؤتمر. وفوجئت بأحداثه عندما أخبرني به الفريق طاهر عند عودته إلى وزارة الدفاع في منتصف تلك الليلة. وتجنّباً للوقوع في أخطاء دعاني لأكون بجانبه لمعالجة ما قد يطرأ على الساحة السياسية.
كان يوم 11 تشرين الثاني سنة 1963 هو البداية الحقيقية لحركة 18 تشرين ، فقد بدأ الصراع بين جناحين في الحزب ، وفي هذا اليوم انتهى إلى صراع بين الدولة والحزب. وفي هذه الليلة أيضاً صدر أمر بوضع الجيش بالإنذار حتى اشعار آخر تحسباً وتحوطاً لأحداث غير متوقعة تقود البلاد إلى حرب لا سمح الله. وحال خروج منذر الونداوي من الاجتماع بدأ يتصل بقيادة فرع بغداد للحزب التي كانت موالية لعلي صالح وبالحرس القومي ليعد انقلاباً ضد الانقلاب الذي حصل في مبنى المجلس الوطني. بدأ الحرس القومي في يوم 12/11/1963 ينتشر في شوارع بغداد وأزقتها، وأخذ يعترض سيارات الضباط ويفتشها مما زاد في تذمرهم خاصة ذوي الرتب العالية. وحصل اعتداء كلامي على مدير الإدارة العميد مدحت السيد عبد الذي انتمى مؤخراً للحزب فجاء إلى مقر الوزارة يشكو وهو غاضب وفي أشد حالات الهياج ويطلب اتخاذ إجراءات فعالة بوقف هذه التصرفات. فطيبت خاطره وقلت له: إنهم شباب لا يقدرون عاقبة أفعالهم ويتصرفون تصرفاً ذاتياً..

مر يوم 12/11 بسلام، وما كادت شمس صباح يوم 13/11 تبزغ حتى سمعنا أزيز طائرة هنتر تمر من فوق مبنى وزارة الدفاع، وبعد لحظات سمعنا دوي الانفجارات، حيث قصفت مبنى الانضباط العسكري فلم تصبه، وكان الهدف تدمير القوة الرئيسة التي لم يكن لحزب البعث (جماعة علي صالح السعدي) نفوذ فيها. ثم علمنا أن الطيار سبق له أن قصف مطار معسكر الرشيد ودمر أربع طائرات ميك 19، ثم قصف مبنى القصر الجمهوري فلم يصبه. وكان الطيار هو المقدم منذر الونداوي الذي اتفق مع قيادة فرع بغداد للحزب وقيادة الحرس القومي دون علم قائده الجديد على السيطرة على بغداد، وذهب إلى الحبانية حيث كان يشغل منصب قائد الجحفل الجوي التعبوي بعد أن ابعد من منصبه قائداً للحرس القومي. واتفق مع آمر القاعدة الجوية فيها وطار بطائرة هنتر ونفذ عملية القصف. لم تكن في الحبانية سوى طائرات الباجر القاصفة حيث كانت طائرات الهنتر في الموصل تشترك في قمع عصيان الملا مصطفى البارزاني.

           

ولقد أمر حردان آمر القاعدة الجوية في الموصل بإرسال طائرتي هنتر إلى الحبانية لتكون جاهزة للاستخدام عند الضرورة. وصلت الطائرتان يوم 12 تشرين إلى مطار الهضبة في الحبانية وذهب طياراها إلى داريهما في الحبانية حيث كانا أصلا من سكنة الحبانية. وهما الرائد حميد شعبان والنقيب عادل سليمان وتركا طائرتيهما مسلحتين في مطار الهضبة.

السيطرة على الحبانية
وصل منذر إلى الحبانية في الساعة الثانية من ليلة 12/13 تشرين واجتمع مع آمر القاعدة الرائد الطيار يونس محمد صالح وشرح له الموقف ثم جمع الضباط والمراتب البعثيين في القاعدة وشرح لهم الموقف وطلب مساعدتهم فاتفقوا جميعاً معه. ثم أمر بتسليح طائرة باجر لقصف مقر رئاسة الجمهورية في بغداد. إلا أن آمر القاعدة نصحه باستخدام إحدى طائرتي الهنتر. وهكذا كان. وبعد الاتفاق اتصل صبحي عبد الحميد برئيس أركان الجيش وبوكيل قائد الفرقة الثالثة في الحبانية العقيد الركن حسن عبد اللطيف وطلب منه السيطرة على القاعدة الجوية فيها واعتقال منذر الونداوي ومن ساعده على الطيران ، ومنعه من الطيران ولو أدى ذلك إلى استخدام القوة. ومن خلال الحديث مع القائد وجده متردداً، فطلب من المقدم الركن علي حسين جاسم مديرية الشعبة الأولى في مديرية الحركات العسكرية الذهاب إلى الحبانية ومساعدة وكيل القائد والسيطرة على الحبانية وقاعدتها الجوية. فذهب وقام بواجبه بصورة جيدة، وبقي فيها حتى يوم 19 تشرين. أمر حردان فوراً آمر القاعدة الجوية في كركوك بإرسال طائرتي ميك إلى الحبانية لتدمير طائرتي الهنتر. فطار كل من الرائد نعمة الدليمي والنقيب محمد جسام ودمرا طائرتي الهنتر وهما جاثمتين على مطار الهضبة وهكذا وفي يوم واحد خسر الجيش ست طائرات نتيجة هذا الصراع الحزبي ولم تكن في الحبانية وحدات مدرعة يستخدمها وكيل القائد لغلق المطار. لذلك صدرت الأوامر إلى كتيبة المدرعات السورية الموجودة في الحبانية بتنفيذ هذا الواجب. ولقد أطاع أمر الكتيبة السوري البعثي هذا الأمر بعد أن عرف من منذر الونداوي أن هناك صراعاً داخل الحزب، ولما لم يتلق أي أوامر من مراجعه في سوريا فضل أن يقف مع السلطة الشرعية ما دامت هي طرفا في هذا الصراع، فأرسل مدرعاته فأحاطت بالمطار ووقف قسم منها على مدرج المطار لمنع الطائرات من الطيران. ولما رأى منذر الونداوي أن الموقف تطور وأصبح في غير صالحه هرب مع آمر القاعدة وضابط أخر بسيارة أمر القاعدة إلى سوريا. وبعد قيام منذر الونداوي بقصف بغداد أخذت الأخبار ترد من مختلف المصادر. فعرفنا بأن الحرس القومي سيطر على دار الإذاعة في الصالحية ومراكز الشرطة ودوائر البرق والبريد وبعض دوائر الدولة الحساسة، فتداولنا مع رئيس أركان الجيش في هذا الشأن، واتفقنا على الاتصال برئيس الوزراء لأخذ رأيه بما يجري واخباره بالإجراءات التي اتفقنا على القيام بها، فاتصل طاهر يحيى، فوافق على إصدار بيان بحل الحرس القومي ووضع الجيش بحالة إنذار قصوى، وإذا اضطر الموقف نستخدم بعض وحداته لاستعادة المراكز والدوائر المحتلة، وإصدار بيان لمنع التجوال.

        

عفلق والقيادة القومية في بغداد
وصل إلى بغداد يوم 13/11/1963 بعض أعضاء القيادة القومية لحزب البعث قادمين من دمشق بناءً على طلب صالح عماش والبكر وهم : ميشيل عفلق – أمين الحافظ – صلاح جديد – جبران مجدلاتي – عبد الخالق النقشبندي ، وكان الهدف من استدعائهم هو المساهمة في معالجة الموقف المتأزم في الحزب والذي بات يهدد مصير الحزب والحكم معاً. وكانت معالجة القيادة القومية للأمور خاطئة حيث التزمتْ جانب مجموعة علي صالح السعدي. فأصدرت في يوم 15 تشرين الثاني بياناً تدين فيه الاعتداء على الشرعية الحزبية، واعتبرت ما حصل في المؤتمر القطري الذي عقد يوم 11/11 غير شرعي ومنافياً للتقاليد الحزبية، وأنه انقلاب على القيادة الشرعية للحزب، وحلت القيادة القطرية المنبثقة عنه، كما حلت القيادة القطرية القديمة، وقررت أن تتولى القيادة القومية مسؤوليات القيادة القطرية في العراق، والتحقيق في كافة الأخطاء التي حدثت منذ تسلم الحزب مسؤولية الحكم. وقررت القيادة القومية حصر صلاحية اتخاذ العقوبات بحق الحزبيين التابعين للتنظيم في العراق بالقيادة القومية، كما قررت إجراء الانتخابات الحزبية في القطر العراقي بمراحلها كافة، وعقد مؤتمر قطري لانتخاب قيادة قطرية جديدة في مدة لا تتعدى أربعة أشهر. كما أجلت في الوقت الحاضر عودة المبعدين الخمسة الذين أبعدوا إلى أسبانيا بصورة غير شرعية. وكان أهم قرار يجب أن تتخذه هو حل الحرس القومي لأنه المسؤول الأول عن كل أخطاء الحزب وبسبب تذمر الشعب والحزبيين المعتدلين معاً.
ثم أخذت القيادة القومية تدرس مع قيادة فرع بغداد تشكيل وزارة جديدة برئاسة السيد احمد حسن البكر، إلا أن قيادة فرع بغداد التي كانت تسيطر على الحرس القومي ويتبعها معظم الجهاز الحزبي في بغداد أصرت أولاً على تنحية عبد السلام عارف من رئاسة الجمهورية وتنحية كل الذين شاركوا أو تعاونوا ضد الشرعية الحزبية في يوم 11/11/1963 واستخدمت قيادة فرع بغداد أجهزة الإعلام التي كانت تسيطر عليها من صحف وإذاعة وتلفزيون في استفزاز الطرف الحزبي الآخر وكيل الشتائم والاتهامات لهم. واعتبرت ما حدث يوم 13 تشرين الثاني انتفاضة بطولية قادها الحزب لإعادة الشرعية وأن عمل منذر الونداوي المتفق معها عملاً بطولياً. أغاضت هذه البيانات والاستفزازات الضباط الذين شاركوا في أحداث يوم 11/11 وخشوا من أن اتفاق القيادة القومية مع قيادة فرع بغداد سيؤدي إلى عودة علي صالح السعدي ومجموعته فينالوا العقاب ولربما يؤدي ذلك إلى إعدامهم، وهذا الاحتمال دفعهم إلى العمل بسرعة لإنهاء الوضع لصالحهم، وكان هذا دافعاً أساسياً لاقتناع كثير من ضباط البعث بالاشتراك في حركة 18 تشرين.
مكتب عسكري
شكلت القيادة القومية مكتباً عسكرياً مؤلفاً من: صالح مهدي عماش – طاهر يحيي – ذياب العلكاوي – علي عريم – حردان التكريتي – منذر الونداوي – سامي سلطان – عبد اللطيف الحديثي. ويلاحظ أن هذا المكتب يضم أعضاء من الجناحين المتنافسين وبالأخص يضم منذر الونداوي الذي قصف بغداد وكان هذا بمثابة مكافأة له وتثمين جديد لعمله.

للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة..

http://www.algardenia.com/ayamwathekreat/14937-2015-02-11-18-43-41.html

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1253 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع