مفارقات في سفره سياحيه!!
وقائع قصة حقيقية حدثت في الزمن الماضي بأشخاصها الحقيقين أرتبط الأنسان منذ ألأزل بالماء، حيث وجدت أثار الأنسان قرب وحيثما توفرت مصادر المياه المختلفة في الطبيعة. وقامت الحضارات الكبيرة في بلاد ما بين النهرين على نهري دجلة والفرات وفي الهند على نهر الكانج المقدس وفي مصر كانت الحضارة هناك هبة النيل العظيم. وقد كان للماء ذكر واسع في القرآن الكريم وأستشهد به في مواضع عدة ومنها ألأية الكريمة (وخلقنا من الماء كل شيء حي) سورة الأنبياء 30.
صورة تمثل نهر دجلة من جانب الكرخ
وقد كان البغدادي بصورة عامة والكرخي بصورة خاصة عاشقين للماء ولنهر دجلة بالذات، فأقيمت الصروح وأسست المدن والبيوت الكبيرة على ضفاف نهر دجلة الخالد. وكان البغداديون يقضون جل أيام الصيف يسبحون في مياهه لدرء حر الصيف عنهم ويقضون أمسياتهم على رمال شطآنه ويركبون الزوارق لتمضية ليالي الصيف الساحرة فوق مياهه وعلى الجزر الرملية التي تظهر في النهر بعد أنحسار المياه صيفاً،
وقد صور الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري هذا التعلق بين الأنسان والنهر منشداً من منفاه (يادجلة الخير يا أم الرياحين X حييت سفحك عن بعد فحييني). وأقيمت على ضفاف نهر دجلة المقاهي الجميلة التي كانت مأوى للبغادة والكرخيين بالذات لما توفره هذه المقاهي من أجواء منعشة، ومن هذه المقاهي البيروتي وأبو القاسم ومقهى ستوري المعلك والريف العربي والقبطان والخفافين وكثير غيرها من الأماكن التراثية الجميلة والقصور والجوامع التي كانت تتوسط عقد نهر دجلة على ضفتيه.
صيادو السمك النهري
وقد كان تطور المجتمع يلقي بظلاله الثقيلة على الأنسان والنهر وخاصة نهر دجلة من خلال إتخاذ إجراءات أمنية حدّت بشكل كبير من تمتع الأهالي بدجلتهم فأمسى النهر حزيناً لايؤمه أحد لقضاء تلك الأوقات الممتعة والتي كانوا يقضونها سابقا، كما انعكس التأثر على مهنة صيد السمك النهري، فأتجه أغلبهم صوب البحيرات الكبيرة عوضا عن النهر لممارسة مهنتهم وألأرتزاق منها، كما أستبدل كثيرون مهنة الصيد الى مهن أخرى، منها تحوير زوارقهم الى وسيلة لنقل الأشخاص ما بين ضفتي النهر.
الزوارق لنقل الأشخاص بدلا من ممارسة الصيد في نهر دجلة
فأتجهت جموع الصيادين (السماجة) الى بحيرات العراق وخاصة بحيرة الثرثار بدلا من مياه دجلة الذي أغلق بوجه الكثيرين للدواعي ألأمنية، أضافة الى أن مياهه أصبحت ملوثة وخطرة جراء إقامة العديد من المشاريع الصناعية على ضفافه مما ساعد على سرعة تلوث مياهه بالفضلات الكيمياوية التي تلقى بالنهر مع تكاثر الملوثات الطبيعية والعضوية للأنسان والتي ساهمت في تلوث ضفافه ومياهه بمساحات شاسعة.
مشهد من التلوث البيئي للنهر
وكنا نحن أهل الكرخ شغوفين بالتمتع بليالي الصيف الساحرة على ضفاف دجلة وخاصة في منطقة الجعيفر الثاني والعطيفية فكانت تقام سنويا (الجراديغ) ألأهلية والرسمية لأستيعاب العامة والخاصة للتمتع بالأجواء الخلابة التي يلقيها النهر على ليالي الصيف.
الجراديغ والسباحة في نهر دجلة أيام الصيف
لكننا أضافة لما ذكر فقد قمنا بأرتياد بحيرتي الحبانية والثرثار بدلاً من شطآن دجلة كي نقضي يوما أو بعضاً منه بصحبة اصدقاءنا أو عوائلنا نخفف بها عن عبء العمل وضغط الحياة.
إحدى سفراتي لبحيرة الحبانية في عام 1970
وكان توجهي بالذات لأرتياد بحيرة الثرثار، بسبب وجود أصدقاء لي يمتلك ذويهم زوارق صيد وأكواخ دائمة في منطقة ساحرة من البحيرة تدعى (الوحش) والتي تضاهي بجمال طبيعتها أجمل المناطق المائية في العالم، ولهذا السبب تم أختيارها لأقامة قصر للرئيس صدام حسين فيها.
جانب من قصر الرئيس صدام في بحيرة الثرثار
وكنت أصطحب بين ألفينه والأخرى أصدقاء لي في سفرات الى ذلك المكان نتمتع بجماله وسكونه والذي يضفي الراحة التامة للزائرين، مع التلذذ بوجبة سمك مسكوف يعدها خصيصاً لنا أصحاب الكرم من السماجة والذين هم أهل الاختصاص في إعداده على الطبيعة، حتى أن المرحوم علوان شهاب والد أصدقائي حسن والمرحوم شكري واياد أخبرني ذات مرة أنه تاه في بحر الثرثار لمدة عشرة أيام وهكذا كان يصفه لأتساع مساحته وبقي وحيداً يجوب الثرثار وغذاءه فقط السمك الذي يشويه في قاربه، وكنا نشاهد أعداداً من ألأجانب العاملين في القطر في الشركات أو البعثات الدبلوماسية بمختلف جنسياتهم يقصدون هذا المكان طلبا للهدوء وألأستجمام بعيدا عن ضجيج وزحمة المدن ومتاعب الحياة، حاملين معهم زوارقهم الخفيفة للتمتع بمياه البحيرة الرائع أيام الصيف والخريف في العراق.
ألأجانب في بحيرة الثرثار
ونظراً لطبيعة هذا المكان الرائعة والخلابة واختياره مقراً لأحد القصور الرئاسية كما أسلفنا، فقد تم أغلاق المكان ومنع الزائرين والسياح الأجانب من الدخول اليه وتوسع المحيط ألأمني للمجمع حتى وصل لغاية بلاجات بحيرة الثرثار والتي تقع قرب الطريق الواصل لمدينة الفلوجة، وأضطر صيادو الأسماك الى الانتقال لمكان أخر طلبا للرزق.
وفي الأوقات التي كنت أباشر في العمل بأحدى سفاراتنا في الخارج كنت أسترجع مع نفسي ذكريات أيام الرحلات والسفرات مع الأصدقاء والعائلة الى تلك الأمكنة الجميلة وأتحرق شوقاً للعودة للوطن، كي أعود الى تلك الأماكن مرة أخرى حيث أن متعتها لا تضاهيها أية متعة أخرى في أي من بقاع العالم.
وبعد رجوعي للوطن عام 1985 منهيا سني خدمتي في بعثتنا في كاراكاس، عادت ألأشواق تداعب مخيلتي مسترجعا الذكريات ومصراً على تنظيم سفرة عائلية تجمعني وعوائل زملائي نتوجه بها الى بحيرة الثرثار، لكن تطورات الحرب العراقية ألأيرانية آنذاك وأستدعائي لخدمة ألأحتياط أجل تلك التطلعات الى وقت أخر.
في سفارتنا في كاراكاس أنا في الوسط والسيد السفير الأول من اليسار
كان يرافقني في سفراتي ورحلاتي رفيق عمري وصديقي ألأثير الى نفسي الشهيد (شكري علوان شهاب) والذي كان يسهّل عليّ سقم الرحلة وطول طريقها الى الثرثار، ويجهد نفسه في خدمة الجميع لما يتصف به من نكران ذات وطيبة نفس ودماثة الخلق وابتسامة دائمة تخفف عن الجميع توتر الرحلة، رحلاتنا معه كانت تبقى عالقة في الذهن لفترة طويلة، إلا أن أستشهاده أثناء الواجب عام 1982 أصابنا جميعاً بمقتل وأنتابنا الحزن الشديد عليه فترة طويلة وبقينا نتأسى لفقدانه في وقت كان هو يتوسط عقد ألأحبة من الأصدقاء والأقارب.
مع مجموعة من الأصدقاء في كلي علي بك عام 1981ويبدو شكري الثاني من اليمين بجانبي
في بداية أكتوبر تشرين أول 1986، تحادثت مع شقيقي وبعض الأصدقاء لترتيب رحلة عائلية نتجه بها الى منطقة الثرثار، وتم الاتفاق على رحلة تضم أضافة لعائلتي، عائلة أخي وعائلة الأخ عادل عبود وعائلة الأخ حسن علوان وعائلة الأخ ثائر حامد وعائلة زميل له يدعى ماجد. أنطلقنا من مكان تجمعنا في داري الكائن في حي القضاة (حي حطين لاحقاً) على أمل العودة بعد الرحلة لنفس المكان، تحركنا صوب الفلوجة، ومن هناك اتجهنا يميناً في الشارع المحاذي لمدينة ألعاب الفلوجة بإتجاه بحيرة الثرثار، ضمت القافلة عدة سيارات شخصية وبيك أب تعود لثائر حامد ومعهم جلست عائلة زميله ماجد، وقد جلب ثائر معه قارب مطاطي كبير حمله على ظهر السيارة وهو ينفخ بواسطة هواء العادم واستخدمناه عند الوصـــول.
جلب بعض الأخوة معهم أسلحتهم الشخصية لأشعار العوائل بالأمان، ومن الجدير بالذكر أن الأخ عادل عبود كان يقود دراجة نارية رسمية تعود لدائرته حيث كان يعمل، وأصطحب معه زوجته وأجلسها ورائه طيلة الطريق عند الذهاب والعودة.
عند وصول طلائع قافلتنا الى قرب البلاجات في بحيرة الثرثار قدنا سياراتنا الى منطقة قريبة من حافة البحيرة، وهناك أستوقفنا شخص يقود سيارة فولفو خضراء اللون وأبلغنا أن في مياه البحيرة صاروخاً لا أحد يعلم من اين أتي ومن هو الذي ألقى به في الماء وأنه سوف يذهب للتبليغ عنه لدى السلطات ألأمنية ونبهنا الى ضرورة الحذر وعدم الاقتراب منه، لاسيما وأنه قد قام بوضع أشاره بالقرب منه تنبه عن مكانه، شكرناه وذهب كما أبلغنا متجها صوب الفلوجة، لكننا بعد ذلك علمنا أن ذلك كان كمينا لمعرفة مدى اهتمام الناس بهذا الصاروخ.
في منطقة الوحش ويبدو رعد وشكري وثائر وحسن وأنا حامل العصى في سفرة سابقة
بعد أن نظمنا المخيم ومهدنا الأرض التي سنجلس عليها، أخذ منا الفضول كل مأخذ وقررنا الذهاب الى حيث أشار ذلك الشخص والذي لم يعد أبداً، وفعلاً شاهدنا كأنها حاوية كبيرة بطول يتجاوز الثلاثة أمتار وعليها علامات التحذير من خطورة فتح الحاوية، وضعنا عنده أشاره ثانية تدل على مكانه مخافة أن يقترب منه سهواً أحدنا عند السباحة في المياه القريبة.
الرماية على الهدف من الوضع الثابت
تفرقنا نلهو ونسبح في مياه البحيرة مع عوائلنا وأطفالنا، وبعد أن قام ثائر بنفخ القارب المطاطي فاستقلته العوائل تلهو وتمرح ساعات طويلة على صفحة مياه البحيرة الرائعة، وعاد الرجال لترتيب أمور الطعام وسكف السمك وشوي اللحم وتحضير السلطات، وقام قسم من الأصدقاء بالرمي على أهداف وضعت للهو وأظهار البراعة في أطلاق النار وأجاده أصابه الهدف.
بعد فترة أبلغتنا زوجاتنا أن سيارة متوقفة عن بعد ويجلس فيها شخص ينظر باتجاهنا بواسطة ناظور مقرب، التفتنا ناحية السيارة المتوقفة على مسافة تبعد حوالي 500 متراً وكانت نوع (لاند كروز) عسكرية وبها شخص يجلس في الخلف ويبدو أنه عسكري، يمسك بمنظار يراقب به المنطقة التي نتواجد فيها، لم نأخذ الأمر على محمل الجد واعتقدنا أنه في إجازة وعند عودته رأى هذا التجمع من العوائل وسمع أطلاقات نارية ورغب أن يراقب ويبدو أنه لم يشاهد هكذا تجمع للعوائل منذ فترة طويلة بسبب ظروف الحرب العراقية ألأيرانية القاسية والتي كانت تدور رحاها على مختلف الجبهات.
كما لم يخطر ببالنا أن الشخص المذكور كان يسجل أرقام سياراتنا الواحدة تلو الأخرى ويراقب تصرفاتنا ونوايانا وردود أفعالنا فيما يتعلق بالصاروخ الذي نوهنا عنه، لاسيما وأنه كان يعتقد – وهكذا علمنا فيما بعد – أننا قد جلبنا البيك أب والغطاء والمتمثل بالقارب المطاطي لتحميل وأخفاء الصاروخ ونقله الى مكان أخر واستخدامه في عملية ضد النظام، لاسيما وأن هذا الشخص كان مسؤول حماية قصر الرئيس في منطقة الثرثار.
لم نهتم للأمر وبعد ان أكلنا وتمتعنا بأجواء المنطقة الساحرة قررنا المغادرة، حيث أن الشمس قد مالت للمغيب، ودعنا الأخ عادل عبود وزوجته وقفل راجعا على ظهر دراجته النارية متوجها الى بغداد، حيث أخبرنا ان لديه خفارة في الدائرة بذلك اليوم.
عادل وزوجته عائدين الى بغداد
غادر بعده شقيقي وزوجته والأخ حسن وزوجته، فيما مكث أطفاله مع أطفالي في سيارتي على أمل أن أعيدهم سوياً الى دارنا عند الوصول حيث كانا ينتظرانا هناك.
خرجت أنا وعائلتي وبرفقتنا أطفال حسن، وكذلك عائلتي ثائر وماجد اللتان استقلتا (البيك اب)، وبعد أن غادرنا وعند وصولنا الى الشارع العام رأينا أن السيارة العسكرية التي كانت تراقب المنطقة قد تحركت هي الأخرى وتجاوزتنا بسرعة كبيرة متجهة الى الفلوجة بعد أن رمقنا راكبها بنظرة والشرر يتطاير من عيونه.
قبل وصولنا للشارع الرئيسي المتجه الى بغداد الذي يتقاطع مع الشارع المؤدي للثرثار شعرنا أن سير المركبات بدأ يبطئ من سرعته وأن هناك زحام في السير وتفتيش للسيارات الذاهبة باتجاه الفلوجة، وهنا كانت الصدمة فقد شاهدنا العشرات من منتسبي الجيش الشعبي بأسلحتهم يقطعون الطريق الذي يصل الى بغداد ويبدو أن لديهم أوامر مشددة بتفتيش السيارات الشخصية الصغيرة فقط ومن خلال قائمة بأرقام السيارات يحملها كل واحد منهم، وعند وصول سيارتي هجم علينا رجال المفرزة مصوبين علينا أسلحتهم ترافقها حركة سحب أقسام البنادق وأوامر بأصوات عالية بترك السيارة والترجل منها، أخبرت أحدهم أين ستأخذوننا فرد ألى مقرع فرع ألأنبار للحزب والذي كان على مقربة من المفرزة فأبلغته أني سأقود السيارة الى هناك ونذهب معهم الى حيث يشاؤون وكذلك فعل الأخ ثائر.
الجيش الشعبي في العراق
وصلنا الى حيث بوابة الفرع والجموع تطوقنا من كل جانب، وبعد أن ركنا السيارتين شاهدنا تجمعاً كبيراً ينتظر عند الباب الخارجي للفرع يتكون من حزبيين وعسكريين ومدنيين، بعد أن ترجلنا وعوائلنا من السيارتين تم أقتيادنا الى داخل بناية الفرع وأجلسونا في أحدى الغرف بانتظار قدوم أحدهم للتحدث معنا، وفعلاً لم يطل أنتظارنا طويلاً أذ وصل شخص قدم نفسه أنه مسؤول فرع الحزب في ألأنبار ويرافقه ضابط برتبة عقيد ركن قدمه الينا على أنه ضابط أستخبارات المنطقة الغربية، فتوجسنا أن يكون ألأمر كبيراً ونحن لا نعلم مداه، طلب أن نسجل أفاداتنا على الورق واستفسرت منه عن سبب هذه ألأجراءات سيما وأن أغلبنا من عوائل معروفة ، بعد أن عرفتّه بنفسي وعائلتي فعرفني على الفور وأختلفت لهجته وأسلوب تعامله معنا، أما الضابط المرافق له فكانت تبدو على وجهه مسحة التبرم ونظرة ألأستصغار فألتفت اليه قائلاً : أن لنا أقارب وأهل في بغداد يعملون مع النظام فهل تعرف لماذا نحن هنا فأجاب أنه لا يعرف فقلت له ألأفضل لك أن تذهب الى عملك الذي تعرفه وتترك الأخرين كي يؤدوا عملهم فخرج من الغرفة حانقاً بعد أن طلب منه مسؤول الفرع ذلك.
عرفنا من مسؤول الفرع أنه لا يعرف شيئاً عن الأمر سوى أن ضابطا برتبة رائد ركن عرّف عن نفسه أنه مسؤول حماية القصر الرئاسي في الثرثار وطلب أحتجاز ركاب جميع السيارات وقدم قائمة بالأرقام وأنه سوف يعود لأخذنا الى بغداد ليلاً، واستفسر مني مسؤول الفرع عن البقية فأبلغته أنهم غادروا قبلنا ومن المؤكد أنهم قد وصلوا بغداد ألان. وفعلا فأن شقيقي كان قد عمل في الرمادي وهو يعرف طرقاً مختصرة للوصول الى بغداد. قمنا بتدوين كافة المعلومات الشخصية التي رغبوا بمعرفتها عن كل شخص حتى زوجاتنا، وبقينا ننتظر مصيرنا وعيون الأطفال الباكية تنظر الينا ولا تعرف شيئاً كحال آبائهم، وقد أمر مسؤول الفرع والحق يقال بتقديم الشاي والمرطبات للأطفال كما أرسل بجلب العشاء لنا ألا أني رفضت بقوة تناول ألأكل بهذا الأسلوب فأعتذر الرجل بشدة ولسان حاله يقول ما هذه الورطة التي وضعت نفسي فيها.
ما أحلى نافذة الحرية
في الجانب ألأخر، وبعد أن تأخرنا بالعودة الى بغداد أخذ القلق يتسرب الى شقيقي، فأرسل زوج شقيقتي للبحث عنا في الطريق، وفعلاً فقد وصل الى بناية مقر الفرع ولاحظ سيارتي تقف عند البوابة الخارجية للفرع فعرف أن مكروهاً قد حصل لنا، عاد مسرعاً الى بغداد وأبلغ شقيقي بما شاهده، أتجه شقيقي وحسن سويا الى الفلوجة للأستفسار عما حصل لنا، وبعد وصولهما دخلا الفرع سائلين عنا ولما عرف المسؤولين في الفرع أنهما من ضمن الأشخاص المطلوبين أقتيدا الى حيث كنا نحن بالانتظار ، وعند رؤيتهما أنتابتنا حالة مركبة من الفرح الممزوج بالحزن، فرحنا لأننا أجتمعنا مرة ثانية وأنتابنا الحزن لأننا كنا نجهل مصيرنا والى اين يؤل.
بعد انتظار دام ساعات وبعد أن أقتربت الساعة من منتصف الليل، تناهى الى أسماعنا صوت جلبة وصياح أوامر يطلقها أحدهم قائلاً: جيبوهم .. جيبوهم، فألتقت أعيننا بعيون ذلك الرائد الذي سبب لنا كل تلك المأساة وهو يرمقنا بنظرة كراهية شديدة كهربت الجو وأنذرت بأمور لاتحمد عقباهــــا.
تم توزيعنا بمعدل عائلتين في كل (لاند كروز) عرفنا أنها تعود للأمن الخاص، كما عرفنا بعد ذلك وقاد قسم من رجال الأمن المرافقين لنا سياراتنا الشخصية معقبين القافلة التي تنقل العوائل، كانت وجهتنا الى بغداد حيث مرت السيارات قرب دارنا فرجوت المسؤول الذي كان بمعيتنا أن يسمح بأنزال الأطفال في دارنا القريبة لأنهم قد أصيبوا بحالة من الأعياء والتعب ونستمر نحن معهم ألا أنه رفض المقترح والطلب.
استمرت السيارات تنهب الأرض نهباً وتوجهت الى منطقة القصر الجمهوري، حيث دخلنا من إحدى البوابات الى أستعلامات القصر الجمهوري، ونحن نردد آية الكرسي والمعوذات في سرنا بعد تبينت لنا اتجاهات الأمور.
إحدى بوابات القصر الجمهوري التي تقود الى أستعلامات القصر
دخلنا مجتمعين الى قاعة الاستعلامات، حيث جلس ضابط صغير السن وراء مكتب موضوع في مقدمة القاعة وطلب من الرجال أن يجلسوا أمامه واحداً تلو ألأخر للأدلاء بإفاداتهم، فأبلغناه أننا قد أعطينا أفاداتنا مسبقاً الى مسؤول فرع ألأنبار للحزب، لكنه أخبرنا وبصوت عالي أنها أوامر وأن المعلومات هي لجهات أمنية، وأستمر بطرح الأسئلة والاستفسارات لمعلومات شخصية بحتة.
بعد أن أنتهى من تسجيل الإفادات جلسنا ننتظر والأطفال يتراجفون من البرد والجوع ونحن في أقصى درجات القلق من الأحداث التي تتالت علينا في ذلك اليوم وكنا لا نعرف مصيرنا والى أين ستؤول الأمور، وفي وسط ذلك التوتر المشحون بالخوف من المجهول القادم طلب ماجد من الضابط المسؤول الرخصة لكي يذهب لقضاء حاجته الطبيعية فأرشده الضابط بيده، ولكننا شاهدنا ماجد يروم بفتح باب يدخل به ثانية الى القاعة التي كنا فيها وهو على عجلة لفتح أزرار سرواله فأخذنا نضحك بشدة لهذا الموقف الذي برد قليلاً من الأعصاب التي كانت متوترة.
خرج علينا بعد فترة مدير مكتب حسين كامل ألمدعو (حاجم خميس عطية) يرافقه عقيد ركن عرّف عن نفسه بانه ضابط في مديرية الاستخبارات العامة، وطلبا من أحدنا أن يرافقهما لغرض استجوابه ، أزداد القلق لدينا ونحن لا نفقه أي شيء في ذلك الوقت، الى أن خرج مطمئنا الجميع أن الموضوع برمته يخص الصاروخ الذي كان ملقى في مياه بحيرة الثرثار ، وأن الشكوك قد أنتابت مسؤول حماية القصر الرئاسي هناك من القيام بعمل لاسيما وأن السيارة البيك أب والغطاء الذي هو الزورق المطاطي كانا يوفران عامل التمويه لنقل الصاروخ لجهة مجهولة معادية باعتقادهم، وبعد أن تعرفا على طبيعة رحلتنا والغاية منها، أعتذرا للخطأ غير المقصود محملين مسؤول حماية القصر في الثرثار المسؤولية وسمحوا لنا بالمغادرة الى منازلنا، في وقت كانت الساعة تشير الى الرابعة فجراً.
خرجنا غير مصدقين أننا نجونا بأنفسنا كي نستقل سياراتنا المرصوفة بجانب القاعة فوجدنا مقاعدها قد قلبت رأساً على عقب في عملية تفتيش دقيقة بحثاً عن أي دليل ضدنا. غادرنا منطقة القصر الجمهوري باتجاه دارنا حيث لم أرغب أن تغادر العوائل إلا صبيحة اليوم التالي وودع أحدنا ألآخر والكل يضرب الكف بالكف غير مصدق ما حصل وحدث!!.
750 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع