حكاية غرق قصرالملك في العشرينيات

   


       حكاية غرق قصرالملك في العشرينيات

        

نبراس الذاكرة/احمدعبد السلام حطاب:في التاسع من شهر نيسان من العام 1926,داهم بغداد فيضان كبير في مياه نهر دجلة لم تعهد مثله بغداد منذ سنوات,

وقبلها باسبوع كانت مياه نهر الفرات قد فاضت ايضاً وطغت على الاراضي الزراعية الواقعة على ضفتيه,وأدى انكسار عدد من النظم التي تروي المزرعة الملكية من نهر دجلة بالتسبب في غرق قصر الملك فيصل الاول في الاعظمية ,الذي هو في الاصل قصر التاجر العراقي اليهودي شاؤول شعشوع, والمؤجر لسكن الملك مؤقتاً,.

  

وشاؤول شعشوع من وجهاء اليهود ومن تجار بغداد الأثرياء, وله أملاك واسعة في بغداد, بنى قصره الموجود لغاية اليوم في منطقة الكسرة جوار نادي الضباط, والمطل على نهر دجلة بين عامي 1906 و 1908 واستخدم في بنائه الأجر والسمنت والشيلمان ولم تكن هذه المواد مألوفة او شائعة الاستعمال, حيث كان الطابوق الطيني (اللبن) هو المادة الأساسية في البناء, ولم يكن بذلك القصر الكبير والمنيف, لكن كونه بني مواجها لدجلة فيعتبر قصراً من وجهة نظر أهل بغداد في ذاك الزمان, كما أورد عباس بغدادي في كتابه بغداد في العشرينيات, حيث لم يكن أهل بغداد يطلقون لفظة القصر إلا على البيوت الكبيرة المواجهة لنهر دجلة.

لم تستطع سلطات بغداد في حينها بغلق منافذ تدفق المياه الا في 16 نيسان أي بعد اسبوع واحد, وبمساندة كبيرة من قوات الشرطة, والجيش والاهالي, وكان الفيضان ذا أضرار كبيرة على العاصمة بغداد, ما جعل الملك فيصل الاول يلغي الاحتفالات الرسمية بعيد الفطر الذي حل بعد أيام من الفيضـــان.

  


وانتقل الملك فيصل الاول مع عائلته من قصر شعشوع الى قصر مؤجر آخر هو قصر الوجيه اليهودي أيضاً مناحيم دانيال,الواقع في منطقة السنك مواجها لنهر دجلة , تحديداً في نهاية بستان الوقف الكبير الذي يلي شريعة سيد سلطان علي (الشريعة: بكسر الشين والراء, مكان لرسو القوارب ووسائل النقل النهرية التي كانت تجوب دجلة في حينها).

ومناحيم صالح دانيال, تاجرعراقي وأحد وجهاء اليهود المعروفين بثرائهم ,عاش وتوفي في بغداد العام 1940, وهو باني السوق التي تحمل اسمه إلى اليوم وهو سوق دانيال المعروفة ببيع الأقمشة ومستلزماتها في بغداد تحديدا في شارع سوق النهر, وله املاك مازالت الى اليوم باسم ولده عزرا مناحيم دانيال.

 

لكن سبب غرق القصر والبلاط الملكيين اضافة الى المنطقة المجاورة , التي على اثرها عرفت تلك المنطقة بالكسرة ومازال هذا الاسم متداولاً, كان بسبب خطأ غير مقصود من البلاط الملكي نفسه.!؟
حيث يبين عبد الرزاق الحسني في مؤلفه تاريخ الوزارات العراقية ج2-صفحة 56- الطبعة الثامنة :حين شرعت الشرطة في التحقيقات الدقيقة لمعرفة اسباب فيضان البلاط الملكي, اتضح لها أن مدير المزرعة الملكية توفيق المفتي (سوري الأصل) قام بفتح احدى القناطر لسقي مزرعة القطن الملكية, ففتح بوابة على الجانب الايسر من النهر, ولكنه لم يستطع وقف تدفق المياه, التي أغرقت البلاط والمزرعة الملكية بمزروعاتها ومواشيها وتسببت في غرق المناطق المجاورة , وأحيل في وقتها المفتي للتحقيق ومثل أمام محكمة جزاء الاعظمية بناءً على طلب متصرف بغداد (ما يعرف اليوم المحافظ) في حينها ناجي شوكت, وأزعج هذا التصرف الملك الذي امر بفصل المتصرف من منصبه, لكن رئيس الوزراء عارض فكرة فصله,فابعد شوكت من متصرفية بغداد إلى متصرفية الموصل في تموز 1926,اما المفتي فبقي موقوفا فترة طويلة, رفضت خلالها محكمة بداءة الاعظمية اخراجه بكفالة تدفعها الخزينة الملكية الخاصة,ولم يستطع المفتي ان يدفع الكفالة البالغة خمسين الف روبية, من ماله الخاص, لكنه خرج من السجن بعد فترة من الزمن.

        

وعلى اثر هذه الحادثة أصبحت هذه المنطقة تعرف منذ ذلك الحين باسم منطقة الكسرة التي هي اليوم تقع بين منطقتي الاعظمية والوزيرية, وحل محل بناية البلاط الملكي التي أزيلت في سبعينيات القرن الماضي وشيد مكانها نادي القادة (الضباط) , ولكن قصر شاؤول شعشوع, مازال موجوداً, ويملكه اليوم شهاب احمد البنية, الذي اشتراه والده منذ العام 1952 , ومازال في عهدتهم إلى يومنا هذا.

  

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

732 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع