هكذا كانت مدينة بغداد في عهد الرشيد
أبتدعت فيها الكتابة للعميان
نبراس الذاكرة/محفوظ داود سلمان:في رؤية الكثير من المؤرخين ان بغداد هي ام الدنيا وسيدة البلاد وجنة الارض كما يحدثنا المؤرخ العراقي ميخائيل عواد وانها لانظير لها في مشارق الارض ومغاربها وقد سكنها اصناف من الناس وآثرها اهل الافاق جميعهم على اوطانهم.
وان التجارات تأتيها براً وبحراً وسيقت اليها خيرات الارض وقيل سابقا الكثير عن خصوبة ارضها وكثرة زرعها وثمارها .وعذوبة مائها وعن اخلاق اهلها واتقانهم الصناعات وحذقهم في المناظرات فهل هذه الصورة مازالت ام قتلها الغزاة والمحتلون في تاريخها الطويل.
اشتهرت بغداد بدورها وقصورها وقد وصف الشاعر ابن المعتز قصر الثريا لأحد الخلفاء بان شرفاته مثل صف من النساء متربعات في أزر . وكان قصر الخلافة فيها يحتوي على برك وانهار يطْلون أسافلها بالرصاص وهو اجود من الفضة حتى لايذهب الماء هدراً.
وهناك دار تم تمويهها بالذهب فيه حمام عجيب وفيه اداة يخرج منها الماء حاراً من جهة اليمين وبارداً من جهة الشمال هذا في العصر العباسي فتصور، وكانت للخطاط المعروف ابن مقلة دار على شاطئ دجلة ألحق بها ملاذ لانواع الطيور تأتيه من اقاصي البلاد فهناك طيور لها أصوات جميلة وطيور لها ريش جميل وطيور لا تطير وهناك ملاذ اخر يأوي الغزلان والنعام والايائل والارانب والابل وحمر الوحش فهذه حديقة حيوانات ملحقة بقصر الخطاط ابن مقلة .وهناك دار اخرى كانت سقوفها من الصاج المذهب كل هذا يدل على النعيم الذي كان يعيشه اهل بغداد او بالاحرى طبقة التجار والوزراء.
وفي ايام المنصور كان البعض من الناس في ايام الصيف الحارة يبنون قباباً من القصب الرطب الاخضر ويستخدمون جدائل من القصب على ابوابهم وان هارون الرشيد اول من اخترع المروحة لأخته علية بنت المهدي . وهي مصنوعة من الخيش تشبه أشرعة السفن توضع في السقوف وتشد بحبال وتبل بالماء وترش بماء الورد.
ويحكى عن ناس في بغداد يسمونهم الثلاجين كانوا يجمعون البرَد (بفتح الراء) ويكبسونه في مثالج تحت الارض ويبيعونه في الصيف بثمن غال . وقد يستورد الثلج الى بغداد من اماكن بعيدة . وكان الشاعر يقول لهف نفسي على المقام ببغداد وشربي من ماء كوز بثلج فهذا الشاعر يربط بين جمال المقام في بغداد وبين كوز من الشراب البارد . ومن مآثر بغداد ان فيها رجلا اعمى في الجامعة المستنصرية هو اول عربي ابتدع الكتابة للعميان قبل ان يبتكرها الاعمى برايل الفرنسي الاصل صاحب القراءة للعميان في العصر الحديث واسمه زين الدين الآمدي وكان يوم الجمعة من عجائب الاسلام الاربع في بغداد ، وقد كان البعض يمارس مايسمى بطيف الخيال او خيال الظل على ضوء الشموع وهو نوع من الكوميديا مارسها العراقيون في العصر العباسي ، وكان البعض حين يسمع الغناء يمزق ثوبه من شدة الفرح او يدق راسه بالجدار او يتعفر بالتراب او يعض بنانه حين يتوحد مع المغني في تدفقه العاطفي وكان بعضهم يمارس الكتابة على التفاح قبل ان ينضج فاذا نضج ظهرت الكتابة في لونها مختلفة عن لون التفاح عند نضوجه وكأنها كتابة طبيعية.
وكان يقال عن بغداد ان فيها مئتي الف حمام وبازاء كل حمام خمسة مساجد وفي كل مسجد خمسة انفس ، فيمكن احصاء سكان بغداد على مايقوله مؤرخ بغداد الخطيب البغدادي.
ويروي المؤرخون ان في بغداد يوجد متول للجوازات وهي صكوك تعطى للمسافرين حتى لا يتعرض لهم احد في طريق سفرهم . وكانت لهذه الجوازات دواوين خاصة تنظر في تنظيمها واصدارها.
وكان أهل بغداد يتميزون بثيابهم ولباسهم و أزيائهم حسب حرفهم او كفاءاتهم او انتماءاتهم فكان للجند لباس وللقضاة لباس ولاهل العلم لباس ويلبس الخطباء السواد ، ويرتدي اهل التصوف جبباً من الصوف وكذلك للرهبان لباس مميز وللتجار والوزراء والاعراب والعاطلين عن العمل والمنكوبين، والملاحين العاملين على السفن في نهر دجلة وكان البعض يقول ان أحسن الثياب ماتشاكل وتقارب وكان اللون الاحمر لباس الخليفة، لقد كان العراقيون يعيشون حياة من الترف والنعيم ، لا مثيل لها في العالم وكانت بغداد كما يقال لانظير لها بين مدن الدنيا وهذا التنوع فيها دليل على حيويتها وابداعها فهي حقا دار السلام التي غيبتها الحروب والغزوات وتحولت الى يوتوبيا مفقودة.
حتى قال الشاعر قديماً فيها :ـ
بغداد دار لاهل المال واسعة وللمساكين دار الضنك والضيقِ ظللتُ حيران أمشي في أزقتها كأنني مصحف في دار زنديق.
729 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع